يوم المرأة العالمي

08-03-2007

يوم المرأة العالمي

«إنه يوم عزيز على قلوب النساء والرجال في كل مكان». بهذه العبارة أرادت الأمم المتحدة أن تعلن عن يوم المرأة العالمي المصادف في الثامن من آذار من كل عام. في لبنان لـ 8 آذار مناسبة أخرى.

في شارع صبرا المزدحم بكل ما تحفل به ضاحية المدينة الفقيرة من دكاكين وحاويات وعربات، كانت رندة حريصي تجلس في زاوية دكان لبيع الستائر خلف ماكينة للخياطة تحوك بخفة وخبرة 15 عاماً في هذه المهنة. رندة تعمل يومياً من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً، وتشكو «أن المرأة لم تأخذ حقوقها في لبنان». لكنها آخر من يعلم أن اليوم هو يومها، هو يوم المرأة العالمي المصادف في الثامن من آذار من كل عام. رندة خجولة وهادئة، تفخر بأنها موظفة وليست عاطلة من العمل «لأن نظرة الناس تختلف». هي جنوبية لم تعرف قريتها عيتا الشعب إلا في المناسبات، لا تملك منزلاً هناك ولا تعتقد أنها يمكن أن تجد وظيفة في قريتها الحدودية المنكوبة منذ عدوان تموز. راتبها الشهري 600 ألف ليرة «من أيام الحرب ما قبضت 600 ألف ولا مرة، هلق عم حصل 350 ألف لأنو الشغل خفيف والحالة تعبانة».
حالة رندة «التعبانة» يمكن أن تصبح نعيماً بالمقارنة مع ليلى فريجة (أم رشيد) التي تسكن في مخيم شاتيلا الذي يبعد أمتاراً قليلة عن شارع صبرا. ليلى أرملة فلسطينية توفي زوجها منذ سنة ونصف تاركاً خمسة أولاد ومنزلاً يجاور مقبرة الشهداء في جامع شاتيلا حيث دفن على عجل مئات الأجساد من ضحايا المجزرة الشهيرة. ابتسامة ليلى لا يمكن أن تحجب هذا الحزن العميق والخوف من المستقبل الذي يسكن أحداقها. عملت ليلى لفترة طويلة في مدرسة للأيتام، لكنها اليوم تفضل أن تعتني بابنها علي الذي كان عمره أياماً عندما توفي زوجها. أما كيف تعيش ليلى، فقصة تبدأ فصولها من مساعدات بعض الجمعيات التي تعطيها شهرياً ما يقارب 200 ألف ليرة تكفيها لسد رمق أطفالها وكسوتهم. تودعنا ليلى وهي تنبه من خطر حافة الإسمنت التي بنتها على عتبة منزلها بعلو يزيد على 50 سنتم. «بدك ما تواخزنا.. بس تشتي الدنيا وتطوف المويه بيصير البيت متل البحيرة». نسأل ليلى عن أمنيتها في يوم المرأة تنصت قليلاً، تنزل دمعة على خدها وتقول: «بدي يشطبو كلمة لاجئة عن «الكرت» أبوي وإخواتي شباب راحو بتل الزعتر وأنا ربيت على حلم العودة لفلسطين... بدي يحطو كلمة «عائدة»... كتبها هاي كتبها».
نودع ليلى لننتقل في أزقة المخيم الضيقة إلى منزل عناية قاسم، هناك حيث تجلس عناية مع أولادها الأربعة. حكاية أخرى تروى، الزوج موجود لكنه ترك العائلة منذ عام 2000. لم تطلب عناية الطلاق، لأن هذا يعني أن تتخلى عن أولادها. تعمل عناية في تنظيف المنازل. أصعب ما تواجهه أن يطلب أحد أولادها شيئاً ولا تتمكن من تلبية طلبه. «أنا مستورة والحمد الله، لا أطلب مصاري من أحد ولا أستعطف أحد». وتضيف: «مرة ابني تخانق مع واحد قلو أمك خدّامة... أنا عاملة زي الدكتور والمحامي ما عم روح اشحد، أنا باخذ أجري من تعبي... كهربا ما عنا ولا مي إزا بدك تشم هوا بدك تدفع مصاري».عناية تحب لبنان.. «بس إزا بطلع بالسرفيس وبيعرفوا لهجتي فلسطينية بيصيروا يتمسخروا.. أنا لا أقبل أن يقلل أحد من احترامي». تسأل عناية: «لماذا يأخذون أسوأ ما في الفلسطينيين؟ هناك دكاترة فلسطينيين وكلهم بيشتغلوا بهل مخيم لأنو ممنوع يشتغلوا برا...20 عيادة و30 صيدلية بهل كم زاروب بس لأنو ممنوع الفلسطيني يشتغل برا».
رؤينة شحادة لبنانية تدير تجارتها الخاصة، وهي تشكل مع قريناتها اللبنانيات 29 بالمائة من قوة العمل. في محلها الذي يقع على زاوية تقاطع نزلة سليم سليم مع النفق المؤدي إلى شارع بربور تجلس رؤينة بثوبها الأبيض الموروث من خبرة 18 سنة في مهنة التمريض. رؤينة تعودت المقابلات الصحافية، فهي مستعدة للمقابلة وتسأل عن المصور، لكنها سرعان ما تستقيل من الكلام وتشخص عينها مع فتاة تقترب من المحل «شو أمرتي حبيبتي؟ ...كيك هلأ بعطيكي كيك». كيك رؤينة اللذيذ والمقصود لأنه «شغل بيت». تنهض رؤينة عند الساعة الرابعة صباحاً، تفتح المحل في الخامسة تحضر عجين المناقيش وعجينة الكيك وتبدأ في تسجيل المواعيد للزبائن الذين يتصلون ليطلبوا الكيك أو المناقيش. تمقت رؤينة الحرب الأهلية. أمها وأخواتها قتلوا في انفجار عبوة مفخخة. 6 أيار عيد الشهداء هو عيد رؤينة المميز، تذبح الأضاحي وتقدم الترويقة مجاناً عن روح شهداء لبنان الذين منهم نصف عائلتها. ليس عند رؤينة أحلام شخصية، فهي لم تتزوج، والبيت الذي اشترته من تعبها في بشامون هو من أجل والدها الذي أقعده المرض 17 عاماً قبل أن يغادر الدنيا منعماً بعيش مترف سعت رؤينة إلى أن تؤمنه له. «أنا مرزوقة لأنني أرضيت أبي وأمي وساعدت المرضى». في 8 آذار تريد رؤينة «أن يكون لبنان سعيداً»، لا طلبات شخصية كما أسلفنا، «أنا مرا ورجال بذات الوقت كل يلي بطلبو انو الله يتلطف فينا».
في لبنان 90 بالمئة من موظفي البنوك من النساء، لكن لا يوجد نساء يشغلن وظيفة مدير/ة بنك. ماجدة كلاكش هي واحدة منهن. تشغل ماجدة منصب نائب/ة المدير في بنك بيروت والبلاد العربية ــــــ فرع الحمراء. «لو كنت رجال كنت مدير» تقول مبتسمة. أنا أشعر بأنني إذا كنت في البيت فلن أكون سيدة منزل ناجحة. جارتي التي لا تعمل قالت إنها تشعر بأنها غير منظمة، أما أنا فأول من يصل إلى البنك من بين كل الموظفين بعد أن أكون قد أوصلت ابنتي إلى المدرسة. تطالب ماجدة بأن تُلغى هذه النظرة إلى المرأة في قطاع المصارف، وأن تلغى فكرة عدم أهلية المرأة لتسلم إدارة فرع مصرفي.
تشير التقديرات الإحصائية إلى أن عدد العمال الأجانب في لبنان يفوق المليون، لا أحد يمكنه الجزم في هذا الرقم، أو في نسبة النساء منه، لكنه الأقرب إلى الحقيقة. ماري بل هي واحدة من هؤلاء. ماري تدير محلها لبيع المنتجات الفيليبينية، وهي تجارة رائجة في منطقة الحمراء. عملت ماري في منزل مستخدميها لمدة عشر سنوات، إلى أن قررت أن تستأجر المحل وتدير شؤونها. «أنا أشعر بالكثير من الحرية، لكن بالوحدة أحياناً، كنت متزوجة من لبناني وتطلقت». أن لا أعامل زبائني كغرباء ولكن كصديقات. أسمع مشاكلهن الكثيرة: تعنيف، اغتصاب، خفض راتب... لكن لا أتدخل في الحل، لأن الموضوع قد ينقلب ضدي. سفارتنا عادة تتدخل لحل هذه المشاكل». ماري تحيل السؤال عن مطالبها في 8 آذار إلى إحدى صديقاتها الجالسات بالقرب منها «يوم المرأة... عن أي يوم تتحدث نحن لا نعرف الأعياد، حتى في أوقات رأس السنة والميلاد لا نشعر بأننا في عطلة».
يظهر تقرير «المساواة الجندرية في لبنان: الوقوع في التناقض»، الذي أعدّه باحثون وباحثات من مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي، أن للمرأة في لبنان دوراً نشيطاً في التعليم والاقتصاد، لكنها ما زالت مستبعدة إلى حد كبير عن المؤسسات السياسية.
ويشير التقرير ان عدد النساء العاملات في لبنان يبلغ 280 ألف امرأة، لكن 1.5% منهن ربّات عمل، الأمر الذي يؤشر لضعف تمثيل المرأة في مواقع القرار. ويظهر نموذج إحصائي لـ130 جمعية أهلية لبنانية أن 35000 ناشطة من إجمالي 71000 ناشط وناشطة في هذا القطاع منغمسات في أعمال تطوعية. وتبلغ نسبة النساء من إجمالي الطلاب/ات الجامعيين/ات 51% عام 2006، في حين كانت النسبة لا تزيد عن 26% في عام 1970. وغالباً فإن 8% من النساء في لبنان يكملن تحصيلهن الجامعي، وهي النسبة الأعلى في العالم العربي. وفي تشرين الثاني 2004، ولأول مرة في تاريخ لبنان، ضمت الحكومة سيدتين، وهناك خمس نساء فقط بين أعضاء مجلس النواب الـ 128 أي ما نسبته 3.90% وهي النسبة الأدنى في المنطقة العربية إذ يبلغ معدل تمثيل النساء فيها 8.6%.

بسام القنطار

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...