الامتداد السياسي لحرب أميركا ضد سوريه

01-11-2015

الامتداد السياسي لحرب أميركا ضد سوريه

الجمل ـ* فينيان كانينغهام ـ ترجمة رنده القاسم:
"شكل التدخل الروسي العسكري في سوريه نقطة تحول حاسمة في استقرار حكومة بشار الأسد، بينما ألحق هزائم هامة بمجموعات متنوعة تضم مرتزقة متطرفين"... انه تقييم ضابط عسكري أميركي رفيع المستوى ، الجنرال جوزيف ف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة.. و كان دانفورد قد تحدث هذا الأسبوع أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ قائلا : "ميزان القوى الآن لصالح الأسد".
و قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن تقييم دانفورد "يناقض تقييمات البيت الأبيض المتفائلة خلال الشهر الماضي و التي تشير إلى أن حكومة الأسد تعاني من خسائر عسكرية هامة و تفقد السيطرة على الأمور".
و بنفس الوقت، و في فورة دبلوماسية متلهفة،  نجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في دفع حلفاء واشنطن الإقليميين لحضور محادثات في باريس و فيينا من أجل مناقشة الحل السياسي للصراع السوري ذي الأعوام الأربعة . و من بين الحضور بريطانيا و فرنسا و تركيا و السعودية و الإمارات العربية المتحدة . و بناء على إصرار روسيا و رغم اعتراض السعودية، تمت دعوة إيران إلى نقاشات على مستويات عليا ، و هذه هي المرة الأولى التي تجلس فيها إيران إلى طاولة الحوار.
و وصف  تقرير لوكالة Associated Press جهود كيري الدبلوماسية بشكل ايجابي إذ جاء: " كل جهود الوساطة الدولية السابقة لم تحقق أي شيء لإيقاف القتال، و يحاول كيري توحيد كل الأطراف المؤثرة في الدول العربية حول رؤية مشتركة لسوريه سالمة و  مدنية و تعددية محكومة  بموافقة شعبها"...
و لكن وكالة AP كانت مقتصدة في قول الحقيقة. و كما ذكرت موسكو سابقا، بيان جينيف الرسمي الذي صدر صيف 2012  بوساطة دولية تحدث أيضا عن "سوريه سالمة و  مدنية و تعددية محكومة  بموافقة شعبها"...و القتال لم يتوقف خلال السنوات الثلاث التالية لاتفاق جينيف لأن  واشنطن و حلفاءها الإقليميين لم يكفوا عن حربهم السرية من أجل تغيير النظام في سوريه و رحيل الرئيس الأسد...
و لهذا يتساءل المرء ما الطائل من إعادة صياغة مبدأ دبلوماسي قديم بينما واشنطن و حلفاؤها لا يزالون مصرين على تغيير النظام، في تناقض مع مبدأ "سورية محكومة بموافقة شعبها" المعلن..
و بشكل واضح تراجعت كل من واشنطن و لندن عن إصرارهما السابق بشان رحيل الأسد، و وافقتا على مرحلة انتقالية من أجل حكومة جديدة في دمشق يمكن أن يحتفظ الأسد خلالها بالسلطة.و من جهة أخرى لا تزال فرنسا عنيدة في مطالبتها برحيل القائد السوري ، و عند هذه النقطة، تتشارك باريس و تركيا و السعودية و دول خليجية أخرى بنفس الموقف المتصلب.
إيران، الحليف الوفي للأسد، تقف في صف روسيا من حيث اعتبار قضية الحكم في سورية متعلقة بسيادة الشعب السوري. و موقف كل من روسيا و إيران ينسجم مع بيان جينيف. و لهذا فان تكرار الحديث عن "الانتخابات " في سوريه، من قبل أطراف متعددة في مؤتمر جينيف، يجب أن يتم بحذر. فإذا كانت واشنطن و حلفاؤها صادقين بشأن حل سياسي للصراع إذن لماذا لا يؤكدون على التزامهم ببيان جينيف؟
ما الهدف من إعادة العمل على الاتفاق مع إدخال شرط جديد متعلق بعقد الانتخابات؟ و رغم كل شيء، أجرت سوريه انتخابات رئاسية في حزيران 2014 و فيها فاز الأسد بشكل مدو...إذن، لماذا تجبر سوريه الممزقة بالحرب على خوض جولة انتخابية جديدة ؟ يبدو الأمر و كأنه مطالبة خارجية بإعادة انتخابات ربما تقوم خلالها قوى أجنبية  بثورة "ملونه" لتحقيق الهدف الذي تريده، و هو تغيير النظام.
الأسد ، و خلال لقائه مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين في موسكو الأسبوع الماضي، قال بوضوح أن إدارته مستعدة للتعاطي مع كل الخصوم السياسيين. ولكن، و بشكل منطقي تماما، قال الرئيس السوري أن الأولوية بالنسبة لبلده هي إحباط خطر التدمير المدعوم من الخارج. و ربما تعتبر المطالبة الصاعقة من قبل حلفاء واشنطن، في السعودية و مملكات أخرى خليجية عربية، بإجراء  انتخابات حرة في سورية أكثر الإشارات وضوحا إلى أن استئناف العمل الدبلوماسي يخيب أجندتهم الحقيقية و الوحيدة و المتمثلة بتغيير النظام في سوريه.
و يبدو أن محور واشنطن يسعى لكي يحقق بالوسائل السياسية ما فشل بتحقيقه بالوسائل العسكرية السرية. و بتدخل روسيا و إيران في العمل الدبلوماسي، يبقى السؤال هو: هل يسعى أعداء سوريه الخارجيون إلى وضع إطار سياسي من أجل تقويض شرعية الحكومة السورية؟
التدخل العسكري الروسي الجرئ قلب الطاولات على المؤامرة الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة و الهادفة إلى إسقاط حكومة دمشق. و ما التقييم الأخير للجنرال الأميركي جوزيف ف دانفورد سوى الدليل على ذلك، و هذا يفسر لماذا تميل واشنطن و حلفاؤها الآن، و رغم حبهم للقتال، إلى التعاطي مع روسيا و إيران حول سوريه.
باختصار، لا يمكن الوثوق بالمحور الغربي ، لقد دمر سوريه بحرب أودت بحياة 250 ألف و حولت نصف السكان إلى لاجئين. و المحور لا يملك على الإطلاق أي حق أخلاقي لفرض شروط سياسية على سورية المستقبلية. و بالتأكيد، في عالم معقول هذه القوة ذاتها يجب أن تحاكم على الدمار القاتل الذي جلبته عبر دعمها للمرتزقة المتطرفين في سوريه.
سورية و روسيا و إيران تملك اليد العليا شرعيا و أخلاقيا و سياسيا و عسكريا. فلماذا يتوجب عليهم الموافقة على أي طلبات من قبل واشنطن و حلفائها الذين رفضوا الالتزام بما تم الاتفاق عليه في بيان جينيف قبل ثلاث سنوات؟ هذه القوى تجسد مبدأ  الباحث و المؤرخ الحربي البروسي كارل فون كلاوزفيتز ، الذي قال بأن الحرب ببساطة توسيع للسياسة بطرق أخرى. الأمر الذي ينطبق على ارتداد واشنطن و مساعديها، و  ليست السياسات سوى شكل آخر من الحرب ضد سوريه.

*صحفي ايرلندي خبير في الشؤون الدولية

عن موقع Strategic Culture Foundation




إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...