من كتاب دروب دمشق ـ قسم: السحرة المبتدؤون (2)

28-04-2016

من كتاب دروب دمشق ـ قسم: السحرة المبتدؤون (2)

الجمل ـ كريستيان شينو وجورج مالبرونو ـ ترجمة : يوسف الشامي

بينما كانت التلفزيونات الأجنبية ، التي توجد مقراتها خارج سوريا، تشجب "مجازر"، كان الديبلوماسيون الفرنسيون بعد توجههم الى مكان حصول المظاهرات اكثر حذراً بكثير. "لاتصدقوا ماتقوله التلفزيونات"، هذا ماأرسله أحد الديبلوماسيين الفرنسيين في دمشق إلى زميل له في باريس ضمن رسالة الكترونية (إيميل ). من ناحيته، استغل اريك شوفالييه مروره على باريس لوعظ إدارة تلفزيون فرانس ٢٤ France 24. تتذكر ناهده نكد، مديرة التحرير المساعدة لإدارة القناة، "لقد قام عملياً بتوبيخنا". صرخ السفير الفرنسي في دمشق "لم تفهموا شيئاً مما يحدث في سوريا، أنتم تقومون بتقديم معلومات خاطئة. مراسلتكم هناك تافهة وعديمة القيمة!".
معظم الشباب يتظاهرون بشكل عفوي، لكن لاحظ الديبلوماسيون الموجودون في المكان أيضاً وجود بعض الاسلاميين المنظمين تنظيماً جيداً والذين لديهم علاقات مع خارج سوريا، والذي مر تأثيرهم بشكل كبير بعيداً عن نظر باريس.
يتذكر عنصر من المخابرات الفرنسية مارآه بعد أن حضر المظاهرة في درعا، في منتصف شهر آذار مارس ٢٠١١. "كان المتظاهرون يصلون من المسجد العمري على اليسار، كان رجال الشرطة مقابلهم. أصيب أحدهم بالرعب وأطلق النار فمات بعض المتظاهرين، وفي اليوم التالي عادت المظاهرات تنطلق. لكن ماذا كان المتظاهرون يقولون في درعا؟ لم يكونوا يقولون "سلمية، سلمية" بل "لانريد بشار".......كنا مانزال وقتها في مارس آذار. لكن كي يُسمٓح للمتظاهرين بإنزال تمثال حافظ الاسد، فلابد أن يكونوا مدعومين من الخارج. منذ ذلك الوقت، تحولت الحركة الى شيء ليس له علاقة بمزيد من الديمقراطية.......ذهب البعض حتى الى اعلان الخلافة في درعا.....كتبت عن كل ذلك مثلما كتبت عن أوائل المجازر بحق العلويين التي لم يتم الحديث عنها الا قليلاً ، مثل تلك التي حدثت في جسر الشغور في شمال غرب سوريا".
في ١٥ نيسان حلل السفير شوفالييه الوضع في برقية جديدة. "تذهب تطلعات الشعب نحو تونس والقاهرة، لكن قلق الناس يجعلهم ينظرون باتجاه بغداد وبيروت زمن الحرب الأهلية".
بشكل واضح، يشير اريك شوفالييه مرة اخرى لحركة تتطلع للمزيد من الديمقراطية، وفساد أقل لكن ليس بالضرورة تغيير النظام، على الأقل ليس فورياً.
......
في ١٣ نيسان خلال مؤتمر عن الماء والطاقة عقد في أحد فنادق دمشق، أكد السفير شوفالييه أن وسائل الإعلام الأجنبية تقوم فوراً بتضخيم الأحداث في سوريا. بعد ٣ ايام فقط، تنشر صحيفتان عربيتان مقرهما لندن وممولتان من السعودية وهما الحياة و القدس العربي معلومات تثبت أن السفير الفرنسي على حق، عندما تقولان بان "تظاهر الآلاف في دمشق ومات العديد من الاشخاص" ، في حين أن المظاهرة لم تجمع سوى عدد قليل من الاشخاص.
في درعا، في البداية، أرسل رجال دين سعوديون الأموال واستخدموا شبكة أئمتهم في المساجد على امتداد سوريا. كان النظام قد اكتشف في 2009 بأن السعوديين قد اخترقوا تلك الشبكة. قامت الحكومة وقتها بتغيير 1400 من هؤلاء لكن كان الوقت متأخراً جداً.......خلُصت دراسة أمنية وطنية بإحدى نتائجها إلى أن أكبر تجمع للسلفيين هو في درعا.
يذكر أحد المعارضين محادثة حول هذا الموضوع، جرت بينه وبين أحد المسؤولين الأمنيين هو هشام اختيار، في تموز يوليو 2010 في دمشق.(منذ شهر، قال لي، قمنا بمتابعة مجموعة من الأئمة السلفيين كانوا يقومون بعمل جولة على المطاعم بين دمشق والزبداني.  كانوا يقولون لكل مالك من هذه المطاعم: نعرف بأنك تبيع الكحول لكي تكسب معيشتك. قل لنا كم تكسب بشكل تقديري، وسوف نعطيك مايعادله، مقابل ذلك ستتوقف عن البيع". كانت الأموال تأتي من داعمين ماليين في السعودية).
ومع ذلك، في بداية الأزمة، لم تكن المملكة السعودية-التي كانت مشغولة جداً بمحاولة تفادي أن تجتاحها العدوى الثورية- هي من تقود الصراع مع بشار الأسد، بل الحليف السابق لهذا الأخير، قطر، عبر الإخوان المسلمين، وهم رافعة تأثير الدوحة التي كانت قد استعملتها في مصر وتونس وليبيا لقلب السلطات القائمة. بالاعتماد على قيادة الحزب الأصولي الموجودة خارج سوريا، ستنشط قطر لتشكيل مجلس انتقالي على الطراز الذي تم تشكيله حديثاً في ليبيا، مجلس سيعترف به الغرب كمحاور وحيد له.
ستفرض هذه المناورة مشاكل أقل كون الدول الغربية الرئيسية حليفة لقطر، خصوصاً أن فرنسا ستوكل شريكها القطري بجزء من الملف السوري، قبل أن تندم على ذلك.
بين نيسان وتموز يوليو 2011 وخلال عدة اجتماعات في بروكسيل واستانبول، بين قادة إسلاميين أو مقربين منهم، سعى هؤلاء إلى اجتذاب علمانيين لهذا الجسم الانتقالي الذي سيرى النور قريباً، مثل الأساتذة الجامعيين السوريين -الفرنسيين برهان غليون وبسمة قضماني، وأيضاً المعارض والمدافع عن حقوق الإنسان هيثم مناع، الذي هو بدوره لاجئ منذ مدة طويلة في فرنسا.
يتذكّر مناع أحد تلك اللقاءات في تركيا " جاء أحد رجال الأعمال المقرّب من الإسلاميين طالباً مشاركتي في حلقة تحضيرية لإطلاق المجلس الانتقالي. أجبته بأني أرغب بمعرفة برنامج هذا المجلس. عندها فتح حاسبه ورأيت قائمة المشاركين الـ 16: 14 منهم كانوا إسلاميين أو مرتبطين بهم وفقط أثنان علمانيين. أجبته بأن سوريا ليست مكونة من 80% من الإسلاميين و20% من العلمانيين. هذا ليس جدياً."
.......
في 10 أغسطس آب 2011 أطلق رجل الدين الأصولي ابن عبدالله الحصني، نداءً على إحدى مواقعه:
 " لكي تنجح الثورة، لابد من توافر 3 شروط. أن تبدأ مع بعض الشباب الساذجين. ثم أن تنتقل من مدينة إلى أخرى بدون أن يكون لديها قائد. وأخيراً ألا يعرف أحد أصولها ولا هدفها. لكننا اليوم تجاوزنا هذه المرحلة. يجب الآن أن نضع هذه الثورة تحت راية الجهاد السني، وليكن ذلك واضحاً بأن الصراع هو ديني بحت ضد المسيحيين والشيعة والعلويين".
أضاف الداعية الأصولي"بعد ليبيا دخلنا الآن مرحلة التحالف بين الإسلام المحارب والغرب. يجب أن نطلب من الغربيين مساعدتنا". وختم بالقول" بدون الجهاد سوف لن نستطيع كسب الحرب ضد النظام". بذلك استبق ابن عبدالله الحصني ورحب بقدوم أوائل الجهاديين الأجانب على الأرض السورية.
تم نشر هذا المقال على النت بعد شهرين ونصف من إطلاق سراح محتجزين إسلاميين من سجن صيدنايا. استفادوا من العفو الذي أصدره بشار الأسد خصوصاً الأصوليون مثل حسان عبود، وزهران علوش، وعيسى الشيخ، الذين سينشؤون بعد عدة أشهر عدداً من المجموعات السلفية في شمال البلاد وشرقها. بدون أن ننسى السوريين الذين قاموا بالجهاد في أفغانستان مثل أبو خالد السوري وابو بصير الطرطوسي. إن عملية إطلاق سراح هؤلاء، لايمكن لوحدها أن تثبت نظرية الخارجية الفرنسية التي بموجبها يكون بشار الأسد هو المسؤول عن صعود الظاهرة الجهادية في سوريا.

كي يكون لها وزن في سوريا مستقبلاً، راهنت فرنسا على هذا الثنائي المعارض الذي كانت تأويه لديها منذ زمن بعيد: برهان غليون وبسمة قضماني، المذكورين أعلاه. الأول هو أستاذ جامعي علماني، غير معروف خارج مدينته حمص. الثانية تنحدر من أسرة ديبلوماسية سورية، هي أستاذة جامعية اختصاصية بمصر والشرق الأوسط، لكنها لا تتمتع بأي نفوذ ولا وجود في دمشق.
بانتهازيتهم المعروفة، سيستخدم الإخوان المسلمون هذه الإمرأة للترويج لمجلسهم الانتقالي.
في 2011 شكّلت القضماني طرفاً ضمن مجموعة مؤلفة من 6 أشخاص مكلّفين بتشكيل هذا الجسم إلى جانب 3 إسلاميين أو إسلاميين جدد (نيو إسلاميين) هم أحمد رمضان، وعبيدة نحاس وعماد الدين رشيد، وكردي هو عبد الباسط سيدا.
لتخفيف تأثير هؤلاء المندوبين الخارجيين، بادرت قطر بإضافة معارضين من الداخل إليه، خلال لقاء في الدوحة في بداية آب.
 أكّد عزمي بشارة المستشار الديبلوماسي للأمير حمد، لهؤلاء: "الدعم الدولي والإقليمي في طريقه إليكم، لكن طالما لم يوجد ممثل وحيد للمعارضة، فلن يدعمكم أحد. يجب عليكم أيضاً أن تفعلوا شيئاً"  
تم طرح فكرة تحالف وطني، مكون أساساً من مندوبين من الداخل. "يجب علينا قطعاً أن ننجح بإنشاء هذا المجلس، أصر عزمي بشارة على المشاركين أن يقوموا بذلك. بعد إنشائه، ستكون اللقاءات مع الديبلوماسيين، وحتى الوزراء، سواء كانوا عرباً أو غربيين، من مهمتنا. ولقد أصبح كل شيء جاهزاً." لكن تم رفض هذا الخيار من قبل الإخوان المسلمين وممثليهم الحاضرين، الذين أصروا أن يبقى الخارج مسيطراً، أخيراً سيولد المجلس الوطني السوري في بداية شهر آب 2011، بتمثيل أقل للداخل، ولكن مع وجود إخوان مسلمين للتحكم به على الرغم من وجوب قبولهم بألا يتولوا رئاسته. لا يهم، فقد فرض عرابوهم الأتراك والقطريون رؤيتهم.
 وبعد تردد قبل برهان غليون أن يصبح أول رئيس له بينما ستصبح بسمة قضماني الناطق باسمه. (كان غليون يفرض على محاوريه أن ينادوه "السيد الرئيس)
 اعتقدت باريس بأن وزنها سيكون فاعلاً في "سوريا مابعد بشار". منذ الأسبوع التالي لاطف آلان جوبية ( Alain Juppéوزير الخارجية الفرنسي وقتها) المجلس مستقبلاً غليون وقضماني في مسرح الأوديون Odéon في باريس خلال اجتماع عام مدعوم من قبل شخصيات سياسية وثقافية. "أنا هنا بمبادرة من رئيس المجلس (غليون) وبسمة قضماني للتعبير عن دعم فرنسا للشعب السوري الذي هو في الآن يصارع سلمياً، بأيد عارية من أجل حريته و حقوقه الأساسية". كما أكد الوزير، متناسياً أننا قد عبرنا من المرحلة السلمية إلى التمرد المسلح مع الإسلاميين الذين ينصبون الكمائن.
طلب من المعارضين العلمانيين الآخرين الانضمام إلى القافلة التي تسير. وتم تهميش من رفض منهم الصعود إليها، مثل هيثم مناع الذي اتهم بأنه مقرب من روسيا. أما المستقل ميشيل كيلو فعندما آتى إلى باريس في خريف 2011، رفض مركز استقبال الصحافة الأجنبية، التابع لوزارة الخارجية الفرنسية أن يعطيه قاعة لكي يعقد مؤتمراً صحفياً، بل ذهبت هذه الوزارة حتى إلى ممارسة ضغوط بشعة على محيطه العائلي، في هذا الوقت في دمشق، قاطع السفير شوفالييه المعارضين الرافضين للمجلس مثل لؤي حسين، ليطلب منه بعد عدة أشهر أن ينضم إليه لتخفيف سيطرة الإخوان المسلمين. الذين ظهرت سيطرتهم الواضحة في خريف 2011 عندما انتظم التمرد عسكرياً ضد قوات الأسد.
قبل أحد قياديي التحالف الوطني (الذي ورث المجلس) أن يعطينا معلومات أكثر شريطة عدم ذكر اسمه: " الوحيدون الذين كان لديهم الوسائل المالية لمواجهة الأسد كانوا الإخوان المسلمون. لقد انتقدونا في البداية عندما كنا نعطي اسماء إسلامية لمجموعاتنا المسلحة. لكن ماذا كنا نستطيع أن نفعل؟ كنا نستلم مغلفات بداخلها أموال، بشكل عام بين 10000 و15000 دولار. وكان داخل كل واحد منها  رسالة تتضمن طلبين: أن يكون اسم المجموعة إسلامياً من نوع جند الإسلام، صقور الإسلام، وأن يكون لشعار المتظاهرين يوم الجمعة علاقة مع مفهوم إسلامي. ماذا كنا نعمل إذاً؟ كنا نصور المظاهرات حيث يصيح الناس: الله أكبر الله أكبر. نصور أيضاً الهجمات على قوافل الجيش وعمليات القرصنة ثم نرسل الفيديوهات إلى الكويتيين والإماراتيين والسعوديين طالبين منهم المساعدة كي نستطيع الاستمرار بمحاربة الأسد. بدون ذلك لم يكن لدينا خيار آخر. كنا نقول ذلك للفرنسيين، الذين كانوا على علم به، لكنهم كانوا يجيبون: نحن هنا في فرنسا لا يمكنني القيام بذلك، الأمور معقدة لإخراج الأموال!. هكذا تمت أسلمة التمرد وقيادته من قبل بلدان الخليج وبمعرفة فرنسا وعدد آخر من الدول الغربية."
 كما يؤكد معارض آخر بأن وزن الإخوان فيه قد صعد من 50% إلى 70% بعد إعادة هيكلته والآن نجد بين قادته سلفيين مؤيدين للجهاديين في "تنظيم الدولة الإسلامية".

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...