لماذا ذهب الأسد إلى موسكو ؟

23-10-2015

لماذا ذهب الأسد إلى موسكو ؟

الجمل ـ *الدكتور فيكتور تيتوف ـ ترجمة رنده القاسم:
ثانية وجهت موسكو ضربة سياسية مدمرة ضد الغرب، لاسيما سياسته في الشرق الأوسط، مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد موسكو في العشرين من تشرين الأول للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
و قال  ديمتري بيسكوف ،المتحدث باسم الرئيس الروسي ، بأن المحادثات عقدت بأشكال ضيقة و موسعة و بمشاركة شخصيات أساسية في الحكومة الروسية. و قال بيسكوف: "عقدت المباحثات لفترة طويلة و كانت مواضيعها واضحة تماما"، و أضاف بيسكوف أن الأسد تحدث لبوتين عن الوضع في سوريه و العمليات القادمة لجنود الحكومة السورية. و ناقش القائدان أيضا مواضيع متعلقة بمشاركة الطائرات الحربية التابعة للسلاح الجوي الروسي في هذه العمليات. و قال بيسكوف: "الموضوع الأكثر إلحاحا كان القتال ضد المجموعات الإرهابية و توسيع العمليات الروسية لمساندة دفاع القوات المسلحة السورية".. و لم يحدد المتحدث فيما إذا تمت مناقشة المستقبل السياسي للرئيس بشار الأسد نفسه. و علاوة على ذلك، تنوي موسكو دعم سورية في السعي لحل سياسي لأزمتها. و بعد انتهاء اللقاء قال فلاديمير بوتين: "بناء على ايجابية ديناميكية المعركة، في النهاية، سيتم التوصل إلى تسوية طويلة الأمد بمشاركة كل القوى السياسية، و كذلك مجموعات اثنيه و دينية. بالتأكيد القول النهائي للشعب السوري".
من الواضح أن زيارة غير متوقعة كهذه لا تسعى نحو هدف النقاش المفصل لمواضيع محددة تتعلق بالتعاون الثنائي، فهذه أمور يتولاها عادة خبراء و مسؤولو هيئات حكومية، و في هذه الحالة كان يقوم بالمهمة وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف و وزير الدفاع سيرجيه شويغو . الهدف الأساسي من المحادثات الروسية-السورية إظهار  عزيمة كل من موسكو و دمشق وضع نهاية لداعش ،أو أية مجموعة أخرى مسلحة غير شرعية، خلقت بتمويل السعودية و الإمارات العربية المتحدة و قطر مع دعم كبير من الولايات المتحدة و تركيا و الأردن.
في الأسابيع الثلاثة الماضية، و بينما كانت الطائرات الحربية الروسية تسحق المجموعات الإرهابية في سوريه، كررت روسيا على البيت الأبيض عرض التعاون الواسع على أعلى مستوى في القتال ضد داعش، بدءا من التعاون في الضربات الجوية و انتهاءا بتبادل المعلومات الاستخباراتية . و على نحو متواصل قامت واشنطن ،و باراك أوباما  شخصيا، برفض هذه النداءات.و إضافة إلى ذلك، في الأسبوع الماضي قام الرئيس الأميركي ، و بعد مشاورات مع معاونة وزير الخارجية لشؤون أوروبا و أوراسيا فيكتوريا نولاند، برفض استقبال وفد روسي رفيع المستوى بقيادة رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميديديف كان يريد مناقشة نطاق واسع من المواضيع المتعلقة بالوضع في سوريه. و بنفس الوقت صرحت موسكو علنا أنه من المهم جدا في هذه المرحلة المحافظة على حكومة بشار الأسد، بينما الجمهورية العربية السورية عالقة وسط حرب شرسة مع قطعان من الأجانب المرتزقة. و عندما تنتهي هذه الحرب، يمكن السعي نحو تسوية سياسية داخلية ، و لكن فقط شريطة أن يقرر السوريون أنفسهم مصير بلدهم، و ما من كلمة للقوى الأجنبية و الإقليمية في هذا الشأن.
و إضافة إلى انعدام النية لدى الولايات المتحدة من أجل السعي نحو أي شكل من التعاون، قامت و بقوة بعرقلة المبادرات الروسية، بدفع السعودية و تركيا لتأمين المزيد من الدعم لما يسمى "المعارضة" السورية. و علاوة على ذلك تقوم واشنطن بتسليح و تجهيز قوة "معارضة معتدلة جديدة" ، منفقة حوالي خمسمائة مليون دولار على هذا المشروع الأخير، لترى هذه "المعارضة" و هي تنضم إلى صفوف داعش و جبهة النصرة و أحرار الشام و مجموعات إسلامية أخرى متطرفة. و من المثير للانتباه أن ما من جنرال أو مسؤول أميركي تلقى العقاب على هذا "الخطأ في التقدير"....
و هذا أمر منطقي تماما، بما أن هدف تقوية داعش و حلفائها قد تم تحقيقه في النهاية، رغم أن بعض الناس يؤمنون أن "الإرهابيين المعتدلين" قد قاموا بخداع مرشديهم الأميركيين الذين علموهم كيف يقاتلوا الجيش السوري. و بنفس الوقت كانت واشنطن فعالة في تدمير العلاقات بين أنقره و موسكو، بينما تقوم بدفع طيب أردوغان لإطلاق تصريحات قاسية معادية لروسية.
ما من نقطة تشير إلى أوروبا هنا، لأن ممارسة الرفض الرسمي للوفود الروسية أصبح معيارا مأساويا بين الدول الأوروبية. و ربما يجدر ذكر بعض الاستفزازات، مثل الملاحقة الأخيرة للطائرة الروسية التي تحمل على متنها رئيس مجلس الدوما من قبل طائرة ناتو في الأجواء السويسرية ، و هو استفزاز مشين.
يمكن فهم بوتين بسهولة. فمنذ شهور و شهور و هو يحاول الوصول إلى تسوية سلمية لصراع أوكرانيا الذي خلقه الغرب في المقام الأول من أجل تقويض قوة روسيا العسكرية و الاقتصادية المتنامية. و الأميركيون لم يتمكنوا من استيعاب حقيقة أن أحدا يمكنه تحدي قيادة الولايات المتحدة للعالم، الأمر الذي لم يعد موجودا منذ زمن. 
و في نهاية المطاف ، و وفق الناتج المحلي الإجمالي تمكنت الصين من التفوق على الولايات المتحدة، و صواريخ كاليبير الروسية التي ضربت أهدافا في سوريه بعد قطعها مسافة 900 ميل ، كشفت قابلية عطب كل النظام الدفاعي الأميركي. و الأكثر من ذلك، لا تملك الولايات المتحدة اليوم أنظمة سلاح يمكنها موازاة كاليبير الروسية. و بالنسبة لإمكانيات السلاح الجوي الروسي ، فقد تم استعراضها عبر العالم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. و تمكنت حفنة طائرات حربية روسية من إلحاق الضرر بالبنية التحتية الإرهابية في سوريه أكثر مما فعل التحالف الأميركي برمته خلال سنه. إضافة إلى أن الجيش السوري أطلق هجوما معاكسا و يستعيد الآن السيطرة على أراض كانت بقبضة الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية و المملكة العربية السعودية و قطر و الإمارات العربية المتحدة.
و كرد على هذا، يحاول الأتراك و السعوديون زيادة تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي بتوظيف وكالات استخباراتهم . عندها سيكون الأمر إشارة إلى العالم بأن السوريين يهربون نتيجة الضربات الجوية الروسية، بينما هو مرتبط قطعا بحقيقة أن السعودية تمنح الأموال لهؤلاء اللاجئين، بينما تنقلهم تركيا إلى أوروبا. و هناك إشاعات بأن  ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود حاول إقناع روسيا بالتخلي عن سوريه بعرضه مبلغ 300 مليار دولار على مسؤوليها. السؤال الذي يطرح نفسه، من أين حصلت الرياض على هذا المبلغ بينما ميزانيتها الخاصة تُستنفد بشكل سريع؟... الغرب الآن يائس بشكل يكفي لنشر أي نوع من البروبوغندا ،حتى  و إن كانت هراء بكل معنى الكلمة...
في نهاية المطاف، و كما يقول المثل العربي :"للصبر حدود" . فإن فلاديمير بوتين  قد اعتاد إرسال إشارات ايجابية للغرب، و لكن زيارة بشار الأسد إلى  موسكو تظهر أن الخط قد رسم، و حان الوقت لتغيير كل شيء. و إذا كان الغرب معرضا عن المشاركة في القتال، فسوف تقوم روسيا به دون مشاركته، و لكن مع إيران و العراق. و النصر على الإرهاب سيكون مطلقا و كاملا، و لكنه نصر روسيا، و الباب لم يغلق بشكل نهائي، على أمل أن البعض في الغرب قد يصبح أكثر حكمة .
و رغم ذلك، فعند نقطة محددة من الزمن سيتوجب على الجميع البدء بحوار سياسي في سوريه. و في الوقت الحالي ما من مكان للولايات المتحدة و الاتحاد الأوربي و السعودية أو تركيا..و لكن أليس هذا أفضل؟؟؟


*محلل سياسي روسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

عن مجلة   New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...