الرياح السوريه و التغير الأميركي

30-10-2015

الرياح السوريه و التغير الأميركي

الجمل ـ * كورت كولبيرت ـ ترجمة رنده القاسم:
رغم التغيرات الهامة في الوضع على الأرض السورية بسبب التدخل الروسي ،الرامي إلى تدمير داعش و الميليشيات الأخرى، لا زالت واشنطن مرتبكة حيال نوع السياسات التي يجبأن تتبعها في سوريه.

و على الأقل، أظهر اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري و الروسي سيرجيه لافروف أن الولايات المتحدة لا تطالب برحيل فوري للأسد. الأمر الذي كان مدعاة انتقادات جدية من قبل الرياض و أنقره، و لكن بصراحة ، البيت الأبيض لم يبد أدنى اهتمام.
و من الواضح أن السياسيين الأميركيين أدركوا أخيرا حقيقة أنه طالما كانت داعش تسيطر على أراض شاسعة في سوريه و العراق، فان الوضع في الشرق الأوسط سيبقى معقدا . و في هذه المرحلة الولايات المتحدة أكثر قلقا بشأن داعش، لأن الرئيس بشار الأسد فقد السيطرة على نصف الأراضي السورية بسبب الاعتداء الرئيسي الذي شنته داعش صيف 2014. و هذه المناطق الواسعة تستخدم الآن كمراكز تجنيد و معسكرات تدريب لإرهابيين جدد، بينما تبذل السعودية و قطر و تركيا أقصى الجهود الممكنة لإعاقة أية خطة تتخذها روسيا أو الولايات المتحدة حيال هذا الأمر.
و من الواضح أيضا أن الولايات المتحدة، و رغم البروبوغندا الناشط المعادية لروسيا، تتغاضى عن الضربات الجوية الروسية ضد الميليشيات في سورية. ما يعني أن البراغماتية قد سادت أخيرا في البيت الأبيض ، بما أن الولايات المتحدة و روسيا عند نقطة ما قد تتشاركا بنفس الأهداف. و صحيح أن الأميركيين يفضلون  المتمردين السنة "المعتدلين" أو قوى خارجية مثل تركيا لقتال داعش عوضا عن القوات النظامية الإيرانية أو حزب الله أو ميليشيات عراقية شيعية. و لكن لا تملك الولايات المتحدة أية حيلة لإجبار روسيا على ضرب مواقع داعش حصريا، دون المساس بالمجموعات المتطرفة الأخرى المعادية للأسد، و التي يشار إليها ب "القوات المعتدلة". علاوة على ذلك، ستحاول الولايات المتحدة تحويل السيطرة على الأراضي المستردة لصالح قوات سنية محلية، على أمل أن تمنح ممالك الخليج الثرية الدعم المالي و الاقتصادي لاستعادة البنى التحتية المدمرة في المنطقة.

مؤسسات الأبحاث في واشنطن كانت سريعة في افتراض أنه مع إزالة القوى المتطرفة، سيتم تسليم الأراضي السورية إلى قوى غير متطرفة. و لكنهم فشلوا في تحديد أي مجموعات يمكن اعتبارها أقل تطرفا من غيرها. و يؤمن الكثير من الخبراء في الولايات المتحدة أن هناك طريقة لتأسيس نظام فيدرالي في سوريه بمشاركة كل من السنة و العلويين ، و هذا الافتراض بناء على حقيقة انه في حال اندمج العلويون في كيان الحكومة سيخفف الأمر من مخاطر الإبادات الجماعية و الفوضى. و لكن الأمر الذي لم يدركوه هو أنه مع رحيل الأسد، دون مرحلة انتقالية تسمح بخوض انتخابات رئيسية لكل فروع الحكومة الجديدة، سيتم إتباع السيناريو الليبي بسرعة. ففي الوضع الحالي ، حيث  يوجد فصائل مختلفة تقاتل ضد دمشق برعاية لاعبين خارجيين، ستقوم الفصائل المذكورة  فورا بشن صراع جديد من أجل السلطة في هذه الدولة العربية. و في هذه الحالة ستتفتت سوريه إلى مقاطعات سنية و علوية و كردية و درزية.. الخ. و في سيناريو أسوأ يمكن أن تتفكك ببساطة نتيجة الفوضى الكاملة و الاندلاع الوحشي للعنف. إضافة إلى ذلك، الوضع الأميركي لم يتطور بشكل يكفي للسماح لإيران بلعب دور أساسي لضمان دور القانون في سوريه، الأمر المفهوم لكون واشنطن تتعرض لضغوط من أنقره و الرياض.
و بينما يبدو الكثير من السياسيين و الدبلوماسيين في واشنطن مستعدين لتسهيل تدمير داعش و البدء بإعادة بناء سوريه، لا يزال الخبراء العسكريون الأميركيون غير قانعين بأن الصراع الجاري في هذا البلد العربي يمكن حله في أي وقت قريب، بل على العكس يؤمنون أنه سيتفاقم. و وفقا للبنتاغون، يمكن الوصول إلى حل سلمي  للأزمة السورية بعد الرحيل الفوري للرئيس السوري بشار الأسد و نقل كل سلطة الدولة إلى مجموعات المعارضة المختلفة.  و لكن كيف يمكن الوصول إلى تسوية بينما هذه المجموعات منخرطة في قتال عنيف ضد بعضها البعض. و بالنسبة للعملية العسكرية الروسية في سوريه، يرى الخبراء العسكريون الأميركيون أن مدتها تعتمد بشكل كبير على التقدم الذي تحرزه في دعم الحكومة الحالية. و بنفس الوقت، يعتقدون أن روسيا لن تستخدم قوى كافية لضمان نصر تام و مطلق للأسد.
الجزء الأكبر من هؤلاء الخبراء يقرون حقيقة أن بوتين سيعلن "النصر الكامل" و "يسحب جنوده بعد عدد من النجاحات التكتيكية". و لكن برأيهم إستراتيجية انسحاب روسيا من سورية لا تزال غامضة. إضافة إلى ذلك، يبدو أنهم يفهمون بوضوح تام  أن التدخل العسكري أمر دقيق، فعند البدء بأي عملية عسكرية سيكون لها قواعدها و شروطها للانسحاب. فعلى سبيل المثال، العملية العسكرية الأميركية في أفغانستان بدأت قبل أربعة عشر عاما و لم تنتهي بعد. بل إن الرئيس أوباما قد قام بتمديدها لأبعد من ذلك.
يؤمن البنتاغون أن العمل المشترك ممكن بين روسيا و التحالف بقيادة الولايات المتحدة فقط من أجل تفادي أي حوادث محتملة تشمل الطيران الروسي و الطائرات الحربية التابعة للتحالف الأميركي في سوريه. و لكن برأيهم من غير المحتمل وجود شكل آخر من تعاون أكثر شمولية ، لأن أهداف الولايات المتحدة و روسيا في سورية تتعارض عند نقاط معينة.  فبينما تتفق موسكو و واشنطن على تدمير داعش، ترى موسكو أن الحفاظ على نظام الأسد فرصة حقيقة لحل الأزمة السورية، بينما تؤمن واشنطن أن الأسد يشكل عائقا و يجب رحيله.  إضافة إلى ذلك، و كما ُصرح في واشنطن، إيران لاعب أساسي في الحرب الأهلية السورية و على الأرجح هذا الوضع لن يتغير. فإيران كانت فاعلة جدا في دعم حكومة الأسد، مع توفير التمويل و الأسلحة و الاستشارة. و توسيع الدعم الإيراني كان واضحا في الثامن من تشرين الأول، مع مقتل جنرال من الوحدات الخاصة الإيرانية قرب حلب في سورية. و هذه الحقيقة دفعت وسائل الإعلام الغربية للاستنتاج أن تشكيلا كبيرا من الجنود الإيرانيين متمركز في سوريه، و هو أمر لم يتم إثباته بأية حقيقة . و الأهم من ذلك، أن الخبراء في واشنطن يعتقدون بأن إيران و روسيا ستنسقان نشاطاتهما في سوريه.
بكل الأحوال، محكوم على الموقف الأميركي تجاه سوريه بالتغيير، و في حال أحرز الجنود السوريون النظاميون تقدما هاما "على الأرض" ضد الميليشيات المتطرفة، سيكون هذا التغيير جذريا. الاعتماد الكبير على استعداد طهران توفير دعم عسكري أوسع للرئيس بشار الأسد، مثل إرسال فرقة عسكرية قوية معتبرة إلى سوريه، ما سيجعل بعض القوات المعارضة أكثر تعقلا، بينما ستدرك  القوى المتطرفة حتمية هزيمتها و ما يتبعها من نتائج،و سيفهم الرعاة الخارجيون هذا أيضا، بما أنهم كانوا غافلين تماما عن هذه الحقيقة.

 

*باحث و صحفي مقيم في ميونيغ
عن مجلة New Eastern Outlook  الالكترونيه

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...