الرياض للقاهرة: أموالنا مقابل موقفكم من سوريا

14-12-2015

الرياض للقاهرة: أموالنا مقابل موقفكم من سوريا

كأن العلاقة بين مصر والسعودية تسير على سطر وتترك الآخر فارغاً، فبينما يختلفان دائماً حول الموقف في سوريا ومصير الرئيس بشار الأسد، ويختلفان جزئياً في اليمن، وتحديداً منذ بدء العدوان الذي تقوده المملكة إلى جانب دول عربية أخرى، ثمة تحركات مستمرة ما بين مسؤولي البلدين، تبدو غريبة للمحللين المتابعين. العلاقات الثنائية لا تقف عند نشاطات الوزراء بين البلدين، رغم أن مصر زارها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أكثر من مرة، وظهر خلالها في مؤتمرات مع وزير الخارجية سامح شكري، وفيها تبيّن مدى الخلاف بين الدولتين اللتين تعلنان باستمرار أنه غير موجود.

بين مدة وأخرى، يزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرياض، أو يأتي إلى القاهرة أحد من العائلة المالكة السعودية؛ وضمن هذا الإطار تأتي الزيارة القريبة لولي ولي العهد، محمد بن سلمان، المقرر أن يزور مصر خلال أيام قليلة. قيل إن الزيارة هدفها الدعم الاقتصادي للمصريين وبحث استثمارات سعودية جديدة، وهو ما لمّح إليه مجلس الوزراء المصري في بيان قال فيه إن المسؤولين المصريين سيطرحون على المملكة فرص استثمار «كبيرة» في عدد من المجالات، من بينها الإسكان والتعليم والطاقة».
وكانت وزيرة التعاون الدولي المصرية، سحر نصر، قد أعلنت أمس، خلال افتتاحها ورشة عمل لمتابعة عدد من المشروعات، أن مصر تتفاوض مع السعودية للحصول على ودائع لدعم الاحتياطي في البنك المركزي وقروض لدعم الموازنة. وأفصحت نصر عن تفاصيل أخرى بخصوص التعاملات الاقتصادية مع السعودية ومحاولات بلادها الاستفادة منها لسد العجز في الموازنة، مضيفة: «ننسّق مع المملكة لتوريد مواد بترولية إلينا، و(هناك) مفاوضات مع الصندوق السعودي للتنمية للاتفاق على تمويل مشروعات في سيناء، من خلال قروض فائدتها لا تزيد على 1.2 %».
بالطبع تتّسق التصريحات الرسمية للحكومة المصرية مع الوضع الاقتصادي للقاهرة التي تتعرض لأزمة اقتصادية، خصوصاً في احتياطيها النقدي من العملة الأجنبية، الأمر الذي جعل سعر الدولار في السوق السوداء يصل إلى 9 جنيهات، وحدا برجال أعمالها إلى التذمر لعجز البنوك عن توفير الدولار لإنهاء معاملاتهم في السوق الخارجية.
أيضاً، أعلن البنك المركزي المصري أن الاحتياطي النقدي الأجنبي تراجع إلى 16.3 ملياراً في أيلول الماضي، وهو ما ينذر بمشكلة اقتصادية قد تتعرض لها البلاد إذا ما استمر التراجع بهذا الشكل، خاصة في ظل انتهاج السيسي طريق المشروعات الكبرى كتوجه اقتصادي منه بداية حكمه، بدءاً بقناة السويس الجديدة، وليس أخيراً المشروع القومي للطرق، في ظل قلة الصادرات مقارنة بالواردات.
الوضع الاقتصادي الذي يهدّد مصر لم يشفع لدى السعودية التي لا تخفي قلقها من تحركات القاهرة في الملف السوري، خصوصاً بعد زيارة وزير الإسكان والتنمية العمرانية السوري، محمد وليد غزال، للقاهرة في الخامس من الشهر الجاري، وهي زيارة ليست على مستوى عال، ولكنها أول زيارة لمسؤول سوري إلى مصر، منذ أن قطع الرئيس الأسبق محمد مرسي العلاقات مع سوريا، في خطاب في الصالة المغطاة داخل استاد القاهرة، وسط حشد كبير من الإسلاميين.
والقلق السعودي مبعثه أن القاهرة قد تتحرك عكس تيار المملكة في الملف وأقرب إلى ما تريده روسيا. وعلناً، بينما ترى المملكة أن رحيل الأسد واجب وضروري قبل أي شيء، لا تعلن القاهرة ذلك، بل تقول إن وجود الأسد رئيسي في أي تفاوض حول مستقبل سوريا لحماية شعبها وجيشها من التفكك. كذلك لا تقبل القاهرة مثل الرياض التعامل مع الفصائل المسلحة في سوريا على أنها جهات يمكن التعاطي معها، فيما استضافت السعودية في الرياض قبل أيام المسلحين لمؤتمر سياسي مع اعتبارهم جزءاً من الحل في الأزمة السورية.
في الداخل المصري، ثمة من يرى أن ما يحدث بين القاهرة والرياض «لعبة مرضية» للعاصمتين؛ فالأخيرة تداعب الأولى بالمساعدات الاقتصادية التي قدمت فيها 6.9 مليارات دولار حتى أيار 2015، وفقاً لصندوق النقد السعودي، في حين تلاعب القاهرة الرياض بالموقف من سوريا وحرب روسيا ضد تنظيم «داعش»، التي تعارضها السعودية، ودائماً ما يصرّح إعلامها بأن الهجمات الروسية تستهدف مدنيين، من دون أن تقدم معلومات ودلائل على ذلك.
في النهاية، ما يجري بشأن سوريا على الساحة الدولية قريب إلى الموقف المصري أكثر من السعودي، وليس بعيداً تصريح وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، مطلع هذا الشهر، بأن الحل في سوريا لا ينبغي أن يتضمن رحيل الأسد عن السلطة، وهو ما يزيد زيارة ابن سلمان إلى القاهرة صعوبة، فيما تنتظر الأخيرة المزيد من الأموال.

مصطفى شحاتة

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...