العرب و إسرائيل و أشجار الليمون

08-04-2016

العرب و إسرائيل و أشجار الليمون

الجمل-*يوري أفنير- ترجمة: رنده القاسم:

"لا ترحبي بي  تحت أشجار الليمون" هو و احد من أشهر أبيات الشعر الألماني..و فيه يطلب الشاعر اليهودي الألماني هاينرش هاينه من حبيبته ألا تحرجه علنا بتحيته في شارع برلين الرئيسي الذي يسمى "تحت أشجار الليمون".

إسرائيل تشبه حال هذه  المعشوقة غير الشرعية ، و الدول العربية تقيم علاقة معها، و لكنها لا تريد أن تُعرف علنا.. إنه محرج جدا.

و الدولة العربية الأساسية في هذا الموضوع هي السعودية، فحتى وقت قريب كانت مملكة النفط حليفا سريا لإسرائيل، و العكس صحيح. و في السياسات تتفوق المصالح القومية على الاختلافات الإيديولوجية، و هذا هو الحال هنا.و المنطقة التي يسميها الغربيون "الشرق الأوسط" أضحت مستقطبة من قبل معسكرين يقودهما السعودية و إيران.

المعسكر الشمالي  يضم إيران و العراق و سورية و حزب الله في لبنان. بينما يضم الآخر الجنوبي، الذي تقوده السعودية ، مصر و إمارات الخليج، و في الظل يرتبط بالخلافة السنية الإسلامية المتمثلة بتنظيم داعش الذي قام بين سوريه و العراق.  و دول هذا المعسكر ، باستثناء مصر الفقيرة كما فأر الجامع، ذات ثراء فاحش بسبب النفط.

القوس الشمالي مدعوم من قبل روسيا، التي قامت مؤخرا بمنح دعم عسكري كبير للحكومة السورية، بينما لا تزال الكتلة الجنوبية حتى وقت قريب مدعومة من الولايات المتحدة و حلفائها.

هذه هي الصورة المنظمة  كما يجب أن تكون. فالشعوب حول العالم لا تحب الحالات المعقدة، و خاصة إذا أدت إلى صعوبة التمييز بين الأصدقاء و الأعداء.

خذ تركيا مثلا، فهي دولة سنية، كانت سابقا علمانية و لكنها محكومة الآن من قبل حزب ديني. لذا من المنطقي أن تدعم داعش، و تركيا تقاتل ضد الأكراد السوريين، المقاتلين ضد داعش، و الحلفاء مع الأقلية الكردية في تركيا التي تعتبرها الحكومة التركية خطرا مميتا.

(و الأكراد شعب مستقل ، ليسوا عربا و لا أتراك، و هو منقسمون بين العراق و إيران و تركيا و سوريه، و غير قادرين على التوحد و معظمهم سنة).

الولايات المتحدة تقاتل ضد حكومة الأسد، المدعومة من روسيا، و لكن الولايات المتحدة تقاتل تنظيم داعش الذي يقاتل ضد حكومة الأسد.... الأكراد السوريون يقاتلون ضد داعش و يحاربون أيضا الجيش السوري. و حزب الله اللبناني  يدعم سوريه بقوة بينما يقاتل داعش ، مثلما تقاتله الولايات المتحدة عدوة حزب الله. و إيران تدعم الأسد و بنفس الوقت تقاتل ضد داعش كما الولايات المتحدة و حزب الله و الأكراد السوريون.

لا تستطيع استيعاب هذا الكلام؟ أنت لست وحيدا في ذلك. فمؤخرا غيرت الولايات المتحدة توجهها، و قبل ذلك كانت الصورة واضحة. فالولايات المتحدة كانت تحتاج نفط السعودية، و بالثمن الزهيد الذي توفره لها المملكة، و كانت تكره إيران ، منذ أن أبعدت الثورة شاه إيران دمية أميركا. و كانت إيران في حرب مع العراق، الذي كان تحت حكم الدكتاتور السني صدام حسين، و دعم الأميركيون صدام ضد إيران، و لكنهم فيما بعد قاموا بغزو العراق .

الآن تملك الولايات المتحدة تفكيرا ثانيا (إن اعتبرنا أن كل هذه الفوضى لها  علاقة بالتفكير) . فتحالفها التقليدي مع السعودية ضد إيران لم يعد يبدو جذابا ، و اعتماد الولايات المتحدة على نفط السعودية لم يعد قويا كما كان سابقا. و فجأة لم يعد الاستبداد الديني السعودي أكثر جاذبية من  الديمقراطية الدينية الإيرانية و سوقها المغري. و قبل كل شيء، يوجد مقابل العشرين مليون سعودي ثمانون مليون إيراني.

إذن الآن نحن أمام اتفاق أميركي- إيراني. و العقوبات الغربية على إيران ترفع و يبدو الأمر و كأنه بداية صداقة جميلة، تهدد بترك  العديد من الأمراء السعوديين  مهتاجين غضبا و مرتجفين خوفا.

و لكن أين إسرائيل في كل هذه الفوضى؟ حسنا، إنها جزء منها.

عندما أسست إسرائيل وسط الحرب مع العرب، كانت الحكومة تفضل التحالف مع الأقليات، و هذا يعني التعاون مع العناصر المهمشة في المنطقة ، إضافة إلى حكام إيران و أثيوبيا و جنوب السودان و تشاد و غيرهم.

كانت هناك ارتباطات رخوة مع المارونيين، و أضحى شاه إيران مقربا جراء تحالف نصف سري. و ساعدت إسرائيل الشاه لتأسيس الشرطة السرية، و سمح الشاه بدوره لضباط إسرائيليين بالعبور عبر أراضيه لأجل مناصرة و توجيه المتمردين الأكراد شمال العراق، إلى أن عقد الشاه اتفاقا مع صدام حسين. و أصبح الشاه أيضا شريكا في أنابيب النفط التي تنقل النفط الفارسي من إيلات إلى عسقلان ، عوضا عن المرور عبر قناة السويس.

و الآن الوضع مختلف تماما، فالانقسام الشيعي- السني  (حول خليفة النبي محمد)، و الذي كان غافيا منذ أجيال كثيرة، قد صحا ثانية ليخدم بالطبع مصالح عالمية دنيوية.

و بالنسبة للسعوديين، فإن تنافسهم مع إيران من أجل الهيمنة في العالم الإسلامي أهم بكثير من الخلاف القديم مع إسرائيل, و بالطبع، منذ سنوات نشر السعوديون خطة سلام تشبه تلك التي وضعتها قوى سلام إسرائيلية ، و قد وافقت عليها العصبة العربية و لكنها رفضت من قبل حكومة شارون و تم تجاهلها نهائيا من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

و مستشارو بينيامين نيتينياهو يتباهون  بأن وضع  إسرائيل الجيوسياسي لم يكن يوما  أفضل مما هو عليه الآن، فالعرب منهمكون بخلافاتهم، و الكثير من الدول العربية تريد تقوية روابطها الأمنية مع إسرائيل.

الروابط مع مصر ليست سرية، و الدكتاتور العسكري المصري يتعاون علنا مع إسرائيل لخنق قطاع غزه بسكانه الفلسطينيين الذين يقتربون من المليونين. و القطاع تحكمه حماس ، الحركة التي تعلن الحكومة المصرية أنها مرتبطة مع عدوها داعش.

و أندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم ، على وشك الدخول في علاقات علنية معنا، و الروابط السياسية أو الاقتصادية مع الهند و الصين و روسيا جيدة و تنمو.

إسرائيل الصغيرة تعتبر عملاقا عسكريا، و قوة تكنولوجية، و ديمقراطية مستقرة (على الأقل بالنسبة لمواطنيها اليهود). و أعداء مثل حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية مجرد مضايقات، إذن ما السيء بالأمر؟ و هنا نعود إلى "شجرات الليمون" . فأحد من أصدقائنا العرب السريين لا يريد تحيتنا علنا . و مصر، التي نملك معها معاهدة سلام رسمية، لا ترحب بالسياح الإسرائيليين، و هم ينصحون بعدم الذهاب هناك.

السعودية  و حلفاؤها لا يريدون أي علاقات علنية و رسمية مع إسرائيل، و على العكس، يستمرون بالحديث عن إسرائيل كما كانوا خلال أسوء مراحل الرفض العربي.

كلهم يقتبسون السبب ذاته: قمع الشعب الفلسطيني. كلهم يقولون الشيء ذاته: العلاقات الرسمية مع إسرائيل تكون فقط بعد انتهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. و حشود الشعوب العربية في كل مكان متورطة عاطفيا بمعاناة الفلسطينيين إلى حد أكبر من قدرة تحملها لارتباطات رسمية بين حكامها و إسرائيل.

كل هؤلاء القادة يتمسكون بالشروط ذاتها، التي وضعها ياسر عرفات و تضمنتها خطة السلام السعودية، دولة فلسطينية حرة جنبا إلى جنب مع إسرائيل، و حدود متفق عليها بشكل متبادل وفقا لخطوط حزيران 1967 مع تبادل صغير للأراضي، و عودة "متفق عليها" للاجئين. (متفق عليها مع إسرائيل ، تعني في حدها الأقصى عودة رمزية لعدد محدود جدا).

و لم تستجب الحكومات الإسرائيلية أبدا لهذه الخطة، و اليوم، تحت حكم نيتيناهو، هم أبعد عن شروط هذه الخطة أكثر من أي وقت مضى. و تقريبا في كل يوم تسن حكومتنا قوانينا، و توسع مستوطنات ، و تتخذ إجراءات و تطلق تصريحات تبعد إسرائيل أكثر عن أي سلام يمكن للدول العربية تقبله.و الأجيال القادمة سوف تنظر إلى هذا الوضع بدهشة.

منذ تأسيس الحركة الصهيونية، و بشكل أدق منذ خلق دولة إسرائيل، و الإسرائيليون يحلمون بقهر المقاومة العربية و استمالة العالم العربي للقبول بدولة إسرائيل "اليهودية و الديمقراطية" كعضو شرعي في المنطقة.و الآن هذه الفرصة تقدم نفسها، و يمكن تحقيقها. إسرائيل تدعى للطاولة العربية ، و إسرائيل تتجاهل الفرصة.

و ليس السبب هو عمى أصاب إسرائيل، و لكن لأن الأراضي الفلسطينية المحتلة و المزيد من المستوطنات أكثر أهمية بالنسبة لهم من عمل تاريخي  يتمثل بتحقيق السلام.

و لهذا ما من أحد يريد تحيتهم تحت شجرات الليمون.

 

*ناشط سلام إسرائيلي و صحفي و كاتب و عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي .

عن موقع Antiwar

الجمل 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...