مهرجان حمص المسرحي.. لولا «ليلي داخلي»

27-10-2015

مهرجان حمص المسرحي.. لولا «ليلي داخلي»

حاول «مهرجان حمص المسرحي»، مؤخرا، أن يقوم من سباته، بعد ما عانته المدينة في هذه الحرب، فعقد دورته الحادية والعشرين التي انتهت فعالياتها مؤخراً، وضمت ثلاثة عروض من حمص، وعرضا من دمشق وآخر من اللاذقية، ما يعني أن المهرجان لا يزال يفْرِكُ جَفنيه وربما يحتاج لأكثر من دورة ليصحو من سباته. لكن وعلى الرغم من ذلك، لا تعيبه الصورة التي انطلق بها بعد هذه الحرب، لا سيما أن دورة هذا العام ليست ببعيدة عنروبين عيسى والأداء الساحر دورتي العام 1998 ودورة العام 2005 إذ أقيمتا بأربعة عروض فقط! فالحرب إذا لم تكن هي سبب تراجع الحركة المسرحية في المدينة التي تنادى إلى تفعيلها في مهرجان، منذ العام 1987 المخرج «حسن عكلا» عندما كان رئيساً لـنقابة الفنانين في حمص. ومضت النقابة وتبنته مهرجاناً إبداعياً كان له الفضل في تحفيز وتقديم عشرات المواهب التي تابعت مشوارها الإبداعي عطاءً ودراسة أكاديمية، وساهمت في إنتاج الدراما السورية بأنواعها. وكانت دورات المهرجان تتألق وتخبو حسب قدرة الفرق والأندية الفنية على إنتاج عروض مسرحية. فغياب فرق عدة نشيطة كانت، ولافتة للنظر في إبداعها، أكثر من طبيعي، كـ «فرقة إشبيلية»، و «فرقة فواز الساجر» و «نادي دوحة الميماس»، و «اتحاد شبيبة الثورة»، و «نادي الخيام». تلك الفرق غابت لأسباب موضوعية وذاتية تَحْكُمُ معظم فرق الهواة، باستثناء فرقة «المسرح العمالي» التي يديرها المسرحي فرحان بلبل، وظلت تلك الأسباب تحكمها على الرغم من عقد أكثر من ندوة، ومن إطلاق أكثر من توصية في دورات سابقة لهذا المهرجان لدعم الحركة المسرحية في حمص، إلاّ أنها ظلّت حبراً على ورق.
رعاية وزارية
 لم يتخلَّ مهرجان هذه السنة عن تقاليده سواء في تكريم بعض الوجوه المسرحية، إذ كرّم المخرج خالد الطالب، والممثلة وفاء العلي، وفني الإضاءة الراحل إحسان رستناوي، أو في عقد ندوات تقييم للعروض في اليوم التالي لكل عرض. وكان مكسبه الجديد الذي ربما يستمر حتى يستفيق المهرجان من كامل سباته، إقامته بالتعاون مع مديرية الثقافة وبرعاية وزير الثقافة له، وهي المرة الأولى التي يكسب فيها هذا المهرجان العريق، هذا الاهتمام، وهو الذي لحق به، أكثر من مهرجان في محافظات أخرى.
نصّ ميت
 أول ما يلفت نظر المتفرج أن العرضين المشاركين في هذه الدورة هما من إنتاج نقابة الفنانين في حمص، كان المهرجان في دورات سابقة قد قدمها من إنتاج «نقابة الفنانين في حماه»، وهما عرض «بارود اهربو»، و «كلب الآغا». ما يستحضر من الذاكرة الشعبية تلك الشجارات التي كانت تدور بين حمص وحماه، عندما كانت حمص هي الولاية، وحماه تابعة لها، وفي ظروف تاريخية أخرى كان يحدث العكس. وذلك ما أنهض أدباً شعبياً في المدينتين، سماته بعض من النهفات والطّرَف تُثْلِجُ القلوب. هذا الاستحضار يستدعي التساؤل هل جفّت مخيلة المخرجين لاستعادة عرضين سبق أن تمّ تقديمهما في المهرجان من قبل فرق حمويّة، لا سيما أن نص «كلب الآغا» الذي أعدّه وأخرجه محمود السمرة، لا يستحق أي إعادة، وأزعم لو أن الراحل ممدوح عدوان صاحب النص لا يزال حياً لأمَرَ بإعدامه. فإلى متى نتعامل مع نصوص مبدعينا بقدسية تامة؟ فهل يعقل تقديم عرض يتناول تفنن سكان قرية بالخنوع للآغا دون الإشارة إلى أسباب ذلك الخنوع، فهل يريد أن يقنعنا المخرج أن الإنسان يستمرئ عبوديته وذلّه، ودون أن يسوّغ لنا ذلك؟ وكان هذا العرض قد قدّم في آخر دورة انعقدت من مهرجان حمص قبل توقفه العام 2008 من إخراج مولود داوود. ومثله فعل المخرج «سامر أبو ليلى» الذي استعاد قصة «أنت لست غارا» للكاتب التركي «عزيز نيسين»، التي كان قدّمها رئيس نقابة الفنانين في حماه الراحل «سمير الحكيم» في دورة العام 2000، فأعدّها أبو ليلى تحت عنوان آخر «بارود اهربو» وهي مسرحية تسلط الضوء على المتنفذين الفاسدين (رئيس البلدية ورئيس الأمن السري) وعلى كيفية استغلالهم للإعلام في تضليل الجماهير، وطمس الحقائق التي يريدون، وتصنيع حقائق تخدم مصالحهم، لكن أبو ليلى حمّل شخصية «بارود» التي كانت «غارا» في النص الأصل، أكثر مما تحتمل، فهي مسكينة أرادت المشاركة في الحرب للخلاص من زوجته الفاسقة (دون أن يقدّم لنا العرض ما الذي دفعها للفسق)، صنعوا منه بطلاً وشهيداً، وأقاموا له نصباً تذكارياً لكنه عاد حياً وأفشل لهم خططهم فهربوا. والعرض واسى بين الشخصيات الثلاث في مسؤوليتها عن الحرب التي حصلت، أو الدمار الذي نجم عنها، كإسقاط من المخرج على واقعنا، وهذا ما تؤكده صورة الأقنعة الثلاثة الملتصقة ببعضها التي حملها «بروشور» العرض! وظل النصب التذكاري ( كأس كبير وفيه مصاصة متة) محيّراً في فهم دلالته. ونشير إلى أن شخصيات العرضين قُدمت بملامح كوميدية جعلت حضورها خفيفاً، ما انعكس على رشاقة العرضين.
حجب النساء
 العرض الثالث «كلهم أبنائي» (انتاج المسرح القومي في دمشق) سبق وأن عرض في أيار المنصرم، وبهذا يكون جمهور المسرح المتابع للعروض شاهد ثلاثة نصوص مستعادة. أخرج العرض «خالد الطالب» الذي أعدّه عن نص «آرثر ميلر»، لكن الإعداد غير الموفق حجب الشخصيات النسائية، فانخفض مستوى الاقناع للمشاهد بصراع يجري في صالون منزل بين جيلين يحمل كلٌّ منهما قيماً تختلف عن قيم الآخر، وفق النص الأصل، ودون أن تتدخل الشخصيات النسائية في مجرى الأحداث لنعرف وجهة نظرها. فظللنا هكذا متابعين لخلاف بين أب وابنه حول تورط الأب في مقتل ابنه الطيار ومجموعة من زملائه بسبب غشّه لقطع غيار الطائرات، يدعم موقف الابن شقيق خطيبة ابنه القتيل. افتقد العرض للحيوية في الأداء، وكان أقل مستوى مما شاهدنا في العرض السابق، وحافظ على عدم علاقته بواقع حياتنا. ما يرسم إشارة تعجب كيف توافق مديرية المسرح القومي على إنتاج مثل هذا النص؟!
وقدّم تجمّع «القباني» خمس لوحات باسم «إيكو» تأليف وإخراج «لؤي جميل شانا» يصحّ عليها أنها اهتمت بواقع الإنسان معيشياً، وجاءت مبنية بطريقة «المونودراما»، ثلاث منها مقنعة بمنولوجاتها وأداء ممثليها الفاتن لكل أبعاد شخصياتهم، على الرغم من تقليدية معالجة الأفكار. لكنّ قفل اللوحات جميعها بأغنية من أغاني السيدة فيروز، لم يسوغه أي ربط درامي مقنع.
سحر الأداء
 أخيراً، لولا عرض «ليلي داخلي» لفرقة «أشجار» التي قدمته بالتعاون مع المسرح القومي في دمشق، إعداد وإخراج الزميل سامر محمد إسماعيل عن نص ماركيز «خطبة لاذعة ضد رجل جالس»، لكانت المتعة والحرية التي يجب أن يشعر بها المرء خلال مشاهدة العرض المسرحي راحت علينا. إذ قدمت الممثلة روبين عيسى والممثل بسام البدر عرضاً ساحراً، هو بصمته، ومن قال إن الصمت ليس إبداعاً ويحتاج لمهارة، وهي بتلوين انفعالاتها، عندما بدأت تبوح بأوجاعها، حزنها، فرحها، غضبها، كراهيتها، توسّلها، ضحكها، بكائها، كشفها خيانته لها ولزيف مشاعر واعتقادات الزوج، الحبيب منذ أيام الجامعة، تمثّله الخارجي للفكر اليساري ومتاجرته بالبشر قبل الأفكار. حاول العرض تحميل شخصية الزوج ومن يشبهه ما حصل ويحصل في سوريا، استطعنا تلمس ذلك من خلال مونولوج الزوجة، ربطاً مع ما كان يعرض في عمق الخشبة من صور تروي أو تلّمح إلى ما حدث خلال هذه الحرب. إذاً العرض كان بمستويين وقد لا يصل لهما سوى متفرج مدقق في العروض المسرحية، ولكن وصول المتفرج لمستوى الخلاف بين الزوجين، دون الإسقاط، لا يعيب العرض ويكفيه إبداعاً. ولو أن الممثلة «روبين عيسى» قد جسدت فقط مشهد الخيانة ـ الاغتصاب، لنالت تصفيق الجمهور، فكيف وقد قدمت في ختام العرض مشهداً جمعت فيه الرجاء مع الضحك بشكل هستيري، وبِنَفَسٍ واحد، جعلنا نخاف عليها من ثنائية الانفعال. ذلك السحر يعني أن مخرجاً وضع بصمته في الإخراج المسرحي، ولعلّه يتحفنا بعروض إبداعية قادمة لا تقل بهاءً عما شاهدنا.

نضال بشارة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...