الإرهاب.. بين استراتيجية الاستنزاف والاستفزاز

06-06-2017

الإرهاب.. بين استراتيجية الاستنزاف والاستفزاز

الجمل- بقلم: Justin King- ترجمة: وصال صالح:

الهجمات على الأهداف السهلة التي تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين هي طابع خاص بالإرهاب ولا يمكن التنبؤ بها، وتعمل على خلق حالة من هستيريا وجنون وسائل الإعلام وتهيء الفرصة أمام السياسيين لإطلاق تصريحات  تكشف  الهدف الاستراتيجي للمعارضة، والأهم من ذلك كله، لا يمكن منعها، بمعنى، لا يمكن عمل شيء لوقفها.
من المهم أن يعرف القارئ أن الإرهاب ليس عملاً من أعمال قتل الناس عشوائياً لترويعهم،  دائماً يكون هناك في خلفية الأعمال الإرهابية استراتيجية وأهدافاً محددة محسوبة، كل الإرهاب يسعى لخلق ردة فعل مضادة. ضرب أهداف مدنية سهلة يؤدي دائماً إلى إثارة ردة فعل واحدة من بين اثنتين، فهي مصممة لدفع المدنيين للضغط على حكومتهم لتغيير سياستها ( "استراتيجية الاسنزاف") أو السعي لدفع الحكومة لاتخاذ إجراءات صارمة وزيادة الأمن ( "استراتيجية الاستفزاز") من المهم للغاية أن تفهموا ذلك لأن قادتكم المنتخبين  أغبياء معتوهين  ومعظمهم لا يفهمون ذلك، والأسوأ،  البعض يفهمونها لكنهم يستخدمون الخطاب لتحقيق مكاسب سياسية على أمل تقديم أجندة أو إنشاء صورة عنيفة عن الإرهاب.
في هذه الحالة، وكما تثبت الوثائق الخاصة بتنظيم داعش، الهدف من وراء مثل هذه الهجمات هو الضغط على الحكومات الغربية لاتخاذ إجراءات صارمة ورفع المستوى الأمني.  في أعقاب هجوم  لندن الأخير، غرد الرئيس الأميركي قائلاً أنه آن الآوان "للعمل  على تحقيق الأمن لشعبنا" فعلياً هو يشجع داعش لإجراء المزيد من هذه الهجمات لتحقق أهدافها. هذه هي المشكلة الأكبر التي طرحت من قبل السياسيين الذين لا يفهمون الإرهاب، أعمالهم تُثير دائماً ً ردة فعل معاكسة لما يأملون في إنجازه، الإرهاب يشبه إلى حد كبير أي فخ آخر ويقوى كلما كافحناه أكثر. إذا كنت تبتسم لآنك ديمقراطي، يرجى الانتباه :سياسة أوباما في مكافحة الإرهاب كانت سيئة، بطرق مختلفة.
ما الذي يجب أن تفهمه عن الهجمات على الأهداف السهلة:
في المرة القادمة عندما تتوجه إلى المدينة، احمل حقيبة ظهر أو ضع علبتين من الصودا في جيبي معطفك. تجول في أنحاء مركز التسوق، وفي محطة الوقود، أو اجلس في محطة الحافلات. لاحظ أنه لم يسألك أحد شيء وأنت لم تثر انتباه أحد. هكذا بسهولة يتنقل ويتحرك الانتحاري ويفجر نفسه. خذ زجاجة من المياه سعة ليتر وضعها في كيس كبير من ماكدونالد وارمها في سلة المهملات في قسم مزدحم من المدينة هكذا بمثل هذه السهولة يمكن زرع قنبلة. لا أحد من حولك يعلم إن كنت تحمل مادة خطيرة. هم ببساطة ماضون  في حياتهم اليومية. القوى الأمنية لا تنظر إليك مرتين. الآن فكر بالتدابير الأمنية المشددة التي تسنها الحكومة بعد هذه الهجمات. هل هي ستمنعك؟ بالطبع لا. رجال الأمن الذين يمرون بجانبك هم فقط يقومون بعرض. بالتأكيد. لا تظن أن ضباط الأمن سيقومون بتفتيش كل حقيبة وجيب أو مراقبة كل شيء يُرمى في سلة المهملات.
عندما تدرك ما الذي يجب أخذه بعين الاعتبار لردع الهجمات ضد الأهداف المدنية السهلة، عليك ان تفهم أمرين -وسائل الإعلام والحكومة لا يريدانك أن تعرفها:
1-    لا يمكن منع هذا النوع من الهجمات، فترة، وإذا ما كان أحدهم على استعداد لشن هجوم من هذا القبيل، فإنه سينجح.
2-    إذا ما قمت بما طلبناه منك اعلاه عليك أن تدرك أن ما من شيء يمكن ان يمنع أي شخص من التورط في مثل هذا النوع من العنف. هاو بشكل كامل وبدون تدريب يمكنه شن هجوم، سيسيطر على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام.
ماذا يعني هذين الأمرين؟ هل سيجعلك تشعر بالأمان أكثر. لفهم السهولة التي يمكن أن ينفذ بها مثل هذا الهجوم، ولمعرفة عدد المرات التي يمكن أن يحدث فعلاً يعني أنه ليس هناك الكثير من الناس على استعداد هناك لتنفيذ مثل هذه الهجمات. مرة أخرى يجب أن يتعزز إيمانك بالإنسانية. هذا المسجد على الطريق ليس مليئاً بالناس الذين يريدون قتلك. وإلا لكنت في عداد الأموات. لو كان هناك حتى لو واحد بالمئة من هؤلاء متطرفين في مجتمعك، لكان هناك هجمات إرهابية وتفجيرات انتحارية متواصلة كل يوم. فهم هذا بشكل صحيح مهم للغاية. فهم أن الإرهاب هو استراتيجية حيث يمكن لمجموعة صغيرة من الناس أن تهيمن على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام امر مهم. إنها تساعد في البقاء على أرض الواقع. لا يوجد ملايين الإرهابيين الذين يكمنون هنا وراء كل زاوية.
بعد موجة الهجمات الأخيرة ستعمل الحكومة على إقناعك أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على سلامتك هي في زيادة المستوى الأمني واستهداف أولئك الذين يشكلون تهديداً محتملاً داخل مجتمعاتنا. الخطاب بدأ حتى قبل أن تبرد جثامين ضحايا الهجوم الأخير.
كما تطرقنا في وقت سابق، ردة فعل الأجهزة الأمنية في كثير من الأحيان تعزيز الموقف الاستراتيجي للإرهابيين. مجتمع أصلاً كان –كبش فداء- للحكومة بسبب تصرفات وأفعال أقلية صغيرة يشعر بها المحرومين. زيادة الرقابة والمضايقات من قبل الحكومة  ستؤدي إلى المظالم وإلى استغلال المنظمات الإرهابية وتجنيد المزيد من الإرهابيين ولبدء عملية التطرف كما ثبت هذا مراراً وتكراراً. استهداف غير الإرهابيين لا يوقف الإرهاب: وإنما يؤدي إلى ولادة الإرهابيين.
 "الأمن" الذي تحدث عنه ترامب في تغريدته سيخلق المزيد من الإرهاب، النهج الذي اقترحه مراراً وتكراراً –دائماً يفعل. سيتم تسليمك إلى الإرهابيين. وأنت ستقدم لهم بالضبط ما يريدونهن هدف الإرهاب ليس قتلك لأنهم يكرهونك بسبب الحرية التي تتمتع بها، وهم لا يقتلون لجعلك تخاف. إنه ليس عشوائياً. إنه ليس بلا معنى. إنه ً "استخدام محسوب لعنف غير قانوني" هم يحاولون التأثير على سلوكك وسلوك الحكومة. الهجوم الأخير في الغرب واضح بانه جزء من "استراتيجية الاستفزاز"  هذه الاستراتيجية هي محاولة لحث العدو للرد على الإرهاب بالعنف العشوائي، الذي يؤدي إلى تطرف السكان ويدفعهم لدعم الإرهابيين" مع الإشارة إلى أن التطرف يمكن ان يحدث من خلال ردود الفعل أكثر من العنف العشوائي. الاعتقال والترحيل الجماعي، الفشل في تقديم المساعدات الإنسانية، المضايقات من قبل الأجهزة الأمنية، عندما تنادي "بقصفهم جميعاً" أو تدعم السياسيين الذين يدعون إلى ذلك أنت استسلمت للإرهاب بشكل فعال. أنت تخليت. أنت رفعت الراية البيضاء. أنت الان ضحية للإرهاب وبدون أن تعلم بذلك. أت بدأت بدعمهم لتحقيق أهدافهم. قصف الإرهابيين يؤدي إلى توليد المزيد منهم. مكافحة الإرهاب تكون في تقطيع أوصالهم وضرب رأس الأفعى القيادات من خلال الاغتيالات الانتقائية لخلق فراغ في السلطة، الاغتيال الانتقائي لقادة الإرهابيين الذين يتمتعون بالكاريزما –فعال. وهذا ما يجعلهم غير أكفاء من الناحية السياسية وحتى في الميدان، وضع المنظمة في ظل قيادة سيئة، هذا يؤثر سلباً في قدرتهم على العمل، التجنيد والحصول على التمويل. في نهاية المطاف، هذه المنظمات تصبح من آثار الماضي. متى كات آخر مرة سمعت بها عن هجوم الألوية الحمراء؟ بادر ماينهوف؟ جيش التحرير الوطني الإيرلندي؟ منظمة الجهاد الإسلامي؟ لا تزال هذه المجموعات موجودة لكن قدراتها القتالية غير فعالة بسبب قيادتها الفاشلة.
إذا اقترح أي سياسي مكافحة الإرهاب باستخدام أساليب استهداف السكان بشكل عام من أجل الأمن ومراقبة إضافية، هم يساعدون الإرهابيين سواء كانوا يعلمون أو لا يعلمون ذلك.إذا كان اقتراح السياسيين بقصف المدنيين، هم فعلاً يعملون كمجندين للمنظمات الإرهابية. هذا يقودنا إلى نقطة النهاية، الإرهاب هو تكتيك. وهو تكتيك ناجح. والدليل على ذلك يتجلى في شعورك بالخوف والرغبة في قصف سورية مع علمك بأن هذا سيؤدي إلى قتل الأبرياء. يمكن رؤية الدليل على ذلك في الغزو الأميركي للعراق، البلد الذي أصيب بأكمله بالشلل، تم غزوه بعد عامين فقط من هجمات 11/9 على الرغم من أن لا علاقه له بذلك على الإطلاق، وبالتالي تم تطريف الشعب الذي تقاتله أميركا اليوم. أسلوب مكافحة الإرهاب الذي يتبعه السياسيون لن يجدي نفعاً، فهو لن يؤدي إلى إبطاء الإرهاب ولا حتى إلى وقفه.
لا يمكن الانتصار في الحرب على الإرهاب. الاستراتيجية الكاملة للتخفيف من وطأة الهجمات الإرهابية تشمل تحييد قيادة الإرهابيين وتحديد المظالم التي تؤدي إلى ولادة منظمات جديدة في معظم الوقت في الشرق الأوسط. التظلم الأولي يبدأ مع محاولات المجمع العسكري أو الاستخباراتي الأميركي في الحفاظ على الهيمنة الأميركية من خلال الغزوات والانقلابات وتمويل جماعات المعارضة العنيفة في بلدانهم الأصلية، إنه أسهل بكثير أن توقف بيع الأسلحة للسعودية من وقف السعوديين عن مساعدة داعش.
إذا كنت على استعداد لوقف الهجمات الإرهابية ضد الأهداف المدنية السهلة، أولوياتك تكمن في تثقيف نفسك ووقف السياسيين الخاصين بك. فهم أكبر تهديد لك.


عن: The Fifth Column

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...