من كتاب دروب دمشق قسم "السحرة المبتدؤون" (3)

30-04-2016

من كتاب دروب دمشق قسم "السحرة المبتدؤون" (3)

الجمل ـ كريستيان شينو وجورج مالبرونو ـ ترجمة : يوسف الشامي:

الكي دورسيه والاليزية ونظرية الدومينو
في بداية صيف 2011، في دمشق، يسعى إريك شوفالييه  إذاً لإقناع العلمانيين في الداخل بالانضمام إلى هذا الجسم المستقبلي الذي يمثل معارضي الأسد، مع استمراره بتقديم المساعدة الإنسانية لآلاف الشباب الذين يتظاهرون ضد النظام. لكن في ذلك الوقت لم يكتب الديبلوماسيون ولا أجهزة المخابرات بأن سلطة بشار الأسد في خطر، خلافاً لما بدأ المسؤولون في باريس بالتلميح إليه.آلان جوبيه
أصبح كلام الديبلوماسيين الموجودين على الأرض غير مسموع في الكي دورسيه ولا في الاليزيه. "أذا كنتم تطلبون مني أن أكتب ماتريدونه أنتم في باريس، فلنغلق السفارة عندها!"، أجاب إريك شوفالييه. لكن الاتصالات الآتية من فرنسا أصبحت تضغط أكثر فأكثر في الموضوع: " لانفهم جيداً برقياتك، إنها لاتتفق حقيقة مع تحليلنا."
"هناك شيئان مختلفان، قال السفير، وصف الوضع والتعليق."
اعتمد الكي دورسيه والاليزية نظرية الدومينو والتي بموجبها، بعد تونس ومصر، فلابد لسوريا أن تسقط. على الأرض، تقاربت تقارير السفير مع جهازي المخابرات الداخلية DCRI والخارجية DGSE  لقول العكس بأن "هناك الكثير من العناصر التي تجعلنا نعتقد بأنها ستكون طويلة وعنيفة وصعبة".
روى لنا ديبلوماسي من قلب التوترات في الكي دورسيه " في بداية الثورة، كان شوفالييه يأتي إلى باريس ويردد: انتبهوا! لاتكونوا أغبياء! الأسد سيصمد".....
يشرح لنا الجزء الأكبر من قراءتنا للثورة السورية:" كي يجعلنا ننسى أخطاءنا السابقة، هذه المرة سنستبق الموجة كي يمكننا مرافقتها جيداً."
الاعتقاد الراسخ كالصلب بأن الأسد سيسقط يصب فيإريك شوفالييه اتجاه وزير الخارجية آلان جوبيه، الذي خلف ميشيل أليو ماري، يريد أن يكون باتجاه حركة التاريخ . مثله مثل الانتلجنسيا والصحافة الباريسية: هذا هو مصير الديبلوماسية الفرنسية.
في إدارة شمال أفريقيا/ الشرق الأوسط في الكي دورسيه، التي هي على علاقة مباشرة مع الأحداث السورية، تطورت الفرضية الطائفية بسرعة، بالاعتماد أساساً على النموذج اللبناني خلال الحرب الأهلية اللبنانية. "اعتقدنا بأن القوات السورية ستتفكك كما حدث في لبنان 1976 عندما تحلل الجيش اللبناني، فالتحق كل جندي بطائفته الأصلية، أضاف الدبلوماسي. " كنا نعتقد أن الجيش السوري سينقسم، فيذهب العلويون إلى العلويين والسنيون إلى المعارضين السنة وهم الأغلبية".
سنرى فيما بعد لما لم يحدث شيء من هذا. كان مؤيدو هذا الطرح مقتنعين بأن الطائفة العلوية ستفهم بأن لديها كامل المصلحة بالتخلي عن بشار الأسد. "كانت هذه هي التحليلات التي نجدها في الصحافة ولدى بعض الباحثين الذين كانوا يعززون تقديراتنا هنا في الخارجية". كما يتذكر هذا الشاهد.
البعض، لكن عددهم كان قليلاً ولم يكونوا مسموعين خصوصاً، كانوا يتمايزون عن هذا التوقع فلم يعطهم  النموذج اللبناني المرجع الصالح. بحسب هؤلاء، فإن بشار الأسد نجح ببناء نظام لايشبه الطائفية اللبنانية، مع جيش وإدارة فوق الأحزاب، فيما كانت الأحزاب في لبنان على العكس تمارس زبائنيتها على الإدارة. أضاف الواقعيون القلائل في الكي دورسيه بأن الجيش السوري مبني على ولاءات طائفية بالتأكيد لكن ليس فقط . كما ذكروا أيضاً بالانخراط القوي لقسم مهم من البورجوازية السنية في الأعمال Business، تلك البورجوازية لم تكن ترغب برؤية النظام ينهار.
ظهرت نظرية ثانية في الكي دورسيه بشكل متأخر. وهي الجيدة هذه المرة التي تخلص بموجبها إلى القول أن الأزمة السورية لديها بعد ماليس موجوداً في أي من الثورات العربية الأخرى. وضعت الأزمة السورية تحالفات في خطر، فإذا سقطت السلطة، سيؤدي ذلك إلى تخبط في محور بغداد-طهران-دمشق-بيروت. "لم نقدّر النتائج المترتبة على ذلك". يعترف الديبلوماسي.
لم يفكر أحد بذلك في البداية، وبكل الأحوال ممنوع إصدار أي تحفظ في العلن. أكد آلان جوبيه، مبكراً جداً، مؤيداً بالصحافة، "إن أيام النظام معدودة". يتذكر سامي كيتز Sammy Ketz، هذا المحنك العامل لحساب وكالة الصحافة الفرنسية AFP في الشرق الأوسط، ذلك السفير الذي سوف لن نقول اسمه والذي كان يظهر له ثلاثة أصابع من يده اليمنى، مؤكّداً له سقوط بشار خلال ثلاثة أشهر.
من المفيد متابعة موقف آلان جوبيه، أول وزير خارجية أوروبي يصرح بان بشار الأسد "فاقد للشرعية" منذ تموز يوليو 2011. هناك عدة أسباب تشرح هذا الموقف ........من بينها الإرث الشيراكي Chirac الواجب تحمله وهوالمؤيد للحريري وبالتالي المعادي لسوريا. "تكونت قناعة لدى جوبيه بأن فرنسا تمشي مع الجانب الصحيح من التاريخ" كما يتذكر احد مساعديه.
محاطاً ببعض الديبلوماسيين مثل باتريس باولي من قسم الشرق الأوسط، أقنعه هؤلاء بإعطاء فرصة للإسلام السياسي ومن يمثّلونه، أي الإخوان المسلمين في تونس ومصر، وخصوصاً وراء الكواليس في سوريا كما رأينا. و هكذا في منتصف نيسان أفريل 2011، خلال انعقاد مؤتمر كبير في معهد العالم العربي في باريس، يضم  سفراء وشخصيات من المجتمع المدني التونسي والمصري، قال جوبيه للإسلاميين: "أبهرونا!"
"كان باتريس باولي قائد من يروجون لهذا الإسلام السياسي الذي ترعاه قطر، حليف فرنسا الرئيسي في الشرق الأوسط" كما أشار لذلك سفير كان من بين الحضور. للتذكير بأنه حتى قبل "الربيع العربي"، كان باتريس باولي ولودوفيك بوي وهو دبلوماسي شاب ولامع، قد ذهبا عدة مرات إلى جنيف بشكل سري للتباحث مع قادة إسلاميين من عدة دول عربية، في إطار لقاءات رتبتها المنظمة غير الحكومية السويسرية " الحوار الإنساني" Human Dialogue.
"كان باتريس باولي قائد من يروجون لهذا الإسلام السياسي الذي ترعاه قطر، حليف فرنسا الرئيسي في الشرق الأوسط" كما أشار لذلك سفير كان من بين الحضور. للتذكير بأنه حتى قبل "الربيع العربي"، كان باتريس باولي ولودوفيك بوي وهو دبلوماسي شاب ولامع، قد ذهبا عدة مرات إلى جنيف بشكل سري للتباحث مع قادة إسلاميين من عدة دول عربية، في إطار لقاءات رتبتها المنظمة غير الحكومية السويسرية " الحوار الإنساني" Human Dialogue. 
 التباحث معهم بالتأكيد ولكن قد يجوز ليس الى درجة أخذ كامل وعودهم على محمل الجد.
 في الكي دورسيه، مازال هذا الرهان على الاسلام السياسي بعيداً عن الحصول على الإقرار بالإجماع. أصدر عدة سفراء في الخليج تحفظات، لكن لم يتم سماع صوتهم. "المشكلة، كما بينوا، ليست في الاشخاص بل في سياستهم. إلا أننا أخطأنا. لايوجد إسلاميون معتدلون. هذا هو بالضبط ماكان يقوله الملك الأردني عبدالله بالسر لنيكولا ساركوزي، وماكان يعتقده أيضاً بعض القادة الأمراء. إنها مسألة رؤية المجتمع. ماهو مكان الاسلام فيه؟ الإسلاميون يعتقدون بوجوب أن يتبوأ الأولية. كان باتريس باولي، مدعوماً بباحثين، متطرفاً بسلبيته تجاه هذا الموضوع. أصبحوا دعاة حرية حتى عندما تكون هذه ممنوعة من قبل الاخوان المسلمين. لقد رأينا ماذا حلّ بمصر.
 بعد مرور ثلاث سنوات (للتذكير صدر هذا الكتاب في سنة ٢٠١٤) لايرغب الان جوبيه كثيراً بالعودة إلى تقديراته الخاطئة للثورة السورية. " إنه أسفي الكبير. لقد قدرنا بشكل خاطئ وأقل بكثير من حقيقة قدرة نظام بشار الاسد على الصمود. أخطأنا ايضاً بما يتعلق بالمعارضة عندما نرى انقساماتها الان". يقول جوبيه.
 عندما اقترح كلود غيان Claude Guéant أن يُعطى الروس، حلفاء السوريين، جزءاً من مسؤولية الملف السوري انتُقِدَ. "إنه خطأنا بعدم فعلنا ذلك" يقول غيان.
 يصطدم وزير الداخلية بآلان جوبيه و بأطلسية الخارجية حسب قوله. " لقد فاقت الأمور التوقعات خصوصاً عندما تدّعي بأنك وريث الديغولية وشيراك". يقصد رئيس بلدية بوردو. ....انتقل الملف السوري الى الخارجية التي لارغبة لديها بإبداء أية ليونة تجاه نظام دمشق......طالبت الانتلجنسيا الباريسية برأس بشار الاسد واختار ساركوزي أن يمشي معها في هذا الاتجاه.
 "مشكلة هذه الانتلجنسيا أنه تم توجيهها من قبل أشخاص مثل بسمة قضماني، وبرهان غليون وجان بيير فيليو والبعض الآخر كما يقول آلان شويه. Alain Chouet.  هو وسط صغير يمكن ان اسميه انا (دمشق على ضفاف السين Damas sur Seine) والذين ماعدا بعض الاستثناءات القليلة، لم يضعوا مطلقاً أرجلهم في سوريا و قالوا لأنفسهم: انها ساعتنا، فرنسا وهي عضو في مجلس الأمن معنا. الاميركان مصعوقين من خبرتهم في أفغانستان والعراق. الإنكليز سيفعلون ما سيقوله لهم الاميركان أن يفعلوه. هيا! غداً سنصبح ملوك العالم. لقد سقط الجميع في الحفرة".
 ومع ذلك أسقط ديبلوماسيو الكي دورسيه أوهامهم سريعاً، لكنهم بقوا أسرى استراتيجيتهم ولم ينبسوا ببنت شفة. أدركوا ان معارضي الخارج ليس لهم كبير تأثير على الارض.
 يتذكر احد كوادر الخارجية " في البداية تم استقبال برهان غليون وبسمة قضماني و سهير الأتاسي ونذير الحكيم وبسام قوتلي وغيرهم في إدارة الشرق الأوسط(في الخارجية الفرنسية). كنا نتبادل الضحكات فيما بيننا عند سماعنا هؤلاء المعارضين الذين لديهم تجارتهم في السعودية وبيوتهم في باريس وأغلبهم لم تطأ أقدامهم أرض سوريا منذ عدة سنين. لم نكن نعتقد بانه لدينا المحاورين المناسبين. كنا نلعب على الاوراق وكانت تلك الوحيدة التي كان بإمكاننا اللعب عليها. مع مرور الزمن كنا نفكر بتشكيل نواة صلبة حولهم. لعبت بسمة قضماني دوراً مهماً في ذلك: كانت كلماتها مسموعة في الكي دورسيه. لكنها خدعتنا قليلاً.
 كانوا يتكلمون عن صديق سيترك النظام وعن ابن عم سيفعل الشيء نفسه. في النهاية أصبحت اجتماعاتنا لاتصدق، لكننا كنا نؤمن بكلامهم....لقد قالوا لنا كلاماً غير صحيح" .
بعد مرور سنة أي في سبتمبر أيلول 2012 ، كانت النتيجة التي خلص إليها مسؤول كبير في الكي دورسيه مبرمة: "لقد أخذنا ماكان متوافراً تحت أيدينا، حتى الليبيين كانوا أفضل عندما نجحوا بالتجمع في مجلس انتقالي. لقد خيب السوريون أملنا". 
 "بعض من هؤلاء المعارضين وابتداء من صيف ٢٠١١ سيساعد الاوروبيين في انشاء لائحة بأسماء المسؤولين السوريين لمعاقبتهم. مقتنعين بأن صناديق النظام المالية ستجف قريباً، مما سيسرع في سقوطه (في شباط 2013 أكد ديبلوماسي فرنسي في الشرق الأوسط لأحد مؤلفي هذا الكتاب، بأنه بين "نيسان أبريل وحزيران يوليو" القادمين ستكون احتياطيات البنك المركزي السوري قد نفذت وبالتالي سوف لن يستطيع النظام الصمود طويلاً)، أنشأ الأوروبيون نظام عقوبات ضد دمشق بهدف تصعيد الضغوط على محيط الأسد. لكن هنا أيضاً سيتبين أن توقعاتنا كانت خاطئة بشكل كبير."
زيارة معقل الإخوان المسلمين

شكلت زيارة ايريك شوفالييه الجريئة إلى حماه في 7 و8 تموز 2011 منعطفاً قي الأزمة بين دمشق وباريس. المدينة الكبيرة في وسط سوريا كانت وقتها مركزاً للمظاهرات المناهضة للنظام، لكن حماه هي أيضاً المعقل التاريخي لمعارضيه الإسلاميين...ذهاب سفير إليها يعطي الإشارة بأن بلده يؤيد الإسلاميين.
 يخاطر السفير بالذهاب إليها مع علمه بأن مبادرته هنا أيضاً لن تحظى بتقدير الجميع في الكي دورسيه. عند ظهيرة 7 تموز يرسل ايميل ليس إلى مكتب الوزير جوبيه بل إلى المحرر الشاب "سوريا" في إدارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. لايقول له بأنه ينوي الذهاب بعد عدة ساعات الى حماه بل إلى " مكان حيث ستقوم غداً(الجمعة) مظاهرة كبرى في وسط البلاد". "كن حذراً" يجيبه الديبلوماسي الشاب بايميل يحتفظ به السفير بعناية شديدة.
 "لقد اخترت ألا أخبر مستوى أعلى لأنه بسبب ماشكلت لهم سابقة جسر الشغور من مفاجأة، كنت أعلم بأنهم قد يقولون لي بألا أذهب" يبرر ايريك شوفالييه موقفه بعد 3  سنوات.
قبل 10 أيام من ذلك، كان السفير قد ذهب مع فريقه الأمني إلى تلك المدينة في شمال غرب سوريا حيث قام الجيش بعملية انتقامية رداً  على هجوم كان نفذه إسلاميون ضد وحداته أسفر عن مقتل 124 جندياً ، هذا الحدث الذي لم يتم الكلام عنه إلا قليلاً جداً في وقت كانت توصف المظاهرات فيه بأنها سلمية. منذ ذلك الوقت كانت الزيارة عالية المخاطر.
على أحد الحواجز يخرج ايريك شوفالييه من سيارته، مخالفاً رأي فريقه الأمني، ليوبخ العسكري الذي يقطع طريقه. هو أول دبلوماسي غربي يتوجه إلى جسر الشغور.
 عند وصوله يلاحظ "منطقة مهجورة، أشخاص نظراتهم شاردة وقد عانوا ". بعد ذلك بقليل يعود إلى دمشق ويحرر ملخصه عن تلك الزيارة. لكن رد باريس يحذّره ويطلب منه أن "يوقف تنقلاته لأسباب أمنية".
بعد عدة أيام يتلقى التهنئة من نظيريه الإيطالي والأميركي اللذين اكتفيا بالزيارة التي نظمتها وزارة الخارجية (السورية).
 على هذا، يتفق شوفالييه مع السفير الأميركي روبرت فورد للذهاب إلى حماه. بحذاقته السياسية وخبرته في الشرق الأوسط، وبتكلمه اللغة العربية بشكل ممتاز، خلافاً لنظيره الفرنسي، يعلم فورد وزارة الخارجية (الأميركية)، لكن لعدم تغذية نظرية المؤامرة الفرنسية-الأميركية التي يبثها النظام، يتفق الثنائي على الذهاب بشكل منفصل.
"ما نعتقده أنا وروبرت فورد، يشرح شوفالييه، بأنه ستكون مظاهرة كبرى وسوف لن تكون بمبادرة من الإخوان المسلمين فقط، لأنه وقتها سيتواجد عدة مئات آلاف الأشخاص......ووجودنا بجانب الشعب الذي يتظاهر سيؤمن له حماية على المدى القصير ضد أي عمل عسكري محتمل."
عند وصوله، يخبر شوفالييه الكي دورسيه. كانت ردود الأفعالة متباينة فبعضهم يرى تحركه "رائعاً ومتطابقاً مع ديبلوماسية فاعلة" فيما يعتقد آخرون بأنها "رحلة مخاطرة" مثل هيرفيه لادسوس Hervé Ladsous مدير مكتب آلان جوبيه الذي يقول ذلك له بشكل صريح.
 يظهر  السفير في الخطوط الأولى مع شعب يتمرد ضد ديكتاتورية  متصلبة كان هو نفسه يساندها قبل ستة أشهر...
 اليوم يؤكد شوفالييه بأن زيارته كانت "متوافقة مع خطنا السياسي. رسمياً، في فرنسا، كنا نقول بأن على بشار أن يرحل، النظام سيسقط. اختارت فرنسا أن تقف مع المعارضة". ....
بذهابه إلى حماه، أغضب السفير الفرنسي إدارته في باريس، أما عن أصدقائه القدامى السوريين، فحدّث ولا حرج. (كان السفير قد التقى عدة مرات على الغداء والعشاء وفي لقاءات خاصة مع رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد وأثارت لقاءاته الكثير من الانتقادات في الكي دورسيه والصحافة).
ردت الحكومة السورية بشجب "التصرفات غير المسؤولة"، لممثل واشنطن خصوصاً. "إن وجود السفير الأميركي في حماه بدون الحصول على موافقة مسبقة هو دليل واضح على تورط الولايات المتحدة في الأحداث الجارية ومحاولتها الحض على تصعيد التوتر، ما يسبب أذى على المستوى الأمني وعلى الاستقرار في سوريا"، كما يشير بيان الخارجية السورية.
بكل الأحوال يغذي الخطاب الرسمي عن المؤامرة. حتى في السفارة نفسها، يشجب بعض المساعدين "غلطة" : "بالنسبة للحكومة(السورية)  الذهاب إلى حماه مع ممثل واشنطن إلى المعقل  القديم للإخوان المسلمين، هو خطأ، هو تجاوز لخط أحمر، خط النار"، يشير ديبلوماسي فرنسي كان يعمل في السفارة في دمشق وقتها. أراد شوفالييه أن يفعل خبطة لكن لها نتائج خطيرة.
لم يتأخر الرد السوري. بعد ثلاثة أيام ، في 11 تموز، يتمكن متظاهرون من الدخول إلى السفارة الأميركية في حي أبو رمانة وينزلون العلم المرفرف فوقها. بعدها بلحظات يتحرك آخرون باتجاه السفارة الفرنسية في العفيف، وهناك نحن على حافة أحداث أكثر دراماتيكية.
 يكسر المتظاهرون بوابة الدخول ويعبرون إلى داخل مقر الإقامة. يتسلق اثنان منهما الجدار لانتزاع العلم الفرنسي. ارتعب أحد عناصر الشرطة الفرنسية، ما جعله يرتكب الخطأ بإطلاق 8 عيارات نارية بالهواء. في الخارج، يعتقد المتظاهرون بأن واحداً من رفاقهم قد سقط بهذه الطلقات الفرنسية. يتصاعد التوتر بشكل خطير. يستمر الهجوم لمدة ساعتين تقريباً. بعد وقت، تصل تعزيزات إلى المتظاهرين غير المسلحين ولكن المزودين بالحجارة، وهم نساء وأطفال يتظاهرون هم أيضاً بالقرب من السفارة تحت أعين كاميرات التلفزيون الرسمي....أرادت دمشق بهذه المظاهرة معاقبة شوفالييه على زيارته لحماه.
 لحسن الحظ فان ممثل جهاز المخابرات الداخلية الفرنسية DCRI (في السفارة)، تمكن من إدارة الأزمة بكثير من برودة الأعصاب بالاعتماد على حفنة من العناصر الباقين.
"لقد كدنا نقع بمأزق خطير وكانت مجزرة على وشك الحدوث" يتذكر ديبلوماسي كان شاهداً على هذا الحادث.
 في نفس المساء بستقبل فيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري، ايريك شوفالييه. بسرعة، يبدأ السفير بالصراخ ضد محدثه عندما يقول هذا الأخير له : " سيادة السفير، لقد أطلقتم النار على الجموع السورية وعلى متظاهرين سلميين!" مشيراً إلى الطلقات النارية الثماني التي أطلقها الشرطي الفرنسي في الهواء لتفريق المهاجمين. يفقد السفير أعصابه " لقد شتمته، هذا صحيح. لقد استعملت تعابير ليس فيها الكثير من الديبلوماسية عندما طلبت منه الصمت وسماع القصة الحقيقية"، كما يقر ايريك شوفالييه. " سيادة السفير، يجيبه مقداد بلهجة هادئة، لاتنسى أنك في حرم وزارة الخارجية". باختصار،  كان اللقاء قصيراً وغذى جو عدم الثقة القائم بين المسؤولين الفرنسيين والسوريين.

هوامش:
- الكي دورسية Quai d’Orsay  هو مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس.
- الاليزية Elysée هو قصر الرئاسة الفرنسية.
- آلان جوبيه Alain Juppé هو آخر وزير خارجية لفرنسا أيام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وقد استلم منصبه بعد إقالة ميشيل أليو ماري التي كانت وزيرة قبله.
- سامي كيتز Sammy Ketz: هو مدير مكتب وكالة الصحافة الفرنسية AFP في بيروت وهو المسؤول عن لبنان وسوريا.
https://twitter.com/sammyketz?lang=...
-كلود غيان Claude Guéant كان سكرتير الرئاسة في قصر الاليزية عندما كان نيكولا ساركوزي رئيساً، ثم أصبح بعدها وزيراً للداخلية.
- آلان جوبيه كان آخر وزير خارجية لنيكولا ساركوزي وكان ومازال أيضاً رئيس بلدية بوردو الفرنسية.
- آلان شويه Alain Choeut هو رئيس سابق لجهاز المخابرات الخارجية الفرنسية. ومن يرغب بمعلومات أكثر عنه هاكم ما تقول ويكيبديا عنه  https://fr.wikipedia.org/wiki/Alain...

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...