المحافظ ليس لديه قانون لحماية المناخلية لكن لديه قوانين لإزالتها

25-03-2007

المحافظ ليس لديه قانون لحماية المناخلية لكن لديه قوانين لإزالتها

الجمل – تحقيق – حسان عمر القالش:   تمر الأيام والناس تسأل دمشق ودّها قبل أن تفقدها. من الصعب على المرء أن يصدق مثلا أن "جامع النطّاعين" هذا المسجد الصغير الملاصق والمتداخل مع نسيج بقية الأبنية "التاريخية" القديمة, بحجارته السوداء الكبيرة والأقواس الرومانية المعلقة في سقفه من الداخل, بأنه سيزال عن الوجود, حتى لو عوضوا المؤمنين بغيره. ومن المؤلم تخيل أن بناء قديما كان يمثل "مخفر درك عثماني" مازالت آثاره واضحة وبناؤه مكتمل رغم كل اهمال واساءات المحافظة على مر الزمن, قد وقع ضمن المنطقة التي ستستملكها الدولة أيضا ليتلاشى بعدها عن حضوره وتذكيره أهل البلد والسياح برحلة تاريخنا الأقدم بشريا, هذا المخفر كائن في " حي العقيبة, منطقة ساروجا" والعقيبة هي تسمية أطلقت على المكان تعود الى العهد السلجوقي من القرن السادس للهجرة. لكن محافظة عاصمتنا السعيدة لا تزال تنفي عن هذه المنطقة صفتها "الأثرية" كقول السيد عبد الفتاح اياسـو مدير التخطيط العمراني في المحافظة: الدراسة الموجودة حاليا لم تقرب من أي شيء أثري بل العكس حافظت على نسيج عمراني "معين"..!!

هذا الكلام أذيع على أثير اذاعة دمشق صباح يوم الثلاثاء الفائت 20-3-2007 في حوار مباشر من سوق المناخلية, كان حاضرا فيه أيضا نظير عوض مدير آثار دمشق والذي أخذ في أجزاء من حواره مهمة الدفاع عن المحافظة وقرارات الهدم والاستملاك التي ستشنها على هذا الجزء من دمشق القديمة. وكان لابد من حضور تقنية الكر والفـر التي غالبا ما تعتمدها مؤسساتنا الحكومية والتي تحاول هنا تنفيذ "هـدم ناعم" لهذه المنطقة أو "قتلا رحيما" ربما لها, فتناقض الأقوال والتصريحات والخبريات الصحافية بدأ يطفو على سطح هذه القضية, كأن يقول السيد عوض بأن " الموضوع قيد الدراسة الى الآن..وأنه معروض على اليونيسكو لايجاد أفضل السبل الفنية والتكنولوجية لتنفيذ هذا المشروع"..!! وهو ما يناقض نصا وروحا كلام مديره وعلى أثير الاذاعة أيضا والذي بـتّ بأن المنطقة مليئة بالمخالفات والتعديات ويجب ازالتها وبأن اليونيسكو نفسها موافقة على ذلك (الجمل 16-3-2007).

أما أهالي المنطقة من تجار وسكان فقد أكدوا باصرار في مداخلاتهم بأنهم يرفضون منطق الاستملاك والهدم رفضا قاطعا مهما كان التعويض كبيرا أو مغريا, وأبدوا حماسا واستعدادا لتنظيف وتجميل وترميم المنطقة والأسواق وعلى "نفقتهم الخاصة" كما سبق أن فعلوا قبل سنوات,أحدهم قال لنا "قبل أن يبدؤوا بهدم المكان فليحفروا لنا حفرة كبيرة لندفن فيها جميعا", وأتت مداخلة الزميل وعد مهنا المختص بالآثار السورية في وقتها لناحية اظهار مدى الجانب الكارثي في نهج المحافظة ووزارتي الثقافة والسياحة, و عرض المشكلة من حيث لا يتوقع الضيوف الرسميون عرضا أكاديميا توثيقيا, وأورد آراء خبراء أجانب ومعماريين سوريين كبار بالموضوع, وبأن "لا مساومة على دمشق القديمة".

انتهى كلام الناس مع الاذاعة وتركناهم لتتوجه مجموعة منهم الى محافظة دمشق للاجتماع بالمحافظ ورئيس غرفة التجارة حيث تم تحديد موعدا لهم, لتصلهم رسالة مختصرة ورمزية ختم بها المحافظ اجتماعه بهم بالقول " ليس عندي قانون ينصفكم", هذا ما نقله الينا المجتمعون من التجار, الا أن كلاما من عيار أثقل دما ووزنا أوردته صحيفة تشرين الرسمية في 21-3-2007 تنقل فيه عن لسان نفس المحافظ بأن "ما يشاع بأن المحافظة ستعرض المنطقة للاستثمار السياحي غير صحيح أبداً" مع أن اشاعات قوية بدأت تتسرب عن قرب البدأ ببناء برجين تجاريين متناظرين في المنطقة, ولا ننسى هنا الصفحات الاقتصادية للصحافة العربية التي تعلن كل فترة عن تعاقدات حكومتنا مع شركات ومستثمرين من الخليج, توقيع وزير السياحة وموافقات المجلس الأعلى للسياحة على مشاريع".. مركز رجال أعمال دولي، ومركز تجاري، ومركز ترفيهي يضم صالات للسينما ونادياً رياضياً صحياًً ..وإقامة مجموعة منشآت وفنادق سياحية.. – الحياة 28-12-2006".. ‏هذه ضربة أولى, أما الضربة الثانية فقد نزلت على رؤوسهم وأعصابهم بعد يومين حيث توجهوا – كلهم هذه المرة – الى غرفة تجارة المدينة ليجتمعوا برئيسها السيد راتب الشلاح حيث حدد لهم موعدا بالاتفاق مع الغرفة في الساعة الحادية عشرة صباحا, وعندما هـمّ القوم بالدخول تفاجؤوا بالسيد الشلاح يغادر مبنى الغرفة معتذرا بأن لديه اجتماعا مع "سفير ما" ومتحججا بأنهم "لم يؤكدوا" موعدهم معه, وبما أن السفير لن يطير وهو ما استوعبناه لاحقا, أي أن الشخص المراد الاجتماع به هو في داخل البلاد ويعيش فيها أي ليس ضيفا محدود وقت اقامته, فقد أحس معظم الحاضرين باهانة واضحة وصريحة اذ أن مهمة السيد رئيس "غرفة التجارة" هي تسيير أمور أعضاء الغرفة من التجار بالدرجة الأولى, وحتى لو لم يكونوا قد جاؤوا بموعد فحضورهم بهذا العدد الكبير كفيل بتأجيل أي موعد آخر والاجتماع بهم فورا. وكان السيد الشلاح الذي هبطت قدراته الرسمية من منقذ التجار وحامي حماهم - كما صوروه في كلامهم ومناشدتهم اياه قبل أسابيع – الى وسيط عادي بينهم وبين المحافظ, قد دخل على مايبدوا على خط الضغوط التي تمارس عليهم كما أوحت صحافتنا الرسمية حيث أنه "أكد" في الاجتماع المذكور أعلاه " أن الوقت يمر وهو ليس في مصلحة الشاغلين، طالباً من السيد المحافظ ايجاد مكان مؤقت ليمارس الشاغلون عملهم.."‏ (نفس المصدر السابق ).

وفي عودة الى سوق المناخلية القديم وبجانب "باب الفرج" تحديدا, أوقفنا مجموعة من السياح هم سيدتين فرنسيتين وسيدة اسبانية, وسألنا عن رأيهن فيما اذا تهدم هذا السوق والمنطقة المحيطة به, فأجابت احدى الفرنسيتين بعد أن ترجمت لصديقتها سؤالنا الى الفرنسية: (اذا دمرتم هذه الأسواق فسوف تخسرون جزءا كبيرا من "الحياة السورية" وتصبحون كبعض الأوروبيين ومن ثم أمريكان) وواضح من مقصدها وخاصة اشارتها الى "الأمريكان" بأننا سنتحول الى ناس "معولمين" بلا تاريخ وبلا آثار وشواهد تدل عليه. ومن جهة أخرى ربما قصدت صديقتنا الفرنسية أن تشير الى "نمط حياة" على الطريقة السورية Syrian way  الذي لا ندركه ولا نقدره, والذي يناقض نمط الحياة الاستهلاكي السريع والخالي من الروح الذي تروج له ثقافة الأمركة أو الـAmerican way .

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...