مدينة تل رفعت تودع السلاح وتبدأ حياتها

04-03-2018

مدينة تل رفعت تودع السلاح وتبدأ حياتها

Image
 رفعت -مدرسة

 

الجمل ـ  يارا عادل اسماعيل:

على مدخل مدينة تل رفعت التي دخل إليها طلائع الجيش أمس الأول يقف عنصران من قوات حماية الشعب الكردي لا حول لهما ولا قوة وهما اللذان كانا بالأمس القريب يمثلان القوة الضاربة في المدينة.

صورة الأب الروحي للاكراد عبد الله اوجلان لاتزال معلقة على مدخل مدينة تل رفعت ولكن بشكل غير مثبت كمؤشر ربما على زوال سيطرة الاكراد عن المدينة .

جدران المدينة لاتزال تحتفظ بكتابات من سيطر عليها من جيش حر وجبهة النصرة وتنظيم داعش وقوات الحماية الكردية التي انتشر لونها الازرق والابيض على طول مدخل المدينة.

دخول طلائع الجيش انعكس فرحة وطمأنينة لدى أهالي المدينة وتقول السيدة أم محمد.."دخل الجيش فجأة إلى المدينة ولم نكن نتوقع دخوله..كنا ننتظره بفارغ الصبر..كنت ارعى الغنم عندما ركض ابني باتجاهي يبكي من الفرح ويقول لي جاء الجيش".

واضافت أم محمد"عشنا سنوات سوداء منذ دخول المسلحين إلى المدينة..حرمت من رؤية ابني لسنوات لأنه جندي في الجيش ..والاكراد هجروني من منزلي واحتلوه".

وتقول أم محمد"اخذت ابني الصغير إلى جنود الجيش لأعرفه عليهم وقلت له ..هذا هو جيش البلاد..وكل الذين مروا على المدينة هم مجرد عصابات".


أم محمد قالت باستغراب: "الاكراد فكوا سكة القطار التي تربط المدينة بعفرين وبحلب وباقي المدن السورية..لاندري لماذا فعلوا ذلك..".

احد شبان المدينة الذي طلب عدم كشف هويته عاد بذاكرته إلى بداية ما اسماه المؤامرة على مدينته وقال" عام 2005 بدت علامات الغنى والترف على البعض من اهالي تل رفعت الفقراء الذين كانوا ينتظرون الصدقات من الاهالي ولم يكن هناك تفسير واضح لهذا التحول..

وبعد حرب تموز عام 2006 اصبح حديث الناس الشائع ان هذه الحرب تمثيلية وان حسن نصر الله ليس سوى عميل لايران وللمخابرات السورية ومن هذا الكلام الفارغ ".

ويتابع الشاب الثلاثيني "في عام 2008 بدأت حركة البناء حيث تم هدم الكثير من البيوت القديمة وبناء ابنية ومحلات واسواق تجارية مكانها ..كما تم بناء مسجد من الجهة الغربية لمدينة تل رفعت ملاصق لمسجد اخر ولم يكن احد يعلم سبب هذا البناء..كما تم بناء مستشفى لاحد الاشخاص الذي لايفقه شيئا بالطب."

ويضيف.."خلال هذه الفترة لاحظ الناس أن أي شاب يتطوع بالشرطة أو الجيش يلاقي صعوبة في الزواج عندما يرغب بالزواج من فتيات المنطقة لم يكن احد يرغب بتزويج ابنته لاحد ينتمي للجيش او الشرطة وهذا يدل على انهم كانوا يعلمون بما سيحصل في هذا البلد..وعندما بدأت الازمة عام 2011 بدأ مجموعة من الشباب الذين تبين لاحقا انهم كانوا منظمين سابقا وبعضهم كانوا في السجن وبدأوا بالتظاهر ودعوة الناس للمشاركة معهم بالتظاهر والمطالبة بالاصلاح ثم ما لبثت هذه المطالب ان تحولت للمطالبة باسقاط النظام وكانوا كلما تحركوا من حي إلى اخر كانت اهالي الاحياء تطردهم وحتى النساء شاركن في طردهم وكن يلاحقنهم بأحذيتهم وكان بعض الشباب يحملون العصي والاسلحة الخفيفة لحماية احيائهم من هؤلاء المتظاهرين ولمنعهم من الدخول إلى تلك الاحياء."

في ذلك الوقت وبحسب الشاب ذاته كان في تل رفعت مدير ناحية وعشر رجال شرطة وشعبة تجنيد فيها خمسة عناصر فقط كانوا يمثلون الدولة السورية في المدينة ..وبعد ثلاثة او اربعة اشهر لم يستطع هؤلاء المتظاهرون تحقيق اهدافهم..واجتمع مايسمى القادة وقالوا إن الأهالي لم يتعاطفوا معهم لذلك يجب ان يسفك الدم حتى يصدق الاهالي بأنهم مظلومون لذلك قرروا قتل احدهم لايهام الاهالي بأن الجيش هو الذي قتلهم.. وفعلا تم اجراء قرعة لاختيار الشخص الذي سيتم قتله ووقعت القرعة على شخص يدعى عماد درباس لكنه رفض ..وفجأة تقدم احد الشباب المندفعين ويدعى احمد الحومد ابو العمرين وقال انا افدي "الثورة" بدمي وتم وضع الخطة لقتله يوم الخميس بعد صلاة المغرب عندها اقدم المتظاهرون على استفزاز قوات حفظ النظام الذين ارسلتهم الدولة وكان عددهم خمسين وقام المتظاهرون بالهروب امام قوات حفظ النظام ليتم بعد ذلك ملاحقتهم من قبل عناصر حفظ النظام حتى استدرجوهم إلى المكان الذي يقف فيه هذا الشخص وتم قتله من قبل شخص مجهول وبدأ المتظاهرون ينتشرون في جميع شوارع تل رفعت ويصرخون بأن الجيش قتل ابو العمرين وشكل ذلك صدمة قوية للاهالي ..بأن هذا الجيش الذي نعتز به يقتل احد ابنائنا وقاموا باخفاء الجثة وتهريبها من مكان إلى اخر حتى صباح اليوم التالي وكان يوم جمعة ولم يستطع وقتها عناصر حفظ النظام الحصول على الجثة للتأكد من سبب الوفاة وبعد صلاة الجمعة قام اهالي تل رفعت بتشييع جثة المقتول ومع ان اراء الناس كانت تختلف بين مؤيد ومعارض للدولة السورية إلا أن الجميع شارك بالتشييع."

ويضيف.."بعد ذلك قام عدد من اهالي تل رفعت بتحذير مدير الناحية بأن الوضع بدأ يتأزم وانه لم يعد بامكانهم السيطرة  على  أولادهم وعلى أثر ذلك قام مدير الناحية وعناصر شعبة التجنيد بالذهاب إلى مدينة حلب دون ان يتعرض لهم احد..كان ذلك مطلع عام 2012 حينها اصبحت تل رفعت خارج السيطرة نهائيا..وبدأ الشباب بالتطوع بما يسمى بالجيش الحر وكانوا يهاجمون مطار منغ العسكري المتاخم لتل رفعت بشكل يومي وقاموا بمضايقة اهالي جنود الجيش السوري في تل رفعت والسيطرة على ممتلكاتهم ومنعوا موظفي الدولة من الذهاب إلى وظائفهم كما اجبروا اي شخص لايريد الالتحاق معهم ان يدفع مبلغا من المال او يحضر قطعة من السلاح كما منعوا رجال الدين الذين رفضوا الافتاء بالجهاد ضد الدولة من القاء خطب الجمعة واخرجوهم بالقوة لاحقا من تل رفعت وحفروا خندقا على كامل محيط تل رفعت وفخخوا كل الطرق المؤدية للمدينة إضافة إلى ارتكابهم جرائم القتل والخطف والتعذيب ضد كل شخص يتهمونه بأنه شبيح وعميل للدولة السورية..".

ويقول الشاب .."بقيت الأمور هكذا على هذا المنوال حتى دخل الجيش العربي السوري مدينة تل رفعت في نيسان /ابريل 2012 لكنهم هربوا جميعا إلى القرى المجاورة ولم يواجهوا الجيش الذي لم يبق في تل رفعت الا يوما واحدا وانسحب بعدها لأنه لم يجد المسلحين ثم عاد الجيش الحر وبعد فترة ظهرت جبهة النصرة في كل تل رفعت وتحول بعض قادات الجيش الحر إلى امراء في جبهة النصرة واصبحت الاوامر تأتيهم من السعودية وقطر وكذلك الأموال والمعونات وبدأ تدفق المقاتلين الاجانب الى تل رفعت ومن تبقى من الجيش الحر عملوا خدما عند جبهة النصرة وبدأت الخلافات بينهم على تقاسم المناصب والمسروقات حتى ظهرت داعش على الساحة فجأة وبدون مقدمات وظهر مقاتلون اجانب باسلحتهم واجهزتهم المتطورة واصبح مايسمى الجيش الحر لاقيمة له ووقتها داعش لم يكن يصطدم بالجيش الحر وكان يستقطب الشباب من اهالي تل رفعت و يدفع الأموال الطائلة لجذب الشباب الى صفوفه وبقيت داعش والجيش الحر مع بعضهم البعض حوالي اربعة اشهر حتى بدأ الاختلاف بالاداء ووصلت الخلافات بينهم الى حد الاقتتال وبدأت الاشتباكات بينهم واستمرت لعدة ايام خرج على اثرها داعش الى اطراف المدينة وبقي الجيش الحر داخلها وخرج مع التنظيم كل من انضم اليه من ابناء تل رفعت وكان معهم حوالي ثمانين امرأة وبعدها انسحب التنظيم باتجاه اخترين والباب وعاد الجيش الحر يبحث عن خلايا داعش النائمة في المدينة ونسي موضوع النظام واسقاطه وكان ذلك في اواخر عام 2013 وبقي الجيش الحر إلى بداية2016 عندما فك الجيش العربي السوري الحصار عن مدينتي نبل والزهراء".

ويضيف" ..وعند ذلك قامت وحدات حماية الشعب الكردية بالدخول إلى مدينة تل رفعت بعد فشل المفاوضات بين المسلحين والجيش العربي السوري ..ودخلت القوات الكردية بدون مقاومة وانسحب مسلحو الجيش الحر إلى مدينة اعزاز وقاموا بقصف تل رفعت من قرية جبرين لكن القوات الكردية لم تكن افضل حالا من الجيش الحر بل كانت اسوأ منه حيث قامت بنهب مدينة تل رفعت ومنعت الاهالي من العودة اليها مباشرة وعندما عادوا منعوا الطلاب من دراسة المنهاج السوري والفلاحين من زراعة ارضهم ومنعوا رفع العلم السوري ومنعوا الشباب الذين يخدمون في الجيش العربي السوري من زيارة اهلهم داخل المدينة وخصصوا بطاقات شخصية كردية للذين يرغبون بالدخول الى تل رفعت "..

احد رجال الدين الذي بقي محايدا ولم يدخل في دوامة ما شهدته المدينة يقول إنه "عام2009 بدأت ترده اسئلة غريبة من اناس لايفقهون شيئا والاسئلة كانت عبارة عن الشيعة والطوائف الاخرى وهل يجوز التعامل معهم او قتالهم وماشابه ذلك لكن جوابي كان دائما ان الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها وكنت اقول لهؤلاء الاشخاص اذهبوا إلى الذي ارسلكم وقولوا له ان رسول الله قال "حسين مني وانا من حسين وقال ايضا انا مدينة العلم وعلي بابها"..كانت تصلني ايضا اسئلة عن الرئيس الاسد وهل يجوز مواجهته والوقوف ضده كنت اجيبهم ايضا ان الله قال"واطيعوا الله والرسول واولي الأمر منكم"..باختصار كنت احاول ان امنع هؤلاء الاشخاص من التورط في اي شيء"

تل رفعت التي تبعد حوالي 40 كم شمال حلب وعدد سكانها خمسين الف نسمة معظمهم حاليا في مدينة حلب بانتظار عودة الحياة للمدينة واعادة تأهيلها ..من هذه المدينة انطلقت اولى المظاهرات في ريف حلب و التي طالبت باسقاط الرئيس بشار الاسد وعلى مايبدو ستشكل عودتها إلى سيطرة الدولة السورية نقطة تحول في مجريات الحرب على سوريا.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...