ما ثمن الضربة الجوية الأميركية في سوريه؟

24-09-2016

ما ثمن الضربة الجوية الأميركية في سوريه؟

الجمل ـ *جان بيرييه ـ ترجمة رنده القاسم
قبل أسبوع بدا أن اتفاق وقف إطلاق النار الروسي- الأميركي على وشك الانهيار ، عندما قتلت الضربات الجوية الأميركية عشرات الجنود السوريين "بالخطأ" . و وفقا لمسؤولي وزارة الدفاع الأميركية يبدو أن الضربة عبارة عن  فشل في المعلومات.....و قال المحافظون الأميركيون أننا لو افترضنا بأن هذا حصل بالخطأ ، فإنه خطأ ضار و محرج.
بل إنه أكثر إحراجا لأن الضربة أصابت القوات

السورية التي تقاتل داعش، و لأن الخطأ كان لصالح داعش ، فقد منحت الضربة كلا من سوريه و روسيا قصة جاهزة للاستخدام كجزء من البروبوغندا القائلة بأن   داعش إما مدعومة من قبل الولايات المتحدة أو صنيعتها... و مع وقوعه في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار مع موسكو، فإن توقيت هذا الحادث لا يمكن أن يكون أسوأ من هذا.
اندفعت وسائل الإعلام الأميركية و الأوربية للحديث عن  تعرض اتفاق الهدنة  في سورية للخطر  و لا شرعية قصف الجنود السوريين، الأمر الذي تحاول السلطات الأميركية تفسيره على أنه ببساطة حالة "تشوش".
و فور وقوع الضربات الجوية ، أعلن المسؤولون السوريون نهاية الأيام السبعة لوقف إطلاق النار، دون منح أية معلومات حول احتمال التمديد، و ذلك وفقا لما ذكرته رويتر. و اتهم الجيش مجموعات إرهابية بعدم الالتزام بفقرة واحدة من الاتفاقية التي تم التوصل إليها خلال مفاوضات بين وزارتي الخارجية الأميركية و الروسية، بل عوضا عن ذلك استفادوا منها.
و قالت صحيفة Le Temps السويسرية أن واشنطن تعاني من خسارة كبيرة في مصداقيتها، و لا تساعدها محاولاتها من أجل التبرير و تقديم رؤية مختلفة للحادث . فإذا كان ما حدث خطأ ، فهذا يعني أن القوة الجوية الأميركية تحاول مساعدة القوات السورية المسلحة في دير الزور، و هي القوات التي يسيطر عليها الرئيس بشار الأسد الذي تطالب الولايات المتحدة بين الحين و الآخر بتنحيه. و يبدو أن الصحيفة السويسرية غير قادرة على التعامل مع هذه الحقيقة مطالبة بمعرفة كيف يمكن حدوث ذلك.....الولايات المتحدة علقت في مصيدة سورية  مع تقوض مصداقيتها في كل خطوة  و قيام مسؤوليها باتخاذ موقف الدفاع في المفاوضات.
صحيفة Milli Gazete التركية قالت بأن الصراع السوري أصبح مؤخرا مسألة محيرة، فأحد لا يستطيع معرفة من يقاتل لصالح من  و لأجل ماذا. و قد حل مكان الرصاص العشوائي "تفجيرات عرضية" تفسر بحجج غير مقبولة. و قد عرفت الولايات المتحدة بضربات جوية كهذه في أفغانستان و باكستان ، و ها نحن الآن في سورية، و في الواقع لم تنكر الولايات المتحدة ذلك. و مع دخول تركيا الصراع السوري، تغير ميزان القوى في الصراع ثانية، و الآن أضحى الصراع من أجل السيطرة على المثلث الجغرافي ،الذي يضم حلب و الرقة و الموصل، أكثر خطورة. و رأت الصحيفة بأن الطرف الذي سيتمكن من السيطرة على هذا المثلث، سيكون قادرا على تحقيق مشاريع الهيمنة الإقليمية في المستقبل . و لهذا، إذا لم تتمكن الأطراف من الوصول إلى اتفاق على طاولة المفاوضات، فإن حربا عالمية ثالثة، تثار الآن بشكل سري، ستغدو علنية أكثر. 
أما صحيفة Aftonbladet السويسرية فقالت بأن لا أحد يستطيع العثور على توصيفات متطابقة للقصف عبر وسائل الإعلام الأميركية المختلفة. فعلى سبيل المثال ، قالت New York Times، و هي واحدة من أهم مصادر الأخبار في الغرب:
(اعترفت الولايات المتحدة يوم السبت بأن طائراتها الحربية شنت ضربة جوية في سورية أسفرت عن مقتل جنود من الحكومة السورية. و قال المسؤولون العسكريون الأميركيون أن الطيارين في الهجوم، الذي وقع شرق دير الزور، كانوا يعتقدون أنهم يستهدفون تنظيم الدولة الإسلامية.... مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه لأن التحقيق في الضربة لا يزال جاريا، قال بأن الولايات المتحدة نقلت اعتذارها للحكومة السورية عبر الروس من أجل "الخسارة غير المقصودة لحياة قوات سورية" تقاتل الدولة الإسلامية)
وكالة الأنباء السورية سانا وصفت الضربات الجوية بأنها اعتداء مباشر، مؤكدة على أن ما وقع جريمة حرب.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية قالت بأن ما من سبب لعدم مناقشة التصريحات الرسمية الروسية، و خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال رافضة لنشر أية تفاصيل حول طبيعة اتفاق وقف إطلاق النار. فإذا  كان الاتفاق يتضمن ضرورة تقسيم قوى المعارضة في منطقة حلب، التي أضحت نقطة خلاف بين الأطراف المتنازعة، عندها ستجبر قوات معارضة معينة على مغادرة المنطقة التي تسيطر عليها، أو مقاسمة السيطرة على هذه المناطق مع مجموعة جبهة فتح الشام. و حتى الآن لا تزال واشنطن رافضة للإذعان لهذا المطلب، و من الممكن أن يكون رفض نشر تفاصيل الاتفاق  سببه القلق من أن تدير هذه القوى المعارضة ظهرها لواشنطن إذا علمت بأن الولايات المتحدة وافقت على فصل المجموعات المعتدلة عن الأخرى المتطرفة، و ستخرج عن خط المفاوضات بشكل كامل...و  بالنسبة لروسيا، القصف دليل على أن الولايات المتحدة غير قادرة على تنسيق أعمالها مع المعارضة، و لهذا فإن الاتفاق يملك فرصة صغيرة للنجاح.
و على خلفية  استعداد واشنطن لدفع تعويض لأقارب أولئك الذين قتلتهم بشكل غير شرعي، هل يكون من التمادي المطالبة بالتعويض على الموت و الجروح التي سببتها القوة الجوية الأميركية لمئات الجنود السوريين؟

* باحث و محلل مستقل

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...