معركة سوريه البطولية ضد الإمبريالية

22-10-2016

معركة سوريه البطولية ضد الإمبريالية

الجمل ـ *بقلم أندريه فيلتشيك ـ ترجمة رنده القاسم:
يصعب تخيل دولة أكثر مرونة و بطولة من سوريه!!!
بتعداد سكانها السبعة عشر مليون  فقط (حسب احصائيات  عام 2014) تواجه سوريه الآن أكبر ائتلاف على الأرض، ائتلاف يضم فعليا كل دول الاستعمار  التقليدي و الاستعمار الجديد الغربية.
كما و تواجه بعضا من أقسى الإبداعات الغربية و أكثرها قتلا (مجموعات إسلامية متطرفة و قاتلة سابقة و لاحقة) مشابهة لتلك التي أطلقت ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب في أفغانستان.
سورية لا تزال صامدة  بسبب العزيمة الجبارة لشعبها، و لكنها تقف ضد كل الخلافات.... فمرتفعات الجولان محتلة بشكل غير شرعي من قبل إسرائيل, و الحدود السورية تنتهك باستمرار من قبل الجيش التركي و القوات الخاصة الغربية و القوة الجوية.
المعارضة السياسية السورية خلقت و صقلت و مونت من قبل الولايات المتحدة و أوروبا وفق نموذج "الثورات الملونه"، كما حدث في كل البلدان الاشتراكية الأخرى التي يحاول الغرب زعزعتها و إعادتها تحت سلطته المميتة. تم ترويع الملايين من الشعب السوري خلال السنوات الست الماضية و ذبحهم و تهديدهم من قبل الجهاديين الذين زرعهم الغرب و حلفاؤهم الإقليميون مثل السعودية و تركيا و قطر و إسرائيل و آخرون.
إنها معركة رهيبة و غير عادلة.. بعض من أعظم المدن التاريخية في العالم، مثل حلب و تدمر، تركد الآن في الدمار و الحطام. و الذي فشل الصليبيون الأوربيون في تدميره بشكل كامل ، ينهار الآن تحت الهجوم الامبريالي. و كأي مكان على وجه الأرض، فإن كل من يجرؤ على النضال ضد الاستعمار الغربي يتعرض للتدمير و الحرق. تقريبا كل من يقاوم يذهب بلا رحمة...مئات الآلاف من الشعب السوري فقدوا أرواحهم، و كل يوم يزداد هذا التعداد الرهيب.
و لكن سوريه لا تزال صامدة!
أجبر خمسة ملايين سوري على مغادرة وطنهم، و الآن هم مبعثرون على امتداد الشرق الأوسط في لبنان و الأردن و العراق و مصر و تركيا. و بعضهم ذهب بعيدا إلى أوروبا و كندا و تشيلي.
كيف يمكن لدولة واحدة أن تحتمل أكثر من هذا ؟ و كيف يستطيع العالم الوقوف فقط و المراقبة بينما هي توضع في الجحيم؟
الجواب واضح:  بقية العالم لا يعرف  و لا يفهم ما يحدث.. فالبروبوغندا الصادرة عن وسائل الإعلام الغربية و معاهد صناعة الفكر  احترافية جدا بحيث يرى أغلب الناس حول العالم  كل شيء متعلق بسوريه بشكل ضبابي و غامض و معقد .  الرئيس الأسد يشبه بالشيطان كل يوم، و المقاومة البطولية توصف ب "الأعمال الوحشية للنظام" ، و يطلق على المجموعات الإرهابية المدعومة من الغرب تسمية "المعارضة المعتدلة".
في الحقيقة سوريه تعاني لأنها ترفض الركوع، لأنها لا تنوي بيع نفسها، لأنها لن تستجدي معذبيها كي يتوقفوا، ما يجعلهم ينبشون كل شيء فوق و تحت السطح.
الإمبراطورية لا تغفر العصيان ،و طرقها في الإرهاب المتشدد هي  على الإطلاق أقسى الطرق التي اخترعت و طبقت في كوكب الأرض.
كل البلدان حول سوريه قابعة في الرماد، و بالكاد يوجد الآن شرق أوسط. و معظم الشعب السوري يفهم بأنه ربما من الأفضل أن يموت واقفا على أن يعيش مكبلا و جاثما على ركبتيه تحت سيطرة الدول الاستعمارية الغربية المصابة بهوس السرقة.
و كلما ازدادت فظاعة الإرهاب الذي ينشره الغرب عبر العالم بشكل عام و في هذا الجزء من العالم بشكل خاص، كما ازداد فساد حملاته الدعائية و عمليات غسيل الدماغ التي تتدفق بشكل مستمر من لندن و نيويورك و باريس. فالمتابع لل BBC سيلحظ أن ما من أي أثر للموضوعية، فقد رصت الصفوف و توحد الغرب في هجمته الأخيرة ذات  التشويه التام لكل من لا يزال يصارع من أجل البقاء ضد أعمال الغرب الإرهابية عبر العالم.
رئيس سوريه بشار الأسد، و الجيش السوري البطل، و حلفاء سوريه الأقرب (روسيا و إيران) يتم تحويلهم إلى شياطين ، و كأنهم هم من بدأ هذه الحرب الوحشية.... و حزب الله ، الذي خاض بطولات لا تعد ضد داعش، يوجد ضمن قائمة الإرهاب التي وضعها الغرب..كل شيء يبدو مقلوبا رأسا على عقب.
و لكن ماذا يمكن أن يتوقع المرء من المهووسين بالتوسع  و من معاقل الإمبريالية؟  هل كانت البروبوغندا البريطانية (أو الفرنسية) مختلفة عندما سيطرت دولهم الاستعمارية  على دول أجنبية لا تعد و دمرتها و روعتها  و ذبحت مئات الملايين من الناس الأبرياء؟ ألم يتعرض كل من قاوم الغزو الغربي للسخرية و للشيطنة؟
دول مثل المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، اسبانيا، برتغال و غيرها تملك خبرة قرون في إذلال الضحايا و تبرير أعمالها الشائنة، و غسل أدمغة شعوبها بل و حتى بعض من ضحاياها. و الولايات المتحدة، النتاج المباشر لأوروبا، و وليدها  مكتمل العضلات، تستخدم نفس تقنيات البربوغندا و إن كانت أكثر بذاءة.
و لا يمكن توقع أي شيء منطقي أو موضوعي من قبل الشعوب في أوروبا و شمال أميركا. باستثناء القليل من الاحتجاجات و الأعمال المتمردة غير الهامة، فالشعوب الغربية في سبات تام و غير مدركة للذعر الذي تدبره أنظمتها عبر العالم. و بالكاد يوجد ضغط من أجل إيقاف الإرهاب ضد سوريه، الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يعني الأوربيين هو كيفية إيقاف تدفق اللاجئين من الدول المدمرة.
يا للعار!  أي عار هذا يا شعوب أوروبا و أميركا الشمالية! حكوماتكم تقتل الملايين ، في دولة إثر أخرى، و أنتم غير قادرين على إدراك ما يحدث.. و عوضا عن ذلك تلومون الضحايا و من يندفعون لنجدتهم..
أنتم أكبر عدو لروسيا ، لأن روسيا (كما الصين) لا تنوي الرقص على لحنكم القاتل. لأن روسيا ، و لعقود كثيرة ، وقفت إلى جانب كل الدول المضطهدة ، و دعمت التحرر من الاستعمار في كل بقاع العالم. مثلما فعلت الصين و كوبا و كوريا الشمالية.
روسيا تدافع عن سوريه، لا لأنها بحاجة إلى مصادر طبيعية، و لا لأنها تريد الغنائم، إنها تقوم بهذا ببساطة لأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. تقوم بذلك لأنه لو تم التخلي عن العالم للإمبريالية الغربية فلن يكون هناك عالم على الإطلاق ، أو على الأقل لن يكون هناك عالم يستحق أن نعيش فيه.
قال لي  الدكتور فرح المطلق نائب وزير التربية في الجمهورية العربية السورية: "دولتنا اشتراكية، و بالنسبة لنا العناية بمصالح البلد كله أهم  من المصالح الشخصية. أمضيت أكثر من خمسين عاما مكرسا حياتي للتعليم، و هو العمود الفقري في بلدنا، و خاصة الآن.. أحيانا أشعر بالرغبة في ترك عملي و العودة للتعليم في جامعة دمشق، و لكن الآن لا تزال الحاجة لوجودي حيث أنا"
التقيت الدكتور المطلق في القاهرة ، مصر، في مؤتمر إقليمي، و سألته عن الدعاية الغربية ضد وطنه فأجابني و هو يهز رأسه: " أنا حتى لست غاضبا.... أنا فقط أشعر بحزن لا نهاية له..فهجمات وسائل الإعلام، البروبوغندا التي يصبها الغرب مصممة بوضوح من أجل تدمير بلدنا، و لكننا نملك الأمل و سوف نستمر بالنضال".
و المؤتمرات و اللقاءات الدولية تظهر بوضوح كيفية الانقسام حتى ضمن العالم العربي نفسه.  وسوريه المثال، فبالنسبة  للبعض هي تجسيد للمقاومة و البطولة، و بالنسبة للبعض الآخر، و خاصة أولئك الممولين و المكيفين من قبل الغرب، هي تمثل كل شي شرير.
و لكن مصر نفسها ، بعد ثلاث سنوات من الانقلاب العسكري المدعوم من الغرب، أضحت وسط الدمار, فاقتصاديا هي متعثرة جدا  أما اجتماعيا فمدمرة تماما.
و بالطبع دمار مصر  أقل مستوى عما هو عليه في  العراق و ليبيا أو اليمن. و لكنه لا يزال سيئا، فخلال انقلاب عام 2013  تم قتل ألف  على الأقل، و لكن الرقم على الأغلب  هو ألفين، على يد المجلس العسكري بينما أصيب عشرات الآلاف. و يقدر بأن حوالي عشرة آلاف شخص الآن في سجون في كل أنحاء البلد، معظمهم  في ظروف فظيعة ، و  يتعرض الكثيرون للتعذيب أما  النساء السجينات فيتعرضن باستمرار للاغتصاب.
"الثورة المضادة انتصرت" ، هكذا يقول الدكتور محمد شفيق ، عضو الحركة الاشتراكية الثورية و يضيف : "كل الأحزاب و المنظمات المعارضة سحقت . سجن آلاف الثوريين، و أعدم المئات بأوامر من المحكمة أو تمت تصفيتهم على يد الشرطة.. الليبرالية الجديدة تسيطر، و الشعب يعاني".
غير أن البروبوغندا الغربية لا تبدي أية رغبة بانتقاد المجلس العسكري المصري، فهو قبل أي شيء مدعوم أساسا من الغرب، و هو رأسمالي و إلى حد كبير تابع للإمبراطورية و حلفائها بما فيهم إسرائيل و السعودية.
و كحال كل الدول التابعة للغرب، لن تكون مصر أبدا قادرة على تحسين حياة أغلبية مواطنيها. فهي عالقة منذ عقود  ،و لا تزل، في خمول  اجتماعي أبدي. و المستفيدون من هذه الحالة هم القوى الغربية و حلفاؤهم الإقليميون و كذلك النخبة المصرية الخانعة و الجيش الجبار بشكل خيالي و الكلي القدرة.
و إذا استسلمت سوريه فإن السيناريو المصري سيكون أفضل ما تأمل به . و لكنها على الأغلب ستواجه مصيرا رهيبا مثل العراق و ليبيا.
ذكرت التقارير أن اثنان و ستون جنديا سوريا قتلوا في الضربة الجوية التي شنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة على قاعدة عسكرية سوريه في دير الزور ، شرق سوريه، في السابع عشر من أيلول . و دمرت الطائرات القاعدة التي كانت تأوي الجنود المنخرطين في معركة مع داعش، و على الفور، استولت داعش على الهضبة و المنطقة، في عملية تبدو و كأنها بالتنسيق بين الغرب و الدولة الإسلامية ضد القوات الحكومية السورية.
و بعد عدة أيام ، ضُربت قافلة إنسانية قرب مدينة حلب، و دون تقديم أية أدلة وجه الغرب أصابع الاتهام نحو الحكومة السورية و روسيا. و لكن وزارة الدفاع الروسية نشرت صورا لطائرة أميركية بدون ربان كانت تعمل في المنطقة خلال الهجوم، و دعت إلى تحقيق شامل.
الحرب مستمرة و معها معاناة الشعب السوري. و هناك نقطة بسيطة تشير إلى أنها بإشراف الغرب، تتمثل في قيام  الحكومة الشرعية في سوريه بدعوة روسيا ، حليفها القريب. إذا طلبت من موسكو المساعدة من أجل محاربة داعش و المجموعات الإرهابية الأخرى الذين زرعهم الغرب و حلفاؤه.
لم يقم أحد بدعوة الغرب......أو ربما تلك الجماعات التي خلقت و دعمت في سورية من قبل الغرب هي من دعاه؟
تقاتل كل من الحكومتين السورية و الروسية غزاة أجانب متوحشين يحاولون تدمير واحدة من أقدم الأمم على وجه الأرض و السيطرة على الشرق الأوسط.
سوريه على  الخط الأمامي في المعركة ضد الإمبريالية الغربية، و كذلك روسيا و إيران أيضا، بينما تنضم الصين الآن.....التضحيات التي قدمها الشعب السورية هائلة، و لكن رغم كل شيء في النهاية سيتوقف هنا التقدم القاتل للإمبرياليين.
و كما كتبت سابقا، الثمن رهيب، و حلب تتحول إلى ستالينغراد الشرق الأوسط، و لكن الأمة السورية البطلة اختارت ، و سوف تقاتل الغزاة الهمجيين المتوحشين، كما قاتلت الصليبيين تحت قيادة السلطان العظيم صلاح الدين.
أما البديل فهو العبودية .. الأمر الذي يرفضه الشعب السوري......

*روائي و صانع أفلام و صحفي  و مصور و كاتب مسرحي روسي يحمل الجنسية الأميركية  ، مقيم في آسيا و الشرق الأوسط.

عن مجلة New Eastern Outlook  الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...