من الذي يسبب حقا المشاكل للغرب

29-04-2016

من الذي يسبب حقا المشاكل للغرب

الجمل ـ * مارتين بيرغير ـ ترجمة رندة القاسم:
انتهت الجولة الأخيرة من محادثات جينيف المتعلقة بسوريه في مأزق، و ذلك بسبب الموقف المتصلب للمعارضة السورية، فالمعارضة المدعومة و المسيرة من قبل السعودية و تركيا و الولايات المتحدة و عدد من اللاعبين الغربيين، ترى أن الرئيس السوري المنتخب بشار الأسد يجب أن يرحل بغض النظر عن أي شيء، بينما لا يسمح لأي من مؤيديه المشاركة في حكومة انتقالية مستقبلية. و هذه المطالب أعلنت في جينيف من قبل رئيس مجلس المفاوضات الأعلى .من اليسار، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، الأمين العام لحلف الناتو اندريه فوغ راسموسين، والرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال قمة الناتو في ويلز 4 سبتمبر/ أيلول 2014
و لكن، حتى أكثر مراقبي الصراع السوري حيادية خلال السنوات الأخيرة سيندهشون من الموقف العدائي الذي تتخذه واشنطن و شركاؤها ضد الحكومة في دمشق في مسعى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يضمن سيطرة كاملة على المنطقة من قبل الولايات المتحدة الأميركية. و بالتأكيد ، القضية الأساسية في المفاوضات السورية هي مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، مع عدم قبول واشنطن بأن يكون لسوريه حاكم ذو سيادة و يملك علاقات قوية مع روسيا و إيران. و لكن، كل محاولة لإبعاد القائد السوري عن السلطة، في انتهاك مباشر لكل من الدستور السوري و بنود القانون الدولي، قد فشلت حتى الآن.
و لو تم تطبيق منطق واشنطن على الغرب عندها يمكن تبرير إسقاط رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما و رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون و عدد من القادة الغربيين الآخرين و ذلك ببساطة بسبب تعبير  دول كثيرة عن الاستياء نحوهم. و علاوة على ذلك، و بما أن هؤلاء السياسيين يتحملون إثم الشرور حول العالم مثل العراق و أفغانستان و ليبيا و سوريه، أليس من العدل لو تمت محاسبتهم؟ و إذا لم تتم محاسبتهم فمن ذا الذي سيحاسب على الجوع المر و الفقر الذي ابتلي به سكان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا في أعقاب الصراعات المستمرة  خلال العقد الماضي جراء العدوان الأجنبي، و من يتحمل مسؤولية أرواح بائسة  لا  تعد و لا تحصى أجبرت على الهجرة من أجل البقاء نتيجة الأفعال غير المسؤولة للسياسيين الغربيين المذكورين أعلاه؟
و هناك سؤال آخر تتوجب الإجابة عليه و هو: هل الأسد هو السياسي الذي يسبب المشاكل في المنطقة؟ ألم يقم الرئيس التركي بسجن الآلاف من الإعلاميين  و المعارضين السياسيين تحت ذرائع متنوعة غير عادلة؟ ألا يستحق موقفا قاسيا من قبل الغرب إلى جانب المطالبة برحيله من السلطة؟
و هذا الأمر تمت الإشارة إليه في مقابلة أجرتها Atlantico  مع المحاضر الفرنسي و الدبلوماسي و العضو السابق في عدد من المجالس الوزارية رولاند هوروكس  ، إذ  قال بأن بشار الأسد خلق للغرب مشاكل أقل بكثير من تلك التي قام بها أردوغان. و أشار إلى أن السلطات في دمشق  كانت تعترف و تحترم دائما حقوق الأقليات الدينية في سوريه. و أضاف الدبلوماسي الفرنسي أنه بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، لم يظهر الأسد أية نوايا بخلق إمبراطورية، بينما لم يبذل أردوغان أدنى جهد  من أجل إخفاء طموحاته الإمبراطورية. و أكد هوروكس بأن الأسد لم يكن أبدا مسببا للمشاكل وفقا لرؤية الغرب ، و مع ذلك خلق الغرب الكثير من المشاكل للأسد و الدولة السورية.
و بدورها قالت صحيفة The Guardian  عن تركيا:
"إنها تشن حربا على أقلية عرقية، و قامت شرطتها باقتحام مكاتب صحيفة رئيسية، و تواجه الخدمات السرية تهمة تسليح داعش، و قام جيشها بإسقاط  قاذفة قنابل روسية. و مع ذلك تريد تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إن الانحدار السريع لهذا البلد نحو الطغيان يشكل مشكلة وجودية أخرى لدى الغرب. إن مشهد القادة الأوربيين

و هم يتملقون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ،على أمل قيامه بقطع تيار اللاجئين إلى اليونان، كان مثيرا للاشمئزاز. و بعد أن سمحت المحاكم التركية للشرطة باقتحام صحيفة الزمان و إلقاء القنابل المسيلة للدموع على موظفيها و طرد المحررين ، قام المدراء الجدد على الفور بوضع صورة مبتسمة لأردوغان على الصفحة الأولى، إنه يملك الكثير مما يستدعي الابتسام".
و تنحدر تركيا بسرعة إلى الحكم الاستبدادي، ما يعتبر مشكلة جدية للغرب و سياساته، و تسربت وثائق إلى موقع يوناني خلال الشهر الماضي تظهر بوضوح أن أردوغان هدد بشكل صريح أوروبا بطوفان هائج من اللاجئين إذا لم يستلم مبلغا مذهلا "كإنقاذ من مأزق مالي" إلى جانب قبول سريع لأنقره في الاتحاد الأوروبي.
و شجبت صحيفة بريطانية أخرى و هي The Independent أعمال أردوغان بالقول:
"أضحت تركيا دولة مارقة و حتى أردوغان يجب أن يواجه الحقيقة، حقيقة أن تركيا، إلى جانب السعودية و قطر، قد وفرت دعما لوجستيا و ماليا و أسلحة و خدمات أخرى لداعش و جبهة النصرة و متمردين آخرين يدعمون هذه الرؤية. و بشكل لافت للنظر اعترف  رئيس الوزراء داوود أوغلو بأن قوات المعارضة السورية ما كانت لتستطيع  الصمود في وجه نظام الأسد لولا  دعم تركيا و دول أخرى".
و كل هذا أدى إلى وضع لم يعد فيه  أي من حلفاء تركيا يراها كمصدر قوة بل عائق. و تصرفات أنقره تجاه شعبها قاسية و غير مسؤولة، مع إطلاق أردوغان العنان لإبادة حقيقية بحق الشعب الكردي في تركيا, و أضحت تركيا نقطة عبور لنهر من المقاتلين الذاهبين من و إلى سورية. و بنفس الوقت ، و وفقا لبعض المصادر، سمحت أنقره للمقاتلين بتهريب أسلحة كيماوية ، مثل غاز الخردل، عبر أراضيها. و مرارا و تكرارا أكدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان حالات قامت فيها وحدات  من الجيش التركي بإطلاق النيران على اللاجئين المحاولين عبور الحدود التركية على أمل الهروب من عنف داعش، و القائمة لا تنتهي.
و في كل الأحوال، ليست هذه المرة الأولى التي يدعم فيها العالم الغربي الجانب الخطأ. إدراك عدوك يحتاج مهارات سياسية يفتقدها القادة الغربيون، و مع ذلك، أخطاء كهذه هي دائما الأكثر كلفة، ما يعني أن الأوربيين يحتاجون امتلاك الشجاعة لمعارضة تصرفات طيب أردوغان، عوضا عن ملاحقة الأسد بشكل أعمى، و بالطبع هذا يتطلب أن تظهر أوروبا بعض الاستقلال الحقيقي عن إرادة واشنطن، و لكن مع التحضير لمواجهة عواقب خطيرة. و يبدو أن الرئيس التركي أضحى الاختبار الحقيقي لإرادة بعض السياسيين الأوربيين في وضع مصالح شعوبهم في المقدمة عوضا عن التضحية بها لصالح أوامر واشنطن...

*صحفي و محلل جيوسياسي
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...