«الفردوس» ..لم يبقَ من هارولد بنتر سوى الهيكل

28-11-2015

«الفردوس» ..لم يبقَ من هارولد بنتر سوى الهيكل

يأتي عرض «الفردوس» لمخرجه إبراهيم جمعة؛ كتتمة لموسم موازٍ لعروض المسرح القومي؛ تعمل مؤسسة «مواطنون فنانون» التي تديرها الدكتورة ماري إلياس، على تمويله من خارج البلاد؛ جنباً إلى جنب مع مؤسسة «المورد الثقافي»؛ حيث تجاوزت مُنح الخارج للمشاريع المسرحية الجديدة مؤخراً؛ دور وزارة الثقافة التي تعاونت مع هاتين المؤسستين عبر تقديمها أكثر من عرض على خشبة «فواز الساجر» في المعهد العالي للفنون المسرحية؛ مثلما كان الحال مع عروض أخرى سبقتها على مسرح القباني واستوديوهات المعهد المسرحي؛ إذ كان لافتاً هذا التطور في استعادة الشراكات الثقافية بين المؤسسة الرسمية وجهات تمويل خارجية؛ بعد انقطاع دام لقرابة أربع سنوات من عمر الحرب التي تشهدها البلاد.لجين إسماعيل وحسن دوبا في لقطة من المسرحية
«الفردوس» المأخوذ عبر اقتباس حر عن نص «النادل الأخرس» لهارولد بنتر (1930ـ 2008) لم يُقدم على خيانة النص وحسب؛ بل قدّمه مشوّهاً بطريقة تثير أكثر من سؤال؛ فمن المعروف أن نص الكاتب البريطاني الراحل يروي قصة قاتلين مأجورين هما:( Ben - Gus) ينتظران في قبو إحدى المطاعم؛ ريثما يوعز لهما «Wilson» زعيم المنظمة التي يعملان لمصلحتها بالإجهاز على ضحيتهما الجديدة.
ما حدث في الاقتباس السوري الحر لهذه المسرحية التي كُتبت أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، أن شخصيتي العرض تحولتا إلى شابين يسكنان في قبو استأجراه في قلب المدينة؛ دون أن نعرف عنهما أي شيء، سوى أن صاحب الغرفة الواطئة يطلب منهما طلبات لا تنتهي على خدمة ( الواتس آب)، كان آخرها أن يأتي لزيارتهما كي يشاهد مباراة رياضية عندهما؛ نظراً لتوقف جهاز التلفزيون لديه عن استقبال البث؛ وبعدها ليلغي قدومه حال عودة تلفزيونه للعمل.
حوارات مبتورة
 تخلل ذلك قيام كل من «خليل» (لجين إسماعيل) و «سالم» (حسن دوبا) بتبادل حوارات مبتورة وغير مفهومة؛ لا كمحاكاة لأسلوب صاحب جائزة نوبل الذي اشتهر بعدم ثقته باللغة كوسيط بين البشر وعدم جدواها في التعبير عن مآسيهم؛ بل في تمييع واضح للزمن المسرحي؛ عبر مقاربته واقعياً إلى أبعد الحدود؛ سواء في فترات الصمت المطوّلة؛ أو حتى على مستوى قطع الديكور التي قاربت مفهوم العفش الثقيل؛ منها إلى ديكور مسرحي.
يلجأ بعدها كل من الشابين إلى تأمين بعض الطعام لصاحب الغرفة؛ عوضاً عن المصعد أو (dumb waiterـ النادل الأخرس)؛ عنوان النص الأصلي، والسبب في تسمية هذه المسرحية التي تنتمي لعالم العبث الذي أسس له (بنتر) هوية خاصة به بعد كل من (بيكيت) و(آداموف) و(يونيسكو)؛ مُديناً القتل حتى بين مجتمع القتلة أنفسهم.
المشكلة أن فهم مسرح «هارولد بنتر» ذا الطبيعة النفسية المركبة لشخصياته؛ كان يوجب على كل من مخرج العرض والدراماتورج «هبة محرز» عدم حذف مهنة الشخصيتين التي كتبهما صاحب مسرحية ( الغرفة - 1957) كنوع من الاحتجاج على عبثية الحروب والاحتكام إلى العنف؛ لكن هذا سقط نهائياً في عرض « الفردوس» الذي أبقى على هيكل فارغ لشخصيتين تتقاذفان عباراتهما المتلكئة والمبتورة دونما طائل.
إن حذف صفة القاتل المأجور عن الشخصيتين في النسخة السورية؛ جعل من حوار كل من «خليل وسالم» مجرد أخذ ورد لم يعلل أسباب الذعر الذي رافق أفعالهما وحواراتهما المتقطعة عن الشاي ومجد المنتخب الوطني لكرة القدم؛ ليبقي على مقاربة خجولة لفكرة التسلط التي تنتهي في النص الأصلي إلى قتل أحدهما للآخر، بعد أن يزعج العميل المقتول بأسئلته الكثيرة وكثرة غلبته القائمين على المنظمة الإرهابية التي يعمل لمصلحتها. الفعل الذي لم يحدث في عرض «الفردوس» بل على العكس أخذ بعداً سطحياً لشخصيتين قُدّمتا معقمتين تماماً من أي معنى لأداء حار يتجاوب معه الجمهور؛ مما جعل العرض رتيباً في إيقاعه؛ ولا سيما بعد التخلي عن موضوعة النص الأصلية، والتحوير غير المدروس الذي تعرضت له مسرحية الكاتب البريطاني الذي كان ينتمي بقوة لجيل غاضب؛ رفض جرائم حكومة بلاده ضد الشعوب الأخرى حتى آخر أيامه.


سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...