يحدث في غياب الضمير

24-05-2017

يحدث في غياب الضمير

د.عصام التكروري: العهد شريعة المتعاهدين، و ها قد أوفى بعهده مع الله وعاد ملفوفاً بالعلم السوري و نجمة إضافية شقت دربها إلى كتفيه الذابلتين ، ما بين ذهول زوجته و أولاده الثلاثة جرت مراسم الدفن و قبول التهاني (أو التعازي) حيث كان "أبو سومر" العشّار حاضرا فيها جميعا. خلال الأشهر الثلاثة التالية حصلت الزوجة على تعويض الشهادة و الراتب، و كان أول من زارها في ذلك اليوم العشّار " أبو سومر":
ـ " أختي أم ثائر... ها قد انتهت العدّة، و تعلمين أن يوم استشهاد أخونا أبو ثائر صادف يوم انتهاء عقد الإيجار، لقد منحه الله قصراً في الجنة لذلك اسمحي لي أن استرجع منزلي البائس هذا ، و اعتقد انك لن تكوني بحاجة إليه طالما أن ولديك سيذهبان إلى مدارس أبناء الشهداء ، و أنتِ و رضيعك يكفيكما غرفة صغيرة ستجدينها في بيت عمك لأنك لن تستطيعي العودة إلى منزلك في المنطقة الساخنة ،هذا إذا بقي منزل أصلا ، لا تقولي لي أنّك ستستمرين بالتدريس هنا ، راتبك و راتب زوجك رحمه الله لن يكفيا تسديد أجرة منزل مثل منزلي ، صحيح " مهرهر " لكنّه موجود في منطقة آمنة ، يعني لا مفخاخات و لا انتحاريين فالجيش يحيطها من كل الجهات ، أختي أم ثائرـ أرجوكِ قدّري وضعي ، فالأجرة التي أتقاضاها منكِ تعادل 10 % من الأجرة المعروضة عليّ اليوم ، أرجوكِ لا تقول لي انَّكِ ستدفعين لي كامل تعويض الشهادة لأجرة سنة كاملة ، حسناً ، افرضي أني قبلت بعرضك هذا العام، فماذا ستفعلين العام القادم؟ "عدم المؤاخذة" لا يوجد أي من أبناءك في الجيش لأتوقع مبلغا مماثلا في العام القادم .." ، هنا ستنتفض الزوجة المكلومة و تطالبه بالخروج من المنزل ، و سيخرج العشَّار "أبو سومر" ليعود بعد أسبوع مع مأمور التنفيذ و يخلي البيت عملاً بقانون الإيجار رقم 20 لعام 2015، فمدة العقد انتهت و "العقد شريعة المتعاقدين".
مع العفش المتهالك لأسرة الشهيد سيخرج جثمان الزوجة التي قضت على أثر إحتشاء في عضلة القلب بعد تبلغها الإخطار التنفيذي بالإخلاء .
هذه اللوحة حقيقية بكل تفاصيلها، و هي الأكثر تفاؤلا من بين كل اللوحات التي يتم فيها تطبيق مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين" استنادا لقانون الإيجار النافذ ، واضعو هذا القانون لم ينتبهوا إلى أن هذا المبدأ لا يُطبق على إطلاقه في زمن الحرب لأنَّ ذلك يؤدي إلى سحق الأطراف الأكثر ضعفا بدل من حمايتهم، فما بالنا إذا كان هؤلاء يشكلون الشريحة الواسعة ممن يحمون الوطن في هذه الحرب التي ـ و بحسب تقرير الأسكوا الصادر في عام 2014 ـ
أدت إلى تعرض ما يقرب من مليون ونصف المليون منزل للدمار الكلي أو الجزئي ، و تصدرت حلب القائمة بـ 424 ألف منزل مدمّر كلياً أو جزئياً أي نصف منازلها، تلتها محافظة ريف دمشق بدمار نصف منازلها أيضاً، ومن ثم حمص بحوالي 200 ألف منزل مدمّر، ثم جاءت إدلب في المرتبة الرابعة ومحافظة درعا في المرتبة الخامسة، وفي المرتبة السادسة دير الزور التي دمّر فيها حوالي 82 ألف منزل، هذه الأرقام كلها في العام الثالث للحرب، و لنا أن نتصور كم أصبح الدمار في العام السابع للحرب.
و بعد، ألم يقرأ من وضع مشروع قانون الإيجار رقم 20 لعام 2015 هذه الأرقام ؟ ألا تستدعي هذه الأرقام إعلان "حالة طوارئ سكنية" عبر نصوص قانونية توفر المأوى لأكثر من خمسة ملايين سوري فقدوا منازلهم بفرض أن كل منزل يأوي 3 أشخاص ؟ هل من المعقول أن يدفع الشهداء دمائهم لتأمين إحياء بكاملها حتى يستثمر فيها المؤجرون؟ كيف أقرّ مجلس الشعب هذا القانون علماً بأنَّ عدداً من أعضائه هم مستأجرون؟
الحل لا يكون إلا بتعديل القانون الحالي بحيث يتم تحديد أجور العقارات المُعدّة للسكن بناءا على أسعارها المسجلة لدى الدوائر المالية، و إخضاع المأجور لقاعدة التمديد الحكمي و بزيادة سنوية نسبتها 10% من الأجرة لكل سنة تمديد ، و لا يُخلى المستأجر إلا إذا كان المالك يرغب باسترداد المأجور ليسكن فيه هو أو احد أصوله أو فروعه ذلك تحت طائلة تغريم المالك بغرامة تصل إلى 10 % من قيمة العقار ، أو في حال إخلال المستأجر بشروط العقد المبرم، عملا بأحكام المادة 7 من القانون النافذ ، و تتولى محكمة الصلح الفصل بالنزاع خلال ثلاثة أشهر من تاريخ اكتمال الخصومة ، و شهر للفصل بالطعن أمام محكمة الاستئناف.
هكذا تعديل لابد منه للتخفيف من معاناة " دياسبورا سوريو الداخل " عبر محاربة عشاري العقارات، كما أنّه سيرفد خزينة الدولة بالمال الذي يصبّ اليوم في جيوبهم ، ف "أبو سومر" لديه شقة في مشروع دمر قيمتها اليوم مئة و خمسون مليون ل.س ، و سعرها لدى الدوائر المالية 20000 ل.س ، و هو يؤجرها بمليوني ليرة سنويا، و ، و بدل أن يكون رسم تسجيل العقد 20000 ل.س ، يدفع 500 ل.س إذ يذكر في العقد أن بدل الإيجار السنوي هو 40000 ل.س، هذا الاحتيال تكفله و تحميه المادة الثالثة من قانون الإيجار النافذ، قانون يحمي العشارين.
قد يردّ علينا البعض بالقول أن تطبيق معايير صارمة على عقود الإيجار سيدفع الكثيرون إلى عدم تأجير بيوتهم ، لهؤلاء نقول إن أحد ابرز مظاهر سيادة الدولة هي استحواذها على خاصية الإكراه و تحديدا في الظروف القاهرة ، و عليه ، يمكن للدولة مثلا أن ترفع ضريبة " الترابية" على العقارات الخالية بنسبة 5 % من قيمة العقار ، و توزع هذه النسبة على الشكل التالي : 1 % لدعم اسر الشهداء ، 2 % لإعادة الإعمار و 2 % لخزينة الدولة ، هذا الأمر ـ على الأقل ـ سيخفف من عدد من يسكنون الحدائق ، و سيعيد الكثير من المدارس للخدمة بعد أن تحولت لمراكز إيواء، و سيكفل للأسر التي فقدت معيلها ـ أسر الشهداء تحديدا ـ أو منزلها الاستمرار تحت سقف يسترها، و ينهي حالة الجشع التي يكفلها القانون الحالي و يشجع عليها المؤجرين.
كل من يعوّل على الأخلاق أو الضمير أو "تقوى الله " لوضع حدّ لجشع التجار و المؤجرين يساهم عمدا في تفاقم معاناة السوريين، القانون الصارم و العادل هو الحل.
بانتظار مبادرة تشريعية من السيد وزير العدل تُعيد الأمور لنصابها، أؤكد أنّ هناك كُثر مثلي من أساتذة كلية الحقوق المستأجرين مستعدون للتعاون في هذا الموضوع ، و عمار يا سورية عمار.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...