الجيش السوري و«قسد» جنباً إلى جنب.. من أعزاز إلى إدلب: دور تركي يُحتضر ومعادلات تتغير

05-02-2016

الجيش السوري و«قسد» جنباً إلى جنب.. من أعزاز إلى إدلب: دور تركي يُحتضر ومعادلات تتغير

لم يفك الجيش السوري الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء وحسب، بل فكّ أيضاً الحصار الجزئي عن مدينة عفرين، ذات الأغلبية الكردية وأحد معاقل «قوات سوريا الديموقراطية»، حيث بات الجيش يقف على حدودها الجنوبية الشرقية، وهو ما وضع الجيش في موقع يسمح له بالتلاعب في خريطة المنطقة، والعمل على كسر معادلات القوة النافذة فيها وقلب موازين السيطرة رأساً على عقب.اهالي نبل والزهراء يحتفلون بكسر الحصار امس (رويترز)
لم يكن من قبيل المصادفة، أن تقرر «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) خرق الاتفاق مع «غرفة عمليات مارع»، وتبادر غداة فك الحصار عن نبل والزهراء، إلى مهاجمة بعض القرى المتنازع عليها بين عفرين وأعزاز، والسيطرة على قريتين منها على الأقل، حيث سيطرت، فجر أمس، على قريتي الزيارة وخربة الواقعتين جنوب دير جمال وشمال نبل والزهراء، كما سيطر «جيش الثوار» على مطحنة الفيصل على طريق حلب الدولي. وهو ما يعد مؤشراً على أن «قوات سوريا الديموقراطية» استشعرت بالفعل أن حضور الجيش السوري قد قلب موازين القوى في المنطقة، وحررها بالتالي من الاتفاقات التي اضطرت مؤخراً إلى توقيعها مع خصومها الألداء، فبادرت لاقتناص الفرصة، مستفيدة من حال الصدمة التي تمر بها الفصائل المسلحة التي تقاتلها.
وكانت مدينة عفرين محاصرة جزئياً، على الرغم من أن الاتفاق بين «جيش الثوار» و «غرفة عمليات مارع»، قبل نحو أسبوعين، نص على فتح الطريق أمام مقاتلي «جيش الثوار» من عفرين إلى أعزاز للمشاركة في قتال تنظيم «داعش»، إلا أن «جبهة النصرة» كانت خارج الاتفاق، لذلك استمرت في إغلاق المدينة من جهة المناطق الواقعة تحت سيطرتها. وأهم هذه المناطق هي الزيارة التي انتزعها «جيش الثوار» أمس، وقرية عقيبة وبعض القرى الأخرى.
هذا التماس الجغرافي بين الجيش السوري وبين «قوات سوريا الديموقراطية» ليس الأول من نوعه، لأن الجيش وقف جنباً إلى جنب مع «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعد العمود الفقري لـ «سوريا الديموقراطية» في عدد من المدن، مثل القامشلي والحسكة، وخاض الطرفان العديد من المعارك المشتركة ضد «داعش». لكن هذا التماس هو الأول لناحية شموله المكونات الأخرى من «سوريا الديموقراطية»، مثل «جيش الثوار».
ولا شك أن «قوات سوريا الديموقراطية» ستكون أكثر المستفيدين من تقدم الجيش السوري في ريف حلب الشمالي. فمن جهة، أدّى تحرير نبل والزهراء تلقائياً إلى فك الحصار عن مدينة عفرين، ولم تعد هذه القوات بحاجة إلى توسل فكه من قبل الفصائل التي تحاربها، كما حصل على مدى الأسابيع السابقة في قرى الشوارغة والمالكية وكشتعار، والتي شهدت حالة من الكر والفر المتواصل بين الطرفين؛ ومن جهة ثانية، ستشعر «وحدات حماية الشعب» أن الأحداث قفزت بها قفزة ليست بالصغيرة نحو تحقيق حلهما في الربط بين كانتونات الإدارة الذاتية، لأن الفصائل التي تسيطر على أعزاز ستكون بعد حضور الجيش السوري مضطرة إلى القتال على جبهتين، أي تشتيت قواها وإضعافها، الأمر الذي ستستغله «قسد» للاستمرار في قضم القرى وصولاً إلى أعزاز.
لكن هذا لن يكون بلا ثمن، فثمة تحديات قد تكون بانتظار «قوات سوريا الديموقراطية» ومعها الجيش السوري. فمن جهة ستتخذ الفصائل الأخرى من هذا التطور ذريعة لتأكيد موقفها حول «عمالة» هذه «القوات» للنظام السوري، وبالتالي قد تلجأ إلى التصعيد ضدها، وهو ما قد يدفع بعضها إلى طرح فكرة التهدئة مع تنظيم «داعش» الذي يخوض معارك عنيفة ضد «سوريا الديموقراطية» على محاور أخرى، من أجل توجيه جهودهما ضد خصمَيهما المشتركَين.
ومن جهة ثانية، قد يؤدي هذا التماس بين الجيش وبين «سوريا الديموقراطية» إلى حدوث خلخلة ضمن صفوف الأخيرة، واعتراض بعض الكتائب الداخلة في تشكيلها على الأمر، بالرغم من أن ذلك لن يؤثر في بنية «سوريا الديموقراطية» التي تهيمن عليها «وحدات الحماية» بشكل كبير. كما أن شبح التماس الجغرافي بين خصمَي تركيا سيخيم بالتأكيد على أنقرة، التي ستجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التصعيدية التي طالما هددت بها. ومن المرجح أن تكتفي أنقرة بزيادة دعم الفصائل في أعزاز ومحيطها ومحيط عفرين، ومضاعفة عمليات تمويلها وتسليحها، إلا أن مواصلة الجيش التركي خروقاته في محيط مدينة جرابلس قد يكون مؤشراً على أن أنقرة يمكن أن تورط نفسها بمغامرة برية في تلك المنطقة، استباقاً لأي تطورات يمكن أن تفسح المجال أمام أعدائها التاريخيين «الأكراد» لإنشاء كيانهم على حدودها الجنوبية.
من جهة أخرى، فإن فقدان خطوط الإمداد الحلبية، سيدفع أنقرة إلى نقل مركز ثقلها من حلب إلى إدلب، معقل «جيش الفتح»، التي لا تزال حدودها ومعابرها مفتوحة بالكامل. وبالتالي قد تتحول إدلب إلى نافذة لإنعاش الدور التركي الذي بات في طور الاحتضار بعد هزيمتَي اللاذقية وحلب.
هذا الأمر يعني أن «جيش الفتح» سيكون أمام فرصة لإعادة رصّ صفوفه من جديد، بعد الهزات التي تعرض لها. فمن جهة، سيتخذ «جيش الفتح» من هزيمة حلب ذريعةً لشن حملة ضد «غرفة عمليات فتح حلب»، التي تتهم «جبهة النصرة» باقي الفصائل بإنشائها لتفويت الفرصة عليها لاستنساخ تجربة إدلب وتشكيل «جيش فتح حلب»، وبالتالي ستحاول «النصرة» إثبات تخاذل الفصائل في الدفاع عن ريف حلب الشمالي، لأجل تعويم «غرفة عمليات أنصار الشريعة» التي تقودها. ومن جهة ثانية، فإن إغلاق خطوط الإمداد التركية تجاه مدينة حلب والقسم الجنوبي من الريف الشمالي، سيضاعف نشاط المعابر الحدودية في محافظة إدلب، مثل أطمة وباب الهوى وغيرها، التي يهيمن عليها «جيش الفتح»، وهذا ينطوي على مكاسب مادية ومكاسب عسكرية ولوجستية مهمة بالنسبة له. والأهم أنه سيجعل فصائل حلب، المنتشرة في أحياء المدينة، تحت رحمة «جيش الفتح». وهنا تكمن أهمية الخطوة التي اتخذتها «جبهة النصرة» مؤخراً عبر إرسال أرتالها الضخمة إلى مدينة حلب، لأن ذلك سيجعل لها الكلمة العليا ضمن المدينة.
لكن كل ذلك سيجري فيما الجيش السوري مستمر في عمليته الكبرى نحو إطباق الحصار على كامل مدينة حلب، عبر الإمساك بمفتاحها الأخير المتمثل بالريف الغربي، الذي سيكون بعد فك الحصار عن نبل والزهراء، المنفذ الوحيد بين إدلب وحلب.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...