الحرب الخيار الوحيد؟

14-10-2016

الحرب الخيار الوحيد؟

الجمل ـ *بقلم الدكتورباتريك هيلير ـ ترجمة رنده القاسم:
"لا !!  ليس ثانية!!!!" ،إنها العبارة التي دارت في أذهاننا و نحن نواجه قتل و معاناة المدنيين بمقدار كبير. فمدينة حلب السورية واقعة تحت الحصار، و تحذر الأمم المتحدة من احتمال أن تدمر المدينة بشكل كامل خلال شهرين.. فقد ذكر المستشار في الأمم المتحدة جان إيغيلاند : "يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، و ما من شك بأننا  الآن نخذل أعدادا متزايدة من المدنيين في سوريه"... و بنفس الوقت تقريبا افترض كاتبان  في صحيفتي واشنطن بوست و نيويورك تايمز بأن التراخي حيال جرائم الحرب و السلبية مرتبطان بخسارة أرواح نصف مليون سوري. و الكاتبان، و هما  سامر عطار و نيكولاس كريستوف ، ليسا من مؤيدي الحرب، بل على العكس تماما، فعطار طبيب جراح متطوع لدى الجمعية الطبية السورية الأميركية، و تظهر  كتابات كريستوف دائما تعاطفه مع قضايا حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية.  و لكن للأسف الاثنان يجسدان أعراض  مشكلة واسعة تتعلق بسقوط مجتمعاتنا في مصيدة تفكير مفادها أن  الخيارات الوحيدة التي نملكها عندما نواجه شناعات كبيرة تكمن  إما العمل العسكري أو السلبية التامة.
الصراع في سورية يظهر كل مرة فشل الجهود الدبلوماسية على كل المستويات. و لكن مع سقوطنا في مصيدة التفكير المذكورة أعلاه ، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن ، و بما أنه تم تجريب كل شيء، بأن  الوقت قد حان لإخراج السلاح الكبير، بكل معنى الكلمة. و عندما نرى الصور و أفلام الفيديو و التغريدات عبر تويتر التي تتحدث عن المعاناة ، فإننا نفكر بكيفية إنقاذ هؤلاء الناس.
لنتحدث بوضوح، في وقت معين، و مكان معين ، يمكن إنقاذ مجموعة معينة من الناس عبر التدخل العسكري. و لكن، التدخل العسكري دائما ما يجعل الوضع العام أسوأ و تتضاءل احتمالات  التحول البنّاء للصراع. علاوة على ذلك، و بينما يتم إنقاذ أرواح في مكان ما، فإن أرواح أخرى سوف تحصد، و علينا مواجهة الحقيقة، فالتدخل العسكري دائما يسبب خسارة أرواح بريئة.
التدخل العسكري يعني إدخال قوى عسكرية خارجية إلى صراع موجود، و هذا يكون عبر طرق تتضمن إدخال الأسلحة و الضربات الجوية و جنود مقاتلين للتدخل في الصراع المسلح. إنه يعني استخدام قوى مميتة على درجة واسعة. إن التدخل تحت أي اسم- عسكري، إنساني، إئتلاف، منظمة ذات ميثاق،  حفظ السلام- هو حرب، و الحروب بطبيعتها تعني الدمار. فهناك عنف و موت و معاناة، و بكلمة أخرى، عندما نتحدث عن تدخل عسكري إنساني، فإننا نتحدث عن كلمة تحمل معنيين متناقضين تماما: إعلان التدخل للدفاع عن الأرواح  و فعليا خسارة أرواح.
حان الوقت لإتباع طريق جديد، طريق لا نتعلمه من قبل  دعاة سلام ساذجين، و لكن بواسطة تحليل جدي لبدائل اللاعنف دون وجود خيارات عسكرية كجزء من الصورة. يجب أن يبعد الخيار العسكري عن الطاولة، و إلا فإن كل الخطوات الأخرى ستواجه بقوى مضادة و سوف تتقوض بشكل مباشر.
لنتأمل فقط في هذه القائمة الحيوية من البدائل اللاعنيفة التي يمنحها بشكل متزايد  الحقل الاحترافي  لمقترحات السلام  و التي يخبرنا بها أكاديميون ناضجون معنيون بعلم السلام ، و هذه البدائل تتضمن: حظر تجارة السلاح، إنهاء كل المساعدات العسكرية، دعم المجتمع المدني، نشطاء لا عنف، قوانين، العمل عبر هيئات عليا، وقف إطلاق النار، مساعدة اللاجئين، التعهد بعدم اللجوء للعنف، مبادرات منصفة، دبلوماسية ذات معنى و خلاقة، حكومة جيدة شاملة، زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية الاجتماعية، معلومات دقيقة عن الحقائق، الفصل بين مرتكبي الجرائم و قاعدة الدعم، حظر سماسرة الحرب، مقاومة مدنية غير عنيفة، دفاع شعبي، مصالحة، التحكيم و التسوية القضائية، آلية حقوق إنسان، دعم إنساني و حماية، إغراءات اقتصادية و سياسية و إستراتيجية، مراقبة و إشراف و تثبيت.و القائمة لا تنتهي.
و أنا ، خلافا للدكتور عطار و نيكولاس كريستوف، لا أرى معاناة ساحقة على الأرض. و علاوة على ذلك، لا يمكنني الحديث نيابة عن أولئك الذين تحت الحصار في حلب و بالتأكيد لن أحاكم أولئك الذين يستجدون المساعدة بإلحاح عبر التدخل العسكري. كما أني أريد التأكد بأن لا  يغدو تكرار ما حدث حقيقة. ما أقوله ليس مناشدة أخلاقية، أنا جزء من تجمع مهنيين و أكاديميين مؤهلين بشكل  جيد و راكموا تجربة جبارة في توفير الأدلة على أن الكثير من بدائل اللاعنف، و الفعالة، دائما أفضل من التدخلات العسكرية.
الرأي العام الواسع لم يعلم جيدا بكل هذه الإجراءات المحتملة، و تظهر الأبحاث أن الشعب في الولايات المتحدة الأميركية يفترض أن استخدام القوة العسكرية هو الملجأ الأخير و أن هناك انحدار مثبت في دعم الحرب عندما تقدم بدائل. الكثير منها استخدمت في سوريه على مستويات متنوعة ، و قد نشر المركز الدولي حول اللاعنف و استخدام اللاعنف الكثير من الأخبار و التحليلات حول الأشكال غير العنيفة للصراع حول العالم، بما فيها سورية. و إذا لم تواجه تحدي، فإن كل النداءات من أجل تدخل عسكري ستستمر بإخماد الأصوات المنادية بالعديد من البدائل الحيوية اللاعنيفة. و إذا لم نستخدمهم، فهذا ليس لأنها غير متاحة، و لكن بسبب القيود المفروضة بشكل متكلف، و فقدان الاهتمام أو الأنانية. بينما هناك حلول غير خيالية نعلم  أنها تعمل بشكل أفضل..

* باحث في تحويل الصراع، و بروفيسور في مجلس  جمعية أبحاث السلام الدولي، و عضو في مجموعة ممولي السلام و الأمن و العديد من الهيئات و الجمعيات المعنية بالسلام.
عن موقع CounterPunch الالكتروني

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...