إضاءة حول عقيدة العلويين في سورية

01-05-2016

إضاءة حول عقيدة العلويين في سورية

خلال الأزمة السورية برز الحديث بشكل كبير عن العلويين ومعتقداتهم وصدرت فتاوى بحقهم تدعو إلى تكفيرهم وإخراجهم من الدين وبالتالي قتلهم وذبحهم في ظل غياب العلويين إعلامياً أو تغييبهم قصداً. وقد أجرى مراسل “حوارات نت” في اللاذقية حواراً مع الباحث الديني العلوي الدكتور أحمد أديب أحمد حول عقائد العلويين وتمايزهم عن المذاهب الأخرى وحول الافتراءات والتهم التي توجّه ضدهم.
والدكتور أحمد كاتب ومحاضر وباحث سوري من مواليد عام 1979 يعمل مدرساً في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين في سورية، باختصاص الإحصاء والبرمجة- اقتصاد قياسي. له العديد من الكتب والمؤلفات والأبحاث المنشورة وقيد الإنجاز في المجالات الدينية والأدبية والاقتصادية والعلوم الإنسانية وفي مجالات أخرى، منها: “نور الهداية لأهل الولاية”، “نبض لصفصاف الفضاء”، “نهر العسل”، “مناجاة مع قائد الأمة”، “الاقتصاد السياحي”. وفيما يلي نص الحوار :


*هناك بين العلويين من يدعو إلى إنهاء السرية والتقية في المذهب العلوي هل ترى إمكانية ذلك؟
– الحديث الديني لا يمكن أن يؤخذ بالرأي والقياس بل يجب أن يعتمد على النص القرآني والنبوي والإمامي، ومن هنا نؤكد على وجوب تعريف التقية انطلاقاً من قول رسول الله: “إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم النّاس بقدر عقولهم”، كما نؤكد على وجوب المحافظة على التقية وعدم التفكير بإنهائها مطلقاً لأنها أمر منصوص عليه في قول أمير المؤمنين الإمام علي: “صن دينك وعلمك الذي أودعناك، ولا تُبدِ علومنا لمن يقابلها بالعناد، واستعمل التقية في دينك، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التّقيّة التي أمرتُك”، لذا فإننا لا نحلُّ عقداً لله قبل أن يحله عاقده، لكن بالمقابل يجب التأكيد على أن التقية ليست خاصة بالعلويين إذ تحدث بها علماء الشيعة وأئمة المذاهب الأربعة، وهي أمر إسلامي اتبعه المسلمون في بداية الدعوة المحمدية قبل أن تنتقل من السر إلى الجهر.
*ما هي حقيقة القول بأن عقيدة العلويين ليس الإيمان السري ولكن الاعتقاد في السر الذي يحتوي على ملء الله وكليته المطلقة؟
-من المعروف أن كل المذاهب لديها تعاليم سرية، لكن السرية وفق نهجنا العلوي لا تعني إخفاء تعاليمنا عن الآخرين، بل تخص علوماً لاهوتية يبلغها خاصة الخاصة الذين نذروا نفوسهم للرحمن ففتح الله عليهم وأمدهم بمعارف لدنية خالصة فحفظوها من الضياع ومن أن تقع بأيدي المارقين فيفرطوا بها ويحرفوها عن مسارها اقتداءً بقول السيد المسيح: “لا تطرحوا درركم قدّام الخنازير لئلا تدوســــها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم”، وهذه الأسرار لا تتعلق بطقوس ومعتقدات بل بأسرار معرفية يراها الناس لكن لا يعرفونها كما قال الإمام جعفر الصادق: “سرّ الله مبثوثٌ بين خلقه لا يعرفه أكثرهم، ولو أراد لعرَّفهم، فما لله سرٌّ إلا وهو على ألسن خلقه، ولا له حرزٌ أكبر من جهلهم به”.
*ما هي رؤية العلويين عن الله والتفسير الصوفي أو الباطني للقرآن الكريم؟
-حين تسأل عن رؤيتنا لله فلا يمكنني أن أجيبك إلا بآية النور، وحين تسأل عن توحيدنا لله فالجواب في سورة الإخلاص، ولا نقول أن هناك تفسيراً صوفياً للقرآن، بل نقول: إن هناك وجوهاً ظاهرة وباطنة نأخذ بها جميعاً لقول الإمام جعفر الصادق: “إنّ كتاب الله على أربعة أشياءٍ: العبارة والإشارة واللّطائف والحقائق: فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء”.
*هل تعتقدون بألوهية علي وما هي مرتبته والفرق بينه وبين النبي؟
-ما جرى من اتهامات لنا كان مدعاةً لقتلنا، لكننا نلتزم قول الإمام علي حين سئل: هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: “ما كنت أعبد رباً لم أره”، فالإمام علي هو الوصي ولا نقلل من شأنه لدرجة دون الوصاية، كما أن السيد محمد هو النبي ولا نرفع من شأنه لدرجة فوق النبوة، فالوصل بينهما لا يمكن لأحد أن يحده لقول رسول الله: “أنا من علي وعلي مني”، لكن الفصل يتمثل في قول الرسول: “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”، ويبقى في نهجنا العلوي أن الولاء لله ورسوله لا ينفع بدون الولاء لعلي لقوله تعالى في خطبة الوداع: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً”.
*ما هي فكرة أن الأنبياء لدى العلويين هم شخص واحد يتجلى في كل فترة في نبي؟
-الأنبياء في نهجنا العلوي ليسوا أشخاصاً بشريين، بل هم أنوار الله لقول الإمام جعفر الصادق: “إنا معاشر الأنبياء لا نحمل في البطون ولا نخرج من الأرحام لأننا نور الله الذي لا تناله الأدناس”، وبالتالي فإن مقولة أن الأنبياء شخص واحد خاطئة، والصحيح هو ما ورد في الآية: “لا نفرق بين أحد من رسله”.

*هل هناك اقتباسات لدى العلويين من الديانات الأخرى، المسيحية واليهودية، وما هو تفسير ذلك؟
-فكرة الاقتباس من الديانات الأخرى محاولة لتشويه نهجنا العلوي واتهامنا بإدخال الإسرائيليات إلى معتقدنا وهذا محض افتراء، لكننا نؤمن بكلام موسى وعيسى وسليمان وداؤود وكل الأنبياء، ونستشهد بأقوالهم ونلتزم بتعاليمهم، كالتزامنا بكلام الرسول وأهل بيته، وهذا الجمع لا يتعلق بمعتقدات الأقوام الأخرى لأن المعتقدات هي صياغة رجال الدين في كل الطوائف، ونحن لا نتبع في نهجنا العلوي مقالات الرجال بل أقوال المعصومين لقول الإمام جعفر الصادق: “من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول”.
*ما هي عقيدة التناسخ أو التقمص لدى العلويين والتي يرفضها السنة والشيعة وألا يتعارض ذلك مع مبدأ الجزاء يوم القيامة وهل تؤمنون بالجنة والنار؟
-نهجنا العلوي لا يقر بالتناسخ بين المؤمنين بل بالتّقمّص، والتّقمّص لا يعني انتقالاً عشوائيًّا للنفس بين جسد وآخر دون ترتيبٍ أو انتظام، لأنّ هذا مرفوض لدينا، فنحن نؤمن بالتقمص كحقيقة دينية وعلمية ولدينا الكثير من الأدلة والإثباتات على وجوده وقد ذكرت جزءاً منها في كتابي “نور الهداية لأهل الولاية” علماً أن هذا لا يتنافى مع مبدأ الجزاء يوم القيامة ولا ينفي وجود الجنة والنار، لأن العدل الإلهي يقتضي أنه لا أحد منّا يستطيع أن يحقّق ذاته الكاملة، أو تبلغ نفسه الاطمئنان إلا عندما يصفّي نفسه من شوائبها وأخطائها، وهذا كما نعلم لا يكون في حياةٍ واحدةٍ، فبعد الوفاة تجزى كلّ نفسٍ بما قدّمت، وتساق حسب أعمالها أثناء ارتباطها بالجسد السابق، فمصير الإنسان مرهونٌ بأعماله السابقة، وبمدى اكتسـابه وتقدّمه في اختباراته، والكسـالى على حالهم مقصّرون متبلّدون، ولا يصفى المؤمن حتّى لا يبقى حقٌّ من حقوق الله إلّا أقامه وعمل به على قدر استطاعته، ولا بابٌ من أبواب الباطل إلّا رفضه وتجنّبه، وعند قيام الساعة، تكون الجنة هي المأوى للمؤمنين، والنار هي المثوى للكافرين، خالدين فيها أبدًا.
*هناك من يميّز العلويين عن الشيعة والسنة بكونها مذهباً ثالثاً وعرفانياً وان مذهبهم ليس نمطاً فقهيا ً، فما هو تعليقك؟
-نهجنا العلوي يتميز عن المذاهب الأخرى بمفهوم العبادة التي تركز على المعرفة والدراية لا على التشريع والرواية، فنحن ندرك أن العبادة لا تتحقق إلا باقترانها بالمعرفة كما قال رسول الله: “أفضلكم إيمانًا أفضلكم معرفةً”، لكن هذا التمايز بيننا وبين غيرنا لا يعني العداء، فنحن لا نعادي أحداً، بل نصد الهجوم والإساءة المقترفة بحقنا، فعندما تأتي أيادٍ ناشزة وغادرة لتنال منا عبر كتب مسمومة ومقالات موهومة، فالحق المشروع لنا أن نرد ونبرئ أنفسنا من الافتراءات والتهم.
*يرفض بعض العلويين فكرة الفرقة الناجية، ويقول إن العلويين يؤمنون بأن الناس الطيبين موجودون في جميع الأديان والطوائف، ما هو تعليقك؟
– لا أحد يمكنه أن يرفض فكرة الفرقة الناجية المنصوص عليها في حديث رسول الله المعروف، لكننا نفهمها في جوهرها لا من ناحيتها السطحية، فالإيمان والنجاة وفق نهجنا العلوي لا يرتبطان بالانتماء الطائفي والنسب الطيني على نحو ضيق، بل يرتبطان بالولاء الخالص لذلك نقر بوجود رجال اختصهم الله لإعلاء كلمته في أي مكان وأية بقعة، وهم المذكورون في قوله تعالى: “وما يعلم جنود ربك إلا هو”.
*يتحدث البعض أن المذهب ظهر في القرن العاشر ميلادي الرابع هجري، وأن تسمية العلويين حديثة فما هي التسمية السابقة وما هو تعليقك على التسمية؟
-هناك اختلاف حول التسمية المطلقة علينا، لكننا كنا دائماً ندعى “خواص الخواص” في عصر الأئمة المعصومين الذين فرقوا الناس إلى عوام وخواص وخواص الخواص، ومنذ أيام الإمام الحسن الآخر العسكري كنا ندعى بالنصيريين نسبة إلى السيد أبي شعيب محمد بن نصير الذي قال فيه الإمام العسكري: “محمد بن نصـير حجّتي على الخلق، كلّ ما قال عني فهو الصّادق عليّ”، وهذا فخر لنا رغم أنه تسبب لنا بالكثير من القتل والذبح بسبب فتاوى الغزالي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والدعاة العثمانيين، لكننا على طريق الصحابة المكرمين الذين ناولوا الشهادة عقوبة لهم على ولائهم الخالص كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وصعصعة بن صوحان ورشيد الهجري… إلخ، أما تسمية العلويين فأطلقت علينا إبان الاحتلال الفرنسي لسورية لأسباب سياسية واجتماعية، وأياً كانت التسمية فهي لا تغير من جوهر نهجنا العلوي النصيري الخصيبي إطلاقاً.





المصدر: حوارات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...