الحزام الأبوي في السَّعوديَّة: النّساء في الأمّة الورعة

28-09-2016

الحزام الأبوي في السَّعوديَّة: النّساء في الأمّة الورعة

تُستمدُّ جاذبيَّة الكتابة عن أحوال المرأة السعوديَّة من الغموض الَّذي يظلّل النّساء الرَّازحات تحت وصاية الإسلام الأبويّ والمجتمع البطريركيّ. نجحت الأدبيات النّسويَّة والأعمال الأكاديميَّة في تسليط الضَّوء على واقع السّعوديات، فظهرت إسهامات بارزة منذ ثمانينات القرن المنصرم، تمكَّنت من الإحاطة بالعوامل الدينيَّة والسّياسيَّة والتَّاريخيَّة المساهمة في محاولات تشكيل الهويَّة النّسائيَّة السّعوديَّة.

في "الدَّولة الأكثر ذكوريَّة: المرأة بين السّياسة والدّين في السّعوديَّة" (ترجمة: صبا قاسم، منشورات الجمل، بيروت، الطَّبعة الأولى، 2016) تقدّم أستاذة علم الأنثروبولوجيا في جامعة لندن، مضاوي الرَّشيد مادَّة تحليليَّة غنيَّة حول النّساء السَّعوديات. استندت في كتابها الصَّادر في الإنكليزيَّة عام 2013 (A Most Masculine State Gender, Politics and Religion in Saudi Arabia) على مجموعة من المصادر والمراجع الكاشفة عن الاهتمام الَّذي تحظى به قضية المرأة السعوديَّة ضمن المؤلَّفات العلميَّة العربيَّة والغربيَّة.

تنطلق إحدى فرضيات الرَّئيسة في الكتاب من القول: "إنّ الوضع المعاصر للمرأة في السَّعوديَّة، تمّ صوغه بواسطة الإرث التَّاريخيّ للوهَّابيَّة، وتحوّلها إلى حركة قوميَّة دينيَّة تحت لواء الدَّولة السعوديَّة. كان لهذا التَّحوُّل تأثير مهمّ في الجنسين بعد أن أصبحت الحركة، ليس دين دولة فقط، وإنما أيضاً قوميّة دولة".

ترتكز المنهجيّة المعتمدة على رصد مسار الدَّولة التَّاريخيّ، ومبادراتها بشأن الجنس، واستجابة كلّ من الرّجال والنّساء للأسئلة الملحة حول النّساء ومكانتهنَّ في المجتمع. اعتمدت صاحبة "مأزق الإصلاح في السّعوديَّة" على البيانات الرَّسميَّة، والخطابات الأدبيَّة النّسائيَّة، والأطروحات الدّينيَّة، وآراء رجال الدّين، والأدب والكتابات العلميَّة. وإلى جانب المصادر النَّصيَّة أجرت مقابلات مع الطَّالبات والنَّاشطات والمدوّنات والرّوائيات السَّعوديات، ووفَّرت لها تكنولوجيا الاتّصالات الحديثة القدرة على تبادل الأفكار مع أصوات النّساء. تلاحظ الرَّشيد أنَّ تسميات مثل ليبراليَّة وإسلاميَّة لا تعكس المظالم المشتركة بين جميع النّساء، جميعهنَّ يطالبن بمزيد من الاعتراف والتَّغيير القانونيّ والفرص؛ والأهمّ أنّ جميع فئات النّساء قد وصلنّ إلى مرحلة حرجة، حيث يتنامى الوعي النّسوي ببطء لكن بثبات، بغضّ النَّظر عن الموقع الأيديولوجي أو الطَّبقة الاجتماعيَّة.

النّساء بين الموروث التَّاريخيّ والقوميَّة الدينيَّة

تُعرف القوميَّة الدينيَّة بأنَّها "شكل من أشكال التَّمثيل الجماعي المسيّس، المضمن في المؤسَّسات، ويكون الهدف منه خلق المجتمع الصَّالح". تبرز الرَّشيد العلاقة بين الإحياء الديني وتشكيل الدَّولة السَّعوديَّة الأولى في القرن الثَّامن عشر. ترى "أنّ تصورات علماء الدّين الحضريين حول الجنس أساسيَّة لهذه العلاقة، إذ تطلّعوا نحو تعميمها وفرضها على كامل الجزيرة العربيَّة وذلك بمساعدة القيادة السّياسيَّة (...) أسبغت الدَّولة الحديثة في العام 1932 طابعاً مؤسَّساتيّاً على تصوُّرات الجنس، الَّتي ظهرت في المجتمع الدّينيّ الضَّيّق جنوب نجد. وفي غياب نضال سعوديّ ضدّ الاستعمار أو حركة قوميّة علمانيَّة، انتقلت الوهابيَّة من الإحياء لتصبح حركة دينيَّة قوميَّة، بفضل بلاغة خطابها المتجانس العالمي". طمح هذا الخطاب إلى طمس التَّقاليد المحليَّة لصالح المثال الأعلى الإسلاميّ العالميّ الشَّامل. وفي القرن العشرين، تطوَّرت الوهَّابيَّة لتصبح قوميَّة دينيةَّ حيث كان إقصاء المرأة سمتها الواضحة، راسمةً بذلك حدود الأمَّة الورعة ومعرفة وحدتها في غياب قوميَّة مناهضة للاستعمار". (ص- 78-79).

أنتج الموقف الوهَّابي من النّساء تبايناً في الأوساط الأكاديميَّة. تقدم الباحثة الأميركية ناتانا ديلونغ باس (Natana DeLong-Bas) في كتابها (Wahhabi Islam: From Revival and Reform to Global Jihad) "الإسلام الوهَّابي: من الإحياء والإصلاح إلى جهاد العالميّ" قراءة معاكسة للاتّجاه الَّذي يعتبر أنَّ تعاليم الوهَّابيَّة يشكّل حجر الأساس للتَّمييز بحقّ النّساء وعدم التَّمكين. وتخلص من دراستها لأطروحات ابن عبد الوهاب إلى الاستنتاج أنَّه كان محرّراً للنّساء في مجتمع يعاني من كراهية وتمييز خطير ضدَّهنَّ. إذ يمكن أن يفهم تنظيمه للزَّواج والطَّلاق والميراث فقط من نيّته إصلاح الممارسات الدّينيَّة، وتحرير النّساء وحمايتهنَّ من الممارسات الدّينيَّة المهينة. تُعزى كراهية النّساء، وفق هذه القراءة للمصادر الأصليَّة للوهَّابيَّة، إلى النّظام الأبويّ والأعراف المحليَّة أكثر ممَّا تُعزى للتَّعاليم الوهَّابيَّة" (ص- 79-80). تحاجج الرَّشيد هذه الخلاصة وتضعنا أمام المسرح التَّاريخيّ لأحوال النّساء في جنوب نجد والحجاز قبل وأثناء إحياء وانتشار الوهَّابيَّة. لقد نظر علماء الدّين إلى النّساء كتهديد لسلامة المجتمع الأخلاقيَّة: لم يتمكَّن علماء الوهَّابيَّة من التَّساهل مع نساء الواحات اللَّواتي وقفنّ خارج المساجد، وجمعنّ لعاب الرجال الأتقياء بعد الصَّلاة، والَّتي استخدمنها لعلاج الشّفاء؛ وهو تقليد كان لا يزال يُرى خارج المساجد في الرّياض حتَّى أوائل القرن العشرين ( ص- 89). أُقصيت نساء الواحات من ساحات التَّفاعل الدّينيّ والاجتماعيّ، العامَّة والتَّقليديَّة، وقد عُمِّم هذا الإقصاء على جماعات البدو القبليّة في الصَّحراء. تجد الإدانة الوهَّابيَّة للممارسات الدّينيَّة غير التَّقليديَّة وانحلال نساء الواحات صدى لها في قلقها حول انعدام التَّديّن بين نساء الصَّحراء. (ص 90). أدّت تمدُّد الوهابيّة إلى انتزاع السُّلطة من رجال القبائل خصوصاً الممارسات المرتبطة بالتَّعامل مع النّساء في مسائل الشَّرف القبليَّة، فأصرّوا على تطبيق الشَّريعة الإسلاميَّة، وحكم علماء الوهَّابيَّة بأنّ صوت النّساء معيب، وعكس ذلك -كما تبيّن الرَّشيد- حقيقة اختلاط مجتمعات عديدة في القرى نفسها في مدن نجد، فلم يمثّل هذا الحكم قضيّة في مخيّمات البدو حيث سافر الأنساب وأقاموا معاً. ولم يكن الغرباء خارج دائرة الأنساب مرئيين إلاّ في المناسبات النَّادرة.

ساعدت الوهَّابيَّة في ظلّ انتشار العادات القبليَّة على محاصرة النّساء وعدم تحقيق المساواة بين الجنسين. إنَّ حدود الإقصاء لا ترتبط بالإحياء الوهَّابي فحسب؛ أدى التَّفاعل بين الدَّولة والقوميَّة الدينيَّة والأشكال الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة للنّظام الأبويّ، إلى إرساء الأشكال القاسية للتَّهميش. هذه الفرضيّة الأساسيَّة الَّتي تعمل عليها الرَّشيد تشكّل العمود الفقري للكتاب، إذ سعت لمناقشة العوامل كافَّة المساندة لحالات استبعاد السَّعوديات وعدم تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.

الوهَّابيَّة والدَّولة والطَّفرة النَّفطيَّة

توثّق الكاتبة لتعليم الفتيات في السَّعوديَّة، وتضع القارئ أمام الظُّروف التَّاريخيَّة المرافقة لهذه المسيرة الطويلة والشَّاقة، وتبين مفاصل التفاوت بين الخطاب الوهابي المتشدد إزاء تعليم المرأة والدولة وكيلة الحداثة، وما تخلله من توتر استُهِل بوضع تعليم الفتيات تحت سيطرة هيئة مستقلة، تشرف عليها أعلى سلطة دينيَّة. بدأت فكرة تعليم الفتيات في المدارس بالتَّداول أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، وبلغت ذروتها مع افتتاح أوَّل مدرسة خاصَّة للبنات، دار الحنان، في جدَّة عام 1957. في الرّياض افتتحت أوَّل مدرسة، كليَّة البنات عام 1960. قبل أن تتَّجه الدَّولة إلى تبنّي وإنشاء مدارس لتعاليم الفتيات، طالب العديد من الكتّاب والصَّحفيين والشُّعراء بتعليم الفتيات بينهم محمَّد عوَّاد (1906-1980) وأحمد السّباعي (1905-1984).

سمحت الثَّروة النَّفطيَّة بتوسّع المدارس والتَّعليم. في المقابل وضعت النّساء أمام رقابة دينيَّة ومجتمعيَّة صارمة، نتيجة الحضور النّسائي في ساحات التَّسوُّق الجديدة وفي الفضاء العام. وعلى الرَّغم من الأهميَّة الَّتي حظي بها قطاع التَّعليم بالنّسبة للمرأة، إلاّ أنَّه "طرح أسئلة أكثر من الأجوبة في مجتمع يمرّ بمرحلة انتقاليَّة وتغيّر اجتماعيّ سريع" (ص- 175).

ساعدت الطَّفرة النَّفطيَّة على تقليص فاعليَّة الحضور النّسائيّ وزيادة تبعيَّة النّساء للرّجال. وفي هذا الإطار تكشف البحوث التَّاريخيَّة والإثنوغرافيَّة، التَّي رصدتها عالِمة الاجتماع الفرنسيَّة أميلي لورونار  في كتابها "النّساء والفضاءات العامَّة في المملكة العربيَّة السّعوديَّة"، عن الأشغال الَّتي كانت النّساء يقمنّ بها في الحياة البدويَّة أو المستقرّة أو الحضريَّة قبل الارتفاع المفاجئ للمداخيل النَّفطيَّة. وتشدّد تلك الأعمال على التَّباين بين الأنشطة الَّتي تستطيع النّسوة ممارستها قبل المواطنة والطَّفرة النَّفطيَّة في مختلف جهات شبه الجزيرة –لاسيّما في الحجاز وعسير– والعقبات الَّتي تعترضهنَّ اليوم. لم تكن النّسوة يلبسنَّ العباءة، إنَّما أزياء تتلاءم على نحو أفضل مع العمل في الخارج؛ فاللّباس الأسود ومحاصرة النّساء في الفضاء المنزلي يجسدان "سَعْوَدَة" مختلف مناطق شبه الجزيرة. أثرت الطَّفرة النَّفطيَّة -على نحو دائم- في الاستقلاليَّة النّسبيَّة للنّساء، بأن ألغت وسائل عيشهنَّ المستقلة   (...)وساهمت الطَّفرة النَّفطيَّة -أيضاً- في التَّغيّرات الَّتي طاولت العلاقات العائليَّة: مكّن ارتفاع الدَّخل في انتشار ظاهرة تعدُّد الزَّوجات، تلك الممارسة الَّتي كانت من قبل نادرة وقاصرة على الأثرياء، وهم قلّة، وهم وحدهم من كانوا يستطيعون القيام بذلك.

في ضوء التَّناقض الَّذي ولَّدته الطَّفرة النَّفطيَّة المنعكسة في حياوات السّعوديات ازدادت الرَّقابة الدّينيَّة عليهنَّ وتعالت الفتاوى لمواكبة التَّحوّلات المستجدة. تشير الرَّشيد إلى أنَّه من الثمانينات وصاعداً طور علماء الدّين السّعوديون أحكاماً واسعة للتّعامل مع قضايا النّساء، والَّتي تملأ العديد من مجلَّدات الفقه. تعكس المحتويات والكمّ الهائل من فتاواهم مدى اهتمامهم الَّذي يصل إلى درجة الهوس بالمسائل الأنثويَّة (ص - 182). تحدّد الكاتبة العوامل الَّتي أسَّست للارتفاع الكبير في الفتاوى حول المرأة بينها ازدياد عدد النّساء المتعلّمات اللَّواتي يبحثنَّ عن وظائف وأدوار عامَّة، بالإضافة إلى ظهورهنَّ في الفضاءات الحضريَّة النَّاجمة عن الظُّروف الجديدة الَّتي تطلبت تدخلاً دينيّاً للحدّ من مشهد حركتهنَّ المتنامية بطريقة غير منضبطة (ص - 184).

 حداثة عالميَّة جديدة والدَّولة المنقذة

وضعت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) السَّعوديَّة تحت المجهر الدُّولي، وكانت حقوق النّساء في المملكة من بين الموضوعات الأكثر تداولاً في الدَّوائر الغربيَّة إلى جانب إصلاح التَّعليم. دفعت الضُّغوط الدُّوليَّة القيادة السُّعوديَّة إلى تبنّي تحوّل مفاجئ من خلال رفعها لنمط من أنماط الحداثة العلميَّة الجديدة، يسمح للنّساء بظهور أكبر محليّاً ودوليّاً. تقول الرَّشيد: إنَّ العديد من النّساء المتعلّمات، سواء كن ليبراليات أو إسلاميات، يعتبرنَّ الدَّولة كمنقذ من السَّيطرة الدينيَّة المتشدّدة وحامي من التَّقاليد الاجتماعيَّة المحافظة. تريد الفئة الأولى أن ترى الدَّولة تكبح الآراء الدّينيَّة المتطرّفة، في حين تتوقّع الفئة الثَّانية من الدَّولة أن تحدّ من تأثير المؤثّرات الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة الَّتي تحافظ على تبعيّة النّساء ( ص -222).

تبدّت مؤشّرات الحداثة الَّتي تبنَّتها الدَّولة إزاء النّساء بالمبادرات المتَّخذة للحدّ من نفوذ علماء الدّين وتهميشهم بعد تفجيرات نيويورك، فسُحب تعليم الفتيات من سيطرتهم. ركَّزت الدَّولة السّعوديَّة مع الملك عبد الله بن العزيز على قضايا الجنسين في الخطب السّياسيَّة، ووسَّعت دائرة تعليم النّساء وظهرت السَّعوديات بشكل متزايد في المجال العام ومن ضمنها الوسائل الإعلاميَّة. أصبحت التَّغييرات في دور النّساء في غاية الأهميَّة باعتبارها رموز الحداثة الجديدة للدَّولة السَّعوديَّة (ص - 248). ولعلَّ أهمَّ خلاصة في التَّحليلات الَّذي تقدّمها الكاتبة بشأن مبادرات الدَّولة، المقارنة بين الحضور النّسائي والصُّور الجهاديَّة، وتقصد بذلك أنّ الإجراءات الَّتي اتّخذتها الدَّولة على مستوى رفع خطاب الإصلاح الاجتماعيّ، جعل السَّعوديات في قلب المشهد العالمي عبر إظهار السّياسات الإصلاحيَّة الملتزمة بتحرير النّساء، ومثلنَّ بذلك الصُّورة النَّقيض للجهاديين السّعوديين الملتحيين الأكثر رواجاً في الغرب.

الرّوائيات والفنتازيا الكونيَّة والواعظات

تدرس صاحبة "مملكة بلا حدود" في الفصول الأخيرة ثلاث قضايا أساسيَّة: الإنتاج الرّوائي لأهمّ الرّوائيات السَّعوديات من الجيل الثَّاني، الرّوائيات الهجينات اللاَّتي ظهرنّ في التّسعينيات والباحثات عن فضاء كوني، والمثقَّفات الملتزمات دينيّاً حاملات الحلول الإسلاميَّة للتَّحديات اليوميَّة.

تتحدَّث الرَّشيد عن العوامل الَّتي آلت إلى تعبير المرأة الكاتبة والرّوائيَّة عن نفسها والبيئة المحيطة بها بلغة تختلف عن الأطر التَّقليديَّة. والأهمّ عاملين: الأوَّل، القيود المفروضة على عمل النّساء في الاقتصاد، ممَّا دفع عدداً متزايداً منهن نحو الكتابة؛ والثَّاني، لا يوجد في القيود السَّعوديَّة شيء محدّد ضدّ كتابة الرّواية، ممَّا يتيح لكلّ من النّساء والرّجال مساحة يمكنهم فيها استكشاف أفكار محرمة دون تكبد غضب من هم في السُّلطة أو ممارسي القوانين: وتعتبر الروائيَّة أقلّ تهديداً من النَّاشطة الَّتي تحشد جماعة من النّساء. مُنحت الكاتبات السَّعوديات مساحة للتَّعبير عن أفكارهنَّ في الصُّحف والمجلاَّت، فتخطين العديد من القيود السَّابقة وعبرن عن أنفسهنَّ من خلال صوغ آراء تحاجج الرَّقابة الدينيَّة وتطالب بمزيد من الحقوق.

تُناقش الكاتبة ثلاثة روائيات ورواياتهنَّ وهنَّ: أميمة الخميس (روايتي: "البحريات" و "الوارفة") وبدرية البشر (هند والعسكر) وليلى الجهني (جاهلية) وتخرج بمجموعة من النَّتائج:

أ- لا ينتقدنَّ بشكل مباشر الإطار السّياسي الَّذي يديم تبعيتهنَّ ويخطف شخصيتهنَّ. يملك انتاجهنَّ الأدبي إشارات إلى حالات سياسيَّة، مثل الحروب والاضطرابات والملوك الأقوياء، لكن يبقين صامتات على الممارسات السّياسيَّة المعاصرة.

ب- في مثل هذه الروايات لا يوجد استكشاف عن كيفيَّة تعاون السّياسيّ والدّينيّ والاجتماعيّ لإدامة تبعيَّة النّساء أو عن كيفيَّة إدامة تبعيَّة النّساء بواسطة الاقتصاد النَّفطيّ وأنماط الاستهلاك للحداثة المتأخّرة.

ت- يعتمدنَّ على تجربتهنَّ في المجموعة المحليَّة، مع الوعي بأنّ هياكل الهيمنة تتواجد في الدَّاخل والخارج معاً، على سبيل المثال في مؤسَّسات الدَّولة والتَّعليم الدّيني والمراقبة والمعايير والتَّقاليد الاجتماعيَّة الأبويَّة.

يعكس الأدب القصصي لجيل أصغر من الرّوائيات السَّعوديات البحث عن المرأة ذات الأفق العالميّ. هؤلاء الرّوائيات الحضريات الشَّابات -كما تبرز الكاتبة- ينتمين إلى الطَّبقة الوسطى النَّاشئة الَّتي أفادت من الثَّروة النَّفطيَّة، والتَّعليم، واقتصاد السُّوق الحرَّة الَّذي فتح الفرص أمام الاستثمارات التّجاريَّة ووسائل الإعلام. تمثل رجاء الصانع صاحبة "بنات الرّياض"، وسمر المقرن صاحبة "نساء المُنكر" ووردة عبد الملك (اسم مستعار) صاحبة "الأوبة" الجيل الجديد من الرّوائيات الهجينات، فهنَّ منفتحات على ثقافات عدَّة وأفدنَّ من انغماس السَّعوديَّة في الرَّأسماليَّة، والسّفر المتكرّر والثَّقافة الاستهلاكيَّة والخصخصة، واقتصاد السُّوق اللّيبرالي الجديد. تجلى ذلك في أعمالهنَّ الَّتي تطرَّقت إلى موضوعات محظورة يدور بعضها حول الجسد والجنس والشَّهوة والعواطف. المفارقة التَّاريخيَّة أنَّ زمن نشر هذه الرّوايات بين عامي 2000 و 2008 تقاطع مع اندلاع العنف الجهاديّ في السَّعوديَّة، وهذا ما أنتج صوراً متناقضة بين الجهاد الذُّكوريّ والرّواية النّسائيَّة الهجينة: "تمثّل المشهورات من الرّوائيات الشَّابات الجدد النَّقيض الكامل للشّباب الجهاديّ الملتحي الَّذي يلوح ببندقيته الرشَّاشة ويتباهى بحزامه النَّاسف وهو يتلو الآيات القرآنيَّة (...) قارئاً نعوته الخاصَّة الَّتي يتوقَّع فيها لقاء مع العذارى الموعود بهنَّ. في المقابل تُركز الرّوائيَّة السَّعوديَّة الشَّابَّة الحديثة على هذا العالم: جسدها، شهوتها، وطموحاتها المهنيَّة، وتقدّمها الشّخصي." (ص – 350-351).

على طرف نقيض تظهر المتدينات الجدد والمثقّفات الملتزمات دينيّاً والمدافعات عن التَّقاليد الإسلاميَّة في كتاباتهنَّ وممارساتهنَّ، فيقدمنَّ بديلاً عن المثقَّفات والرّوائيات المتمرّدات. إنَّ الأدبيات الَّتي يرفعها هذا الاتّجاه النّسائي الإسلامي الملتزم يتّجه إلى دعم السّيادة والهيمنة الذُّكوريَّة، وينشد حماية الرّجال، ودعم الإجراءات الإقصائيَّة والتَّمييزيَّة الَّتي تناضل من أجلها اللّيبراليات.

تؤكّد الأفكار المعالجة في الكتاب مسألتين: تطوّر الوعي النّسوي في السَّعوديَّة خلال العقدين الأخيرين؛ جعل المرأة السّعوديَّة ساحة للصّراع بين علماء الوهَّابيَّة والدَّولة الباحثة عن حداثة مشروطة. وعلى الرَّغم من القيود المفروضة على النّساء من قبل المؤسَّسة الدّينيَّة، بسبب التَّحوُّلات الجارية في المجتمع، فقد حقَّقنَّ انجازات ملحوظة، وإن بقينَّ تحت رعاية القيادة السّياسيَّة أو "نسويَّة الدَّولة".

 الهامش:
 
   لا تنفي لورونار العراقيل "القبليّة" أو "الدّينيَّة" الَّتي وقفت في طريق حركة السّعوديات وأنشطتهنَّ. تقاطع "العامل ما فوق تاريخي" القبلي والإسلامي مع التَّحوُّلات الماديَّة الهائلة الَّتي غيّرت المملكة منذ الخمسينيات، انعكس في قالبه الصَّارم على نظام الفصل بين الجنسين الَّذي أصبح "سياسة عامَّة" تحت رقابة الشَّرعية الدّينيَّة "هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر" الَّتي بدأت منذ الثَّمانينيات تمارس رقابة ممنهجة على مظهر النّساء في الشَّارع.

    تبيّن الباحثة السّعوديَّة عائشة المانع كيف أنّ النّساء البدويات والحضريات والقرويات خسرن لأسباب مختلفة الأنشطة الَّتي كانت تتيح لهنَّ اكتفاءً اقتصادياً مستقلاً نسبياً قبل الطَّفرة النَّفطيَّة. استُبدِلت بمنسوجات الصُّوف والمنتجات الغذائيّة الَّتي تنتجها النّساء البدويات والحُصُر وسلال السّعف الَّتي تصنعها النّساء الرّيفيات، والثّياب الَّتي تصنعها النّساء الحضريات، منتجات مستوردة. لقد كانت الصّناعات التَّقليديَّة للنّساء المصدر الوحيد لدخل مستقل. انظر نقلاً عن أميلي لورونار:

Aisha, Almanac, Economic Development and its Impact on the Status of Women in Saudi Arabia, (Unpublished PhD thesis, University of Colorado, 1981.

ريتا فرج

المصدر: الأوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...