شراكة الأطفال في خلافات الكبار

10-02-2007

شراكة الأطفال في خلافات الكبار

تتعالى الأصوات الصادرة من الشقة الرقم 9، في الطابق الثالث. يبادر بعضهم إلى إغلاق النوافذ المقابلة. الأستاذ حسين يشرئبّ عند عتبة داره، مسترقاً السمع إلى تفاصيل الشجار، ومتأهّباً للتدخل في الوقت المناسب. العم أحمد البواب يضرب كفاً بكف ويدعو للمتعاركين بصلاح الأحوال. و «مدام» هنية، الجارة القريبة تهرع إلى قلب «الحدث» لتصطحب الصغار إلى شقتها حتى انتهاء المعركة، وتكفيهم شرّ الكلام «الطائش».

قاطنا الشقة الرقم 9 هما من أشهر سكان المبنى. فأصوات شجار علاء وزوجته منى، من «المعالم الصوتية» للمنطقة، لا تسكت أكثر من أسبوعين في موسم الصيف، حين يتوجهان مع أطفالهما إلى المصيف، مصطحبين معهما معاركهما، لـ «يُطرِبا» بها آذان المستجمّين والمستجمّات. وأصبح أبناؤهما، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 سنة وثماني سنوات، شهود عيان على خلافات «ماما» و «بابا».

تبدأ الخلافات من شكوك منى بسلوك زوجها، واتهاماته لها بتفضيل عملها على أسرتها، مروراً بـ «التناحر» حول الدروس الخصوصية وتكاليفها، ووصولاً إلى مشكلاتهما الحميمة في الفراش. والأدهى أن كلاً منهما يستميت في استمالة هذا الابن أو ذاك إلى صفه، ليعزّز «جبهته».

حياة علاء ومنى وأبنائهما الثلاثة، نموذج واضح لما لا ينبغي أن تكون عليه الأسرة، على رغم مستواهما المادي والاجتماعي المعقول. ولا يشارك علاء ومنى أحداً، في مشكلاتهما أو محاولات حلّها، ولو كانت تعني الصغار مباشرة، إلاّ بما «يتفجّر» خلال المشاجرات. حينئذٍ، يعلم سكان المنطقة كلها بما يدور بينهما.

وفي سياق إدارة الأزمات الأسريـة، يعتـبـر استـاذ علم النـفـس في جامعة عين شمس، إلهامي عبدالعزيز، أن «مشاركة الأبناء في مناقشة القضايا المتعلقة بتفاصيل حياتهم ضرورية، سواء كانت مشكلات بين والديهم أو المصاعب التي تواجههم، على أن تتم المشاركة بصراحة في ما بينهم. فيُطلب من كل فرد منهم الإدلاء برأيه للتوصّل إلى اتفاق».

ويوضّح عبدالعزيز أن «الأهم هو أن يعرف كل منهم أهمية مشاركته في المسؤولية واتخاذ القرار، وأن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، وأن يُحال دون بلوغ حد الجفاء والقطيعة، بتوسّل المرونة ورحابة الصدر، وتقبّل الآراء».

وهو يؤيّد بشدة مشاركة الأبناء في الحل، أو على الأقل في الحوار حول المشكلات المتعلقة بهم، ولكنه يحذّر من مغبّة ما يمكن أن يحصل في حال تفاقمت وتأزّمت الأحوال «هناك أشياء شديدة الخصوصية بين الزوج وزوجته، وخروجها إلى العلن يجعل الأبناء يشعرون بفقدان الأمان وأن البيت معرض للتقويض».

إلاّ أن القضايا الشائكة والحساسة والمحرجة بين الزوجين ليست وحدها التي يجب التستّر عليها. فهناك حالات أخرى ينصح عبدالعزيز بإخفائها عن الأبناء، وهي عجز الأب أو الأم أو كليهما عن لجم غضبه، والاندفاع الأهوج وتبادل التجريح، لأنه مهما حدث يُفترض أن يظلا قدوة حسنة للأبناء.

ولا يرى عبدالعزيز في الأبناء وسيلة مؤاتية لـ «يفضفض» الأب أو الأم عن همومهما، أو لحل أزماتهما، وذلك لأسباب أبرزها أن الكلمات والعبارات التي تلمّح إلى نشوب الخلاف بين الزوجين، أو تشير إلى احتمال مشكلة، تحتاج إلى متخصص في الأمور النفسية والاجتماعية لتحليلها ومقاربة حلول لها. وهي أمور لا يفقهها الأبناء القاصرون والبالغون حتى لو كانوا متخصصين، لأنها تسبب الإحراج وربما اهتزاز صورة الأب أو الأم.

وينبغي ألاّ يحمّل الآخرون أكثر من طاقاتهم، وإلا العواقب تكون خطيرة على تكوينهم النفسي. فالابن أو الابنة، حين يبوح أحد الأبوين بهمومه أو مصاعبه، خصوصاً المتعلّق منها بشريك العمر، يبدأ في التساؤل عمّا يمكن أن يقدمه له من مساعدة, وغالباً يكون عاجزاً عن ذلك. ويحذر عبدالعزيز بشدة من محاولات استقطاب الأبناء في الخلافات الزوجية لمحاربة الطرف الآخر من خلال هذه «العزوة».

الخلافات الأسرية في أي بيت حجر يعترض مجرى النهر، لا يعيق سريان المياه لكنه يغير مجراها إما نحو الأفضل وإما نحو الأسوأ.

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...