مع انهيار الهدنة السورية

28-09-2016

مع انهيار الهدنة السورية

الجمل ـ * توني كارتالوتشي ـ ترجمة رنده القاسم: عندما نشرت "ليز سلاي" من صحيفة Washington Post مقالتها الأخيرة المضللة و المتحيزة، تحت عنوان " هجوم عنيف على حلب يفترض احتمال كون الولايات المتحدة مخطئة فيما يتعلق بسوريه"، تعمدت أن تمنح الانطباع بأن الولايات المتحدة سعت نحو السلام في سوريه، و لم تتطرق إلى ما  كان  اعترافات علنية  من قبل الولايات المتحدة حول نيتها ،منذ سنوات قبل بدء الصراع ،إسقاط حكومة دمشق و أن تستخدم من أجل تحقيق ذلك متطرفين طائفيين مدربين من قبل السعودية حليفة الولايات المتحدة.
و لا هي ذكرت بأن ما يسمى مقاتلين "معتدلين" يحاربون في سوريه مرتبطون  مباشرة منذ زمن بعيد بمنظمات مصنفة إرهابية ، تضم النصرة مع الكثير من المجموعات التي تقف  تحت راية القاعدة  قبل بدء الهجوم الواسع ضد مدينة حلب شمال سوريه، المعركة التي لا زالت مستمرة حتى الآن.
سلاي و صحفيون آخرون في المؤسسة الإعلامية الغربية اعتبروا قيام الطائرات السورية و الروسية بشن ضربات جوية عبر حلب إخفاق لما يسمى الهدنة السورية، الهدنة التي شنت  الولايات المتحدة خلالها هجوما متقنا على القوات السورية في مدينة دير الزور الشرقية ، مانحة "بالصدفة" الفرصة لقوات الدولة الإسلامية (داعش) من أجل التقدم و وضع يدها على منطقة إستراتيجية... إنها أيضا الهدنة التي رفضت الميليشيات المسلحة احترامها ، بما فيها مجموعات مسلحة و مدعومة علنا من قبل الولايات المتحدة و حلفائها.
إذن القصف الحالي في حلب ليس "إخفاقا" في محاولات الولايات المتحدة  لأجل وقف إطلاق النار، و إنما هو إخفاق في محاولات الولايات المتحدة الرامية لاستمرار حرب مدمرة تهدف لتغيير النظام تحت قناع التوسط من أجل الهدنة.
و قد أقرت الإدارة الأميركية نفسها بأن النصرة ، و هي منظمة مصنفة إرهابية من قبل الإدارة الأميركية، تعمل حول حلب. و في نيسان من هذا العام ، نشرت Business Insider مقالة تحت عنوان " وزارة الدفاع تملك خطا جديا لمساعدة بوتين و الأسد في سوريه" و جاء فيها:
( سؤل الكولونيل ستيف ورنير من الجيش الأميركي، و المتحدث باسم العمليات العسكرية الأميركية ضد داعش في العراق ، حول ما إذا كانت الضربات الجوية في حلب، و هي مركز الأحداث الحالية في الحرب، تعني بأن موسكو تستعد لإنهاء اتفاق وقف القتال بين القوات الحكومية و المعارضة الموقع في 29 شباط. و قد أجاب  ورنير بأن الأمر معقد لأن النصرة تسيطر على حلب و هي ليست جزءا من الاتفاق).
وقف إطلاق النار أم لا..... الولايات المتحدة وسورية و روسيا اتفقت بأن النصرة ، إضافة إلى منظمات أخرى مصنفة إرهابية، لن يشملها الاتفاق، و هذه الحقيقة ذكرتها الولايات المتحدة نفسها كتبرير عن شنها ضربات جوية ، بما فيها تلك التي على دير الزور، خلال الهدنة المفترضة.
و في الواقع انهيار الهدنة أمر متوقع و يتعلق بمشكلة مصداقية الولايات المتحدة في سورية و حول العالم، إنها دولة تتكشف دوافعها و أهدافها بسهولة أمام  قطاع كبير متزايد من الرأي العام العالمي  الذي يقف في الجهة المغايرة لخطابها الأخرق و المتناقض.
لا يمكن حل الصراع السوري عبر اتفاقيات سياسية مخادعة يتوسط فيها طرف يرمي فقط إلى تحقيق هدفه المعلن و هو "تغيير النظام" و "تقسيم" دولة ذات سيادة.و لهذا فإن مصير سوريه سوف يحسم في أرض المعركة وسط الصراع بين كلام أميركا السياسي المتلعثم و بين حقيقة الجيش السوري و الروسي و الإيراني عندما يواجه الولايات المتحدة و تحالفها العسكري و الاقتصادي و السياسي متعدد القوميات الذي يسعى لتمزيق و تدمير سوريه.
خلال تقييمهم للاحتمالات المستقبلية لهذا الصراع  ينبغي على المحللين السياسيين ،و كذلك الفضوليين، الانتباه  جيدا لحجم و ترتيب القوات على الأرض، و على القوة السياسية و الاقتصادية و اللوجستية للاعبين الخارجيين المؤثرين على أرض المعركة، و الخطاب السياسي لكل طرف معني، و أن يتركوا التحليل الدقيق لاتفاق الهدنة ذي الرعاية الأميركية للمحللين السياسيين الغربيين الساعين إلى تسخيف نقاط أساسية في الرواية الغربية المتعثرة و الملفقة و الغامضة.

*صحفي و باحث جيوسياسي و كاتب  أميركي مقيم في بانكوك
عن مجلة New Easter Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...