تــزوّجن ولكن…معنّفات سوريّات يروين معاناتهن

17-05-2018

تــزوّجن ولكن…معنّفات سوريّات يروين معاناتهن

العنف الزوجي ضد المرأة، بنوعيه الجسدي والنفسي، ظاهرة اجتماعية متفاقمة في عدّة مجتمعات، خاصةً تلك التي ما زالت تتمسّك برواسب العادات وقشور الأخلاق.

أسباب عديدة تقف وراء هذه الظاهرة، ليس التقرير التالي في وارد التقصّي والبحث فيها، إذ وبعد الغوص في تجارب السيّدات اللّاتي التقيناهنّ سنترك المجال للقارئ عموماً والقارئة خاصةً، ليكوّنوا رؤيتهم الخاصة حول كيفية — لن نقول التخلّص النهائي- التخفيف من هذه الظاهرة والحد من تأثيرها على الأسرة والمجتمع.

زواج تقليدي وفي عمر السادسة عشر

فرح، لم تكن تعلم عن الزواج إلا ما رسمته لها أحلامها الوردية كطفلة لم تعش مراهقتها بعد، فالفستان الأبيض المزركش والحذاء ذي الكعب العالي ” وكل شيء سيكون مُلكاً لي”، أحلام أخفت وراءها الكثير.

تزوّجت رنا بناء على رغبة أهلها، ولم تكمل دراستها الثانوية بعد، تماشياً مع العادات والتقاليد التي تقول بأن سِتر الفتاة هو الزواج. ماذا عن الحب والتفاهم إذاً ؟! في عرف المجتمع التقليدي هذه أشياء ثانوية تكفلها الأيام.

تقول فرح: “كان زوجي (حينها) يكبرني باثنتي عشرة سنة، رجل شرقي جداً، صاحب عقلية متعنّته ومزاج صعب، لم أكن أرى هذه الأمور بشكل واضح في البداية بسبب قلة خبرتي في الحياة، لكن وبعد سنه من الزواج بدأ عنفه اللفظي وكلامه القاسي السيء يظهران بشكل فج، لدرجة أنني كنت أردد هذه الكلمات أمام أهلي دون معرفتي لمعانيها وأبعادها السيئة.
كانت نهاية هذا العنف اللفظي أن ضربني بقوة في أحد الأيام، مباشرة قمت برفع دعوى، لكن تدخل الأهل والمصلحين ووعوده لي بالتحسّن والتغيّر دفعتني لسحب الدعوى وإعطائه فرصة لإثبات كلامه”.

أثناء حملها بطفلها الأوّل تعرّضت رنا للعنف اللفظي والجسدي، حتى بعد ولادة طفلها الثاني استمر زوجها في معاملته القاسية وضربها وتعنيفها، ومرّة ثانية رفعت دعوى عليه، لكن وبسبب وجود الأطفال هذه المرّة سحبت دعواها وأعطته مرغمةً فرصة ثانية.

تكمل فرح: “في المرّة الأخيرة وصل الضرب إلى مرحلة الإيذاء الشديد، حيث أدى إلى نزيف في أذني، إضافة إلى نزيف داخلي في الوجه، حينها توجّهت مباشرة إلى الطبيب الشرعي وكانت الدعوى الأخيرة.

تنازلت عن حقوقي وحصلت على الطلاق، فكرامتي كأنثى وكإنسان أهم من كل الأموال والتعويضات”.

تحمّل فرح العادات والتقاليد البالية مسؤولية مأساتها، وتتمنى (بمحبة) أن يسامح الله أهلها على تزويجها في تلك السن الصغيرة، وتقول أن اعتماد الفتاة لا يجب أن يكون على أشخاص بل على الله أولاً، وثانياً على الشهادة العلمية والعمل المستقل، كي يكون لدى الفتاة مورد يحميها من الحاجة لأيٍّ كان.

تختم فرح حديثها بنصائح للفتيات المقبلات على الزواج والنساء اللواتي يتعرضن لتعنيف أزواجهن:

” لا أنصحك بالزواج المبكر أبداً، يجب أن تحصِّلي تعليمكِ وشهاداتكِ أولاً وقبل أي شيء. احترام الأهل واجب لكن عِلمكِ وعَملكِ أوجب. لا تتزوّجي قبل أن تدركي أنك في مرحلة النضوج الكامل التي تؤهلك لاختيار شريك حياتكِ بالشكل الأمثل. وللمرأة التي تعيش العنف الزوجي بصمت أقول لها أن تتكلّم وتشتكي فوراً ومن أوّل مرة تتعرّض فيها لذلك، وألا تخاف من الطلاق فهو أفضل من الذل والاستسلام”.

بعد طلاقها حصلت فرح على الشهادة الثانوية، وتهتم اليوم بدراسة الإعلام، كما أنها تزوّجت ثانيةً وتعيش حياة جيّدة جداً.
جامعية وفي سن مناسب، لكنها خُدِعَتْ..من بيئة أخرى أكثر انفتاحاً وأقل تمسّكاً بالعادات والتقاليد، نلتقي علا، الخريجة الجامعية والفتاة التي تدير مشروعها الخاص. تقول علا:

” من دون سابق معرفة يتقدم لي شاب عائد بإجازة من المغترب، ادعى أهله أنه مهندس، وشخص عصامي صنع نفسه بنفسه، ويرغبون بتزويجه فتاةً من بلده، لكنه وبحكم ضيق وقته يود إتمام إجراءات. كالعادة سأل أهلي عن الشاب وعائلته، لكن ما عرفوه كان شحيحاً فالعائلة مغتربة منذ سنين طويلة.

شجعني على القبول به كلام أهله وشهادتهم عنه، فبعد شهر ونصف تماماً التقيته فيها مرّات معدودة لم تسمح لي صراحةً بمعرفته كما يجب، عقدنا زواجنا في المحكمة وهنا حدث التحوّل المفاجئ.

فالشخص الراقي (الجنتل) والكريم تحوّل إلى شخص عنيف مخيف وبخيل، تراجع عن كل وعوده، فلا العرس الذي وعدني به حصل ولا البيت الذي اتفقنا عليه سكنّاه “.

علا كانت أمام مفترق طرق، هل تتراجع أم تستمر؟ ولأنها أصبحت بحكم القانون زوجة لهذا الشخص وكلمة مطلّقة ستلازمها في كل الأحوال، قررت أن تستمر لاعتقادها أنها قد تكون متسرّعةً في حكمها على هذا الشخص وظالمةً له.

تقول علا: ” بعد العرس مباشرةً، وفي يومنا الأول كزوجين، أخذ هاتفي مني، وحرمني من التواصل مع أهلي إلا بحضوره وبالكلام الذي يلقنني إياه، ونلت صفعة على وجهي لأنني خلدت للنوم قبله، فطالما هو مستيقظ يجب أن أظل مستيقظة بجانبه.

كانت الحال كذلك في الأيام التالية، إلى أن جاء يوم تفاجأت فيه بوجود حقن طبية في درج مكتبه، سألته عنها فادعى أنه يأخذ مغذيات للعضلات، مع علمي بأنه لا يتردد على أي نادٍ رياضي. قلتُ لنفسي وقتها: “قد تكون هذه الحقن هي السبب الذي يجعله يعاملني بهذه الطريقة”، لكنني كنت مخطئة في اعتقادي، فهذا الشخص غير طبيعي وغير متوازن نفسياً أبداً”.


تشبّه علا حالتها تلك الفترة بالشخص الذي يقف في منتصف جبل نائي بعيد يصرخ طالباً العون والمساعدة، لكن وبعد شهر تماماً من زواجها وبصدفةٍ بحته تمكّنت من إخبار أهلها بمعاناتها ومصيبتها، لكن أخاها المحامي نصحها أن تنتظر الفرصة المناسبة التي تمكنّها من تقديم شكواها لدى القضاء.

تكمل علا: “هذا بالفعل ما حدث لاحقاً، فقد تعرّضت للضرب المبرح، ولإصابة شديدة في الظهر دخلت على إثرها المشفى، فيما بعد رفعت دعوى طلاق، لكن وبسبب الفساد المستشري في محاكمنا دامت الدعوى سنتين بين أخذ ورد وتأجيل تمكنت في نهايتها من الحصول على الطلاق”.

تحمّل علا نفسها مسؤولية ما حدث، لأنها تسرعت وتزوّجت شخص لم تتعرّف عليه بالشكل الجيّد، ولم تتأكد من طباعه وأخلاقه وتصرفاته، وفي النهاية لم يدفع أحد غيرها الثمن الذي تعتبره باهظاً.

وتنصح الفتيات المقبلات على الزواج بالقول:

“لا تصدقي أي شخص يقول لكِ سأضعكِ على كفوف الراحة، وامنحي نفسك على الأقل سنة كاملة لتتعرفي عليه، كيف يتصرف عندما يغضب، هل هو كريم أم بخيل، المهم أن لا تتسرعي في قرارك”.

رغم الضرر النفسي الذي لحق بها، إلا أن علا تجاوزت ما حصل معها، وتكمل حياتها اليوم بكل ثقة وأمل بالمستقبل.

رهينة الغربة والتعنيف النفسيتزوجت ناهد ابنة البيئة المحافظة التقليدية في عمر الثمانية عشرة، زواجاً تقليدياً بشروطٍ بدت مثاليه لزوج المستقبل، فالطريقة التي قدّم نفسه بها كشخص محترم، طبيب، يكافح في بناء ذاته في الولايات المتحدة الأمريكية، دفعتها للقبول والسير في هذا الزواج. تقول ناهد:

” كانت الأمور تسير بكل سلاسة، وكأن هذه الإجراءات (اجراءات الخطبة والزواج) أمر حتمي، لم ينصحني أحد حينها بأن لدي خيارات أخرى كالتريث أو التأجيل، أبداً، لقد بدا الأمر قدراً محتوماً.

بعد شهرين فقط من دخوله منزلنا تمت الخطبة وسافر مباشرة إلى أمريكا وعاد بعد ستة أشهر لإكمال إجراءات الزواج، لم يكن لدي الوقت ولا الخيار للتعرّف عليه أكثر وأعمق”.

سافرت ناهد إلى أمريكا بعد الزواج مباشرة، وهناك بدأت طباع زوجها الحقيقية تظهر على حقيقتها، فبدأ بالتدقيق على تصرفاتها ولباسها، وانتقاد أدق التفاصيل في سلوكها، تقول ناهد:

” في البداية اعتبرت الأمر عادياً، وأنه يجب عليّ التعلّم من أخطائي ومسايرة طباعه، لكن هذا الشيء أوصلني لاحقاً إلى مراحل من البكاء الهستيري نتيجة الضغط النفسي الشديد الذي مارسه عليّ وسببه لي، لقد تداخلت مشاعر الغربة مع الظروف التي أعيشها لتزيد غربتي وضياعي.

قررت أن أتجاوز هذه الظروف ودخلت الجامعة وحصلت على شهادة سوق، وفي كلتا الحالتين لم يقدم لي أي تشجيع أو مساعدة، بل كانتا سبباً للمزيد من المشاكل والضغوط، وكل ما كنت أعتقد أني تجاوزت مرحلة ما كان يفاجئني بوجود تقصير في مكان آخر”.

في مراحل لاحقة بدأت ناهد ترى التطرّف في أفكار زوجها وتصرفاته، وزيادةً في انتقاده لها وارتفاعاً في حدّة كلامه، زاد من ذلك بعدها عن أهلها وعدم وجود من يدعمها وينصحها في غربتها. انجبت ناهد بعد ذلك ثلاثة أطفال، كانت تعتقد أن هذا الأمر سيخفف عنها ضغوط زوجها وانتقاداته وحدّة طباعه، لكنها كانت مخطئة. تقول ناهد:

” هذه كانت غلطة أخرى ارتكبتها، فلا الأولاد ولا اعتبارات العائلة والأسرة غيرت من تصرفاته، بل زادت الأمور سوءاً، توقفت عن الدراسة بسبب عدم رغبته الاستعانة بمربية، وبدأ تطرفه يظهر أكثر فأكثر من خلال حديثه والجماعات التي يدعمها، حتى في اختياره لأسماء أطفالنا.

وصلت إلى نتيجة مؤكّدة أنه يريدني أن أفشل في أي شيء أريد الخوض فيه والنجاح به، كان شخصاً متقلباً غريباً، فأحياناً وبعد نوبات الغضب والتأنيب والتوبيخ لي كان يبكي تحت قدمي طالبا مني العفو والغفران. بقيت على هذه الحال من الضغوط عشر سنوات كامله انتهت بأن صفعني على وجهي لسبب تافه جداً، كانت هذه الصفعة نقطة اللاعودة بالنسبة لحياتي مع هذا الشخص، الحمد لله أن هذا الأمر حدث هنا في سوريا أثناء زيارتنا لأهلي، اخبرتهم بقراري وكانوا إلى جانبي ولم يبخلوا علي بدعمهم ومساندتهم”.

رغم محاولة زوجها إصلاح الأمور وإرساله من يتوسط في ذلك، إلا أنَّ ناهد فقدت شعور الأمان والثقة بهذا الشخص تماماً وأصرت على الطلاق، بقي أطفالها في عهدتها سبع سنوات قبل أن يهرب والدهم بهم إلى أمريكا، حيث لم تراهم منذ ذلك اليوم.

تحمّل ناهد المسؤولية للمجتمع الذي يبرر للرجل تصرفاته، وللتفسيرات المغلوطة للدين وتعاليمه والتي تعتبر المرأة خادم مطيع لإرادة الرجل وتقلبات مزاجه، كما تنتقد التربية الدينية للمرأة التي تغرس في ذهن الفتاة واجب الطاعة العمياء لزوجها وتقاليد مجتمعها، وتقول أن هذه التقاليد بعيده عن تعاليم أي دين.

تعمّدت في تقريري عدم إيراد رأي خبير أو أخصائي اجتماعي، لأن النتائج والنصائح المستخلصة من تجارب ومعاناة السيّدات اللواتي تحدثن لنا، قادرة على الوصول بشكل أعمق إلى عقل وروح من يقرأها، إنها تجارب معجونه بالدمع والدم، دفعت فتيات أحلى وأغلى سنوات عمرهن ثمناً لها.

 

سبوتنيك

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...