مرحباً بكم في القاع الساخر

24-07-2019

مرحباً بكم في القاع الساخر

الجمل ـ يارا انبيعة :الصحفية يارا انبيغية


يخال المرء نفسه و هو يعيش بين جدران سوريا أنه خارج حدود النظام الشمسي الذي عرفه و درسه، لن يكون هنالك طائل من تعداد أسوأ الأمور التي يتعرض لها يوميا،ً فقد أصبحت حديثاً مقيتاً ملؤه التكرار الذي يلفظه السوريون يومياً فلم يعودوا يستسيغون منه خلاصاً و لا يرجون منه أملاً.


لعل السخرية تكون الباب الذي يستجدي منه السوريون تفريج كرب و زرع ابتسامة لا تكاد تعتلي وجوههم حتى تطفئها مثالب الحياة الكثيرة – ان صح وصفها بالحياة  ، لست أبالغ في ذلك و أنا أتحرّى الصدق في كلامي قدر المستطاع،  و لكن ما وصل إليه السوريون من ضنك العيش لا يعدو كونه عبثية  و عدم جديّة للحياة معهم ، أنا هنا لا أتحدث عن سخرية السوريين من باقي الشعوب كسخريتهم  مثلاً في بعض الأحيان من بعض شعوب الخليج و التي ينطبق عليها المثل القائل " حافٍ يسخر بناعل" و لكن من الجيد ان متلازمة السخرية الغبية هذه تضمحل و تندثر مع الوقت الذي يعرف به الشعب السوري يوماً بعد يوم أنّه حافٍ فعلاً !


يسخرون من القرارات التي تنبئهم بصباح مقيت جديد يشرق عليهم، يسخرون من بعضهم ، من تصرفاتهم ، من مثقفيهم، من تلفازهم، من مسلسلاتهم، من صفحاتهم حتى! بل إنهم يستطيعون تركيب نوع جديد من السخرية الرجعية، و هو السخرية من السخرية بحد ذاتها، فترى الساخرين تعلو أصواتهم انتقاداً لتمادي ساخرين آخرين و يلومونهم بسخرية أيضاً !
يعتبر السوريون ان السخرية درع يقيهم نوائب الدهر ، ربما تقي أرواحهم فقط و لكن مهلاً فكما أنه لكل ميدان فرسان ، لا بدّ أن يكون من فرسانٍ لميدان السخرية ، مع ملاحظة ندرة الأدباء الساخرين و المثقفين الكوميديين سواء بين كتّاب الصحف أو الرواية أو المسرح أو كتّاب الإذاعة والتلفزيون. ويقال إن صعوبة الكتابة الساخرة مقارنة بالكتابة الجادة، والملاحقات القضائية التي يتعرض لها الساخرون كلها عوامل تساهم في الجدب الذي تعاني منه ساحة الكتابة الساخرة.


والمشكلة أنه في ظل ندرة الكتّاب الساخرين، فإن بعض هؤلاء النادرين ضلّوا الطريق عن ميدانهم الحقيقي إلى ميدان السخرية من الأعراق والأجناس والعاهات والفئات والجهات واللهجات، خصوصاً بين كتاب التلفزيون والمسرح، ذلك أن الموهبة من دون وعي وحذر وحساسية، تجعل صاحبها يضل طريقه ويتجاوز الخطوط الإنسانية الحمراء، ولا يعود يفرق بين السخرية مع الناس والسخرية على الناس، ولا يعود يرى ذلك الخيط الرفيع الذي لا يُرى إلا بالبصيرة النافذة.


ذلك إن تحدّثنا عن السخرية الممنهجة و لم نتطرق للمحاولات الفردية للذين امتهنوا وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك ليكون منبرهم الساخر " فظاً أو جميلاً " فلن نجلس لنحاسب أناساً " مثلنا" يعتقدون أنهم في الحياة بينما هم عمليّا – مثلنا- على قيد الحياة فقط.  


على سبيل ذلك قالت رضوى عاشور :هذه السخرية كانت درعا من نوع ما، إزاء خطر قررت أن أفضل اسلوب لمواجهته هو التصغير من شأنه " المشكلة لن تصغر و لن تحل بالسخرية لكن ما يؤكده أصحاب التجارب و هم سوريون عموما في حالتنا هذه فإن السخرية توقف الشعور الآني بالألم و لكن أثرها كأثر المسكّنات التي لا تبطل الألم و لكن تؤجّله .


و من باب أن السخرية هي سلاح المغلوب على أمرهم – يا أصحاب الأمر المغلوب – فليكن في أيدينا قنبلة من أيدينا و خنجر بين أسناننا و سخرية لا نهائية في قلوبنا .


و لن يصحّ أن اختم بأجمل و أكثر تلخيصاً مما قال نجيب محفوظ :نحن الجيل الذي فهم كل شيء، ونظر بسخرية إلى حماقات الأجيال القريبة السابقة، ولازال بالرغم من ذلك، يرتكب ما هو أتفه منها بحماس منقطع النظير.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...