في زمن “داعش” نسأل: لماذا تقدّموا وتأخّرنا .. والخلق واحد؟!

16-09-2017

في زمن “داعش” نسأل: لماذا تقدّموا وتأخّرنا .. والخلق واحد؟!

إن هذا الغرب الذي لا نرى في تعاملنا اليوم معه سوى الجانب الظالِم خاصة في ما يتّصل بقضايانا الرئيسة (مثل قضيةفي زمن “داعش” نسأل: لماذا تقدّموا وتأخّرنا .. والخلق واحد؟! فلسطين)، له جوانب أخرى تحتاج إلى إنصاف وعدل في النظر، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: “ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (آية 8 سورة المائدة)، إن المساندة الغربية في المُجمل للمشروع الصهيوني العدواني منذ النشأة (1948) وحتى اليوم ضدّ الحقوق العربية في فلسطين، والدعم المباشر لهذا (الغرب) للاستبداد والفساد في بلادنا عبر عقود، كل ذلك ظُلم وعدوان بيَّن، لكنه ينبغي ألا يمنعنا من إعادة طرح السؤال، لماذا تقدّم هذا الغرب في كافة مناحي الحياة وتخلّفنا؟

إنه سؤال القرن الحالي والقرون السابقة له، وهو سؤال وهنا مناط الدهشة، طُرِح قبل أكثر من مائتي عام مضت بعد الصِدام التاريخي بين هذا الغرب وبلادنا (تحديداً مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر 1798م)، وظلّت تتجدّد عملية طرحه، إلى زماننا هذا، ذلك الزمان الذي سادت فيه لغة “داعش” وفكرها فأثار العداء على مُجمل الكرة الأرضية ضدّ هذا الدين! وفي هذا السياق نتذكّر مقالاً تاريخياً نُشِر قبل أكثر من 125 عاماً، وآثار جدلاً واسعاً وكان عنوانه يتّصل بهذه القضية التي أعادت مواجع وإرهاب “داعش” عملية طرحها مجدّداً بهدف (الخلاص) والبحث عن تقدّم إسلامي وعربي شبيه بالجانب المُضيء من التقدّم الغربي.

يحدّثنا التاريخ أنه في يوم الثلاثاء جمادى الأولى عام 1310هـ الموافق 29 تشرين ثاني 1892، أي منذ قرن و 25 عاماً كتب الأديب والسياسي والمُجاهد عبدالله النديم مقالاً نظنّه بكل ما حواه، لايزال صالحاً حتى اليوم .. صالحاً لحالنا كأمّة تاهت من أمام ناظريها معالم التقدّم وسُبُل النهضة .. لقد عنون (النديم) مقاله، بعنوان آسر هو “بِمَ تقدّموا وتأخّرنا والخلق واحد”.. كان سؤاله وقتها هو سؤال القرن ونظنّه لايزال كذلك، فقط أضيف للقرن، قرن آخر، بكل حروبه وابتلاءاته ومصائره، وثوراته وتجاربه المُرّة والتي انتهت جميعاً، وياللغرابة بنفس السؤال بعد 125 عاماً .. لماذا تقدّموا وتأخّرنا؟ فقط أضيف إلى السؤال إجابات هي أقرب للأسئلة من قبيل: هل لخلل أصاب عقلنا كان هذا التخلّف؟ أم لعلّة نخرت في عظم ثقافتنا فاستعصت على العلاج؟! أم لثورات ربيع زائف ناقصة ومسروقة صنعها الشباب وسرقها العجَزَة والإرهابيون من جماعات “داعش” والقاعدة وأخواتهما؟ أم لأهواء سيطرت على بُناة حضارتنا ونهضتنا فهوَت بهم وبنا إلى قاعٍ غير مستقرّ من التخلّف؟ ثم .. ما التخلّف الذي نعنيه؟ وما هي معاييره وملامحه؟ وما التقدّم الذي ننشده وما هي أُسُسه؟ وهل بالضرورة أن يكون (معياره الحاكم) هو ما وصل إليه الغرب من تقدّم مادي أم أن السياقات الحضارية تختلف ومن ثم المقاييس حتماً تختلف؟ ومن أين نبدأ في البحث عن سرّ كل هذا التخلّف والوَهن والهوان الذي أصاب خير أمّة أُخرِجت للناس وخير ثورات عاشها جيلنا من 23 تموز المصرية إلى ثورات الربيع العربي الزائف؟

أسئلة، حاول قبل قرن، أن يُجيب عليها “النديم” ، ومن قبله حاول الأفغاني وعبده، ومن بعده قاسم أمين والكواكبي ولطفي السيّد وصولاً إلى مالك بن نبي وعلى شريعتي وطارق البشري وعابد الجابري ومحمّد شحرور ومحمّد حسين فضل الله وجمال حمدان وغيرهم من مُفكّري الأمّة وسياسيّيها الكبار .. من دون حسم أو تقدّم فعلي في الاتّجاه الصحيح للنهضة على أُسُس عربية إسلامية سليمة، والطريف أننا لازلنا نطرح ذات الأسئلة ، ولانزال نبحث عن إجاباتها بين دفّتي الكُتب، وبين سطور المِحَن والانكسارات والثورات المُجهضة بسبب نُخبتها الإسلامية أو العلمانية التي ما فتئت تُذكّرنا بسؤال النديم المركزي: بِمَ تقدّموا وتأخّرنا والخلق واحد؟

لقد حاول النديم وقتها أن يُجيب وعزا أمر النهضة الأوروبية برمّته إلى عشرة أسباب منها أربعة رئيسة وستة فرعية وهي على التوالي [القدرة على توحيد اللغة – توحيد السلطة – إبراز الدين في الحياة – التوحّد ضدّ الأعداء الخارجين – إطلاق حرية الصحافة والرأي – الاهتمام بالصناعة الديمقراطية – تشجيع العُلماء – الاهتمام بشؤون الثقافة].

ورأى النديم وقتها أن هذه الأسباب بقدر ما كانت دوافع لتقدّم أوروبا، كان فقدانها سبباً لتأخّر المسلمين والعرب، ولنتأمّل كلمة النديم في نهاية مقاله “التاريخي”، والتي أوجز فيها سبب العلّة الكامٍنة في الأمّة وقتها والتي أدّت إلى تخلّفها، ولنَقِس مقولته تلك على حالنا ونسأل بعدها: هل ثمة خلاف قد وقع في (أصول تخلّفنا) اليوم، عن ذلك التخلّف الذي لازمنا إبان عصره قبل قرن و 25 عاماً مضت؟! .. يقول النديم [إن التأخّر إنما جاء من تعميم الجهالة بإغضاء الملوك عن وسائل التعليم والتضييق على أرباب الأقلام والأفكار، وبُعْد الأغنياء عن الجمعيات وتقاعدهم عن ضروب التجارة والصناعة والزراعة ورضاهم بالبقاء تحت أسْر الشهوات، فإذا أطلق الملوك حرية الأفكار والمطبوعات، وبذل الأغنياء الذهب في حياة الصنعة، وتعميم المعارف في المدن والقرى ومساعدة العلماء على الرحلة خلف حياة العلم، واجتمعت كلمة الملوك والوزراء والأمم على السعي خلف التقدّم، أمكنهم أن يوقفوا تيار أوروبا شيئاً فشيئاً حتى يضارعوها قوة وعلماءً، وإلا إذا تركوا هذه الأسباب وبقوا على ما هم فيه من التقاطع والتحاسد والجهالة كان من العبث تجمّعهم في الأندية وتشدّقهم بقول بعضهم لبعض: “بِمَ تقدّم الأوروبيون وتأخّرنا والخلق واحد”.

هل اختلفت الحال عام 1892 حين طرح فيه (النديم) السؤال، عن الحال التي نطرحها اليوم عام 2017؟ في زمن “داعش” ومشيخيات الخليج التي لا تكتفي بالعيش في التخلّف بل تستورده وإن أمكنها، تصدّره إلى باقي عالمنا العربي باسم (الثورات) والربيع الزائِف، كما جرى تحديداً في العراق وسوريا وسيناء المصرية وليبيا! أسئلة نحسب أن الإجابة القاطعة عليها تكون بالأخْذ بمنهج (المقاومة) سواء من جهلنا و”الدواعش” التي بداخلنا، أو المقاومة للجانب المُظلم من الغرب العدواني الذي يُعدّ الكيان الصهيوني قمّته.

المصدر: الميادين – رفعت سيد أحمد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...