سورية بقيادة الأسد : وحدها القادرة على هزيمة داعش

14-09-2015

سورية بقيادة الأسد : وحدها القادرة على هزيمة داعش

الجمل * ديانا جونستون ـ ترجمة رنده القاسم:
في السابع من أيلول الجاري تقدم سبعة مواطنين سوريين إلى محكمة باريس بدعوى مدنية ضد وزير الخارجية الفرنسي لورينت فابيوس. رجال خمسة و إمرأتان كلهم فقدوا أفرادا من عائلاتهم أو أصدقائا مقربين في مجازر المتمردين المسلحين المدعومين من قبل فابيوس قولا و عملا.  كانوا يطالبون بيورو واحد كتعويض رمزي.
في النهاية ستهمل القضية بالتأكيد ، جلسة الاستماع في السابع من أيلول كان تضم اتهامات ضد حاكم سابق و المحكمة لا يمكنها محاكمة أفعال الحكومة في هذه الحالة، و حتى مع وجود المتهم. و مع ذلك فان القضية العقيمة أثارت نقطة هامة يفضل السياسيون و الإعلام في الغرب  تجاهلها.
يتشارك القادة الغربيون مسؤولية جعل معظم العالم غير ملائم لحياة بشرية طبيعية، و حتى الآن لم ينالوا العقاب. و أزمة المهاجرين التي تجتاح أوروبا ليست سوى البداية للمشاكل التي جلبها هؤلاء القادة عديمو الضمير إلى بلدانهم.
يمكن وصف لورينت فابيوس ب "محافظ جديد فرنسي"، و انحيازه لسياسات إسرائيل تبدو واضحة في ضوء كونه أكثر وزراء الخارجية اعتراضا على الاتفاق الأخير المتعلق بالمفاوضات الإيرانية النووية .و هو من أكبر المؤيدين المتحمسين لتغيير النظام في سوريه، الدولة المستهدفة من قبل المحافظين الجدد لقوميتها العربية و دعمها لقضية فلسطين.
أثار المدعون السوريون النقاط التالية:
*في 29 أيار 2012 ، صرح  فابيوس أن فرنسا ستتدخل ضد النظام السوري.
*في 17 آب 2012 قال فابيوس أن الرئيس السوري بشار الأسد "لا يستحق الحياة على الأرض".
*في 14 كانون الأول 2012 و في سياق انتقاده لقرار إدارة أوباما تصنيف جبهة النصرة كمجموعة إرهابية، قال فابيوس معترضا أن جبهة النصرة "تقوم بعمل جيد على الأرض".سوري يقبل نجله لدى وصولهما الى جزيرة في اليونان امس (ا ب ا)
*في 13 آذار 2013 أعلن فابيوس أن فرنسا و بريطانيا ستقومان بتسليم السلاح إلى المتمردين.
كمجموعة، قال المدعون أن وزير الخارجية فابيوس أثار بتصريحاته الحرب الأهلية في سوريه و شجع هجمات المتمردين المسلحين ضد الحكومة الحالية. أما بشكل شخصي، فقد كل فرد من المدعين أفرادا من أسرته أو أصدقاءا مقربين في هجمات مسلحة و مجازر ارتكبتها مجموعات متمردة حليفة للنصرة.
و تحت قيادة الولايات المتحدة وبتأثير النفوذ الإسرائيلي، أيد القادة السياسيون الفرنسيون "تغيير النظام" في ليبيا و سوريه مع افتراض ضمني  أن الحرب الأهلية بالنسبة  لشعوب هذه البلدان أفضل من العيش في ظل الدكتاتورية. و لكن عمليا معظم الشعب يفضل أن يبقى بلا انتخابات عوضا عن البقاء بدون أسقف فوق رؤوسهم، أو بدون رؤوس.
و ليس من المفاجئ أن أفلام الفيديو المصورة بعناية و المنتشرة حول أنظمة الدولة الإسلامية الصارمة قد أثارت الذعر بين الناس الذين يعيشون على طريق فتوحاتها.
تؤدي الحرب إلى جعل الناس لاجئين ، و يمنح الإعلام الغربي الأهمية للاجئين فقط عندما تروق له "القصة". فقد منحت أهمية كبيرة للهروب المؤقت لألبان كوسوفو من حرب الناتو عام 1999 ضد الصرب، لأن هؤلاء اللاجئين يمكن أن يوصفوا بضحايا  التطهير العرقي الصربي و بهذا يكونوا مبررا لحرب الناتو.
و لكن لم تظهر وسائل الإعلام هذا القدر من الاهتمام بالعدد الأكبر من اللاجئين الهاربين من غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 و الذين لم يعودوا أبدا. أكثر من مليون لاجئ عراقي هربوا إلى سورية حيث تم استقبالهم بشكل جيد.
الوضع في الشرق الأوسط حرج، فالدولة الإسلامية مسلحة بالمعدات العسكرية التي خلفتها الولايات المتحدة في العراق، و تتمتع بثروة سببها مبيعات النفط غير المشروعة، و تبتلع صفوفها الجهاديين الشبان من كل أنحاء العالم، و هي تشكل تهديدا لشعبي لبنان و الأردن، اللذين يواجهان مشكلة الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين و العراقيين و الآن السوريين.و الخوف من ضاربي الأعناق المتعصبين يدفع المزيد و المزيد من الناس للمجازفة بكل شيء من أجل العيش بأمان في أوروبا.
الدولة الإسلامية هي فعلا العدو الرهيب الذي يحاكي "الدولة اليهودية"، كيان سياسي آخر قائم على الهوية الدينية . و كحال إسرائيل لا تملك حدودا معينة ، و لكن ذات قاعدة ديموغرافية محتملة أوسع بكثير.و القوة الوحيدة القادرة على إيقاف توسع الدولة الإسلامية و سيطرتها المتعصبة على بلاد الرافدين و ما ورائها هي الدولة السورية بقيادة بشار الأسد. الخيار ليس بين الأسد و الديمقراطية الغربية، بل خيار بين الأسد و الدولة الإسلامية. و لكن القادة الغربيون لم يتخلوا عن عبارتهم المعتوهة: "الأسد يجب أن يرحل".
نتائج هذا الجنون غسلت على شواطئ المتوسط، و حلت الصور و المشاعر الجياشة عوضا عن التفكير بالأسباب و النتائج. صورة لطفل غريق سببت غضبا إعلاميا و سياسيا. هل الناس مندهشون حقا؟ ألا يعلمون أن الأطفال كانوا يقطعون أشلاء في القصف الأميركي للعراق ؟ و من  الطائرات الأميركية التي كانت تحلق بلا ربان في أفغانستان و باكستان و اليمن؟ ماذا عن الأطفال الذين سحقتهم حرب الناتو من أجل "تحرير ليبيا" من "الدكتاتور"؟
أزمة اللاجئين الحالية في أوروبا نتيجة حتمية و متوقعة للسياسة الغربية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. ليبيا قذافي كانت الجدار الذي حال دون الهجرة غير الشرعية لمئات الآلاف من الأفارقة إلى أوروبا، لا بسبب إجراءات الشرطة فحسب بل أيضا بسبب توفير التنمية في وطنهم و منحهم أعمالا ذات أجر لائق في ليبيا. و الآن ليبيا هي مصدر للمهاجرين القابلين للاستثمار و اللاجئين من ليبيا نفسها و من بلدان يأس أخرى. و لأجل إضعاف السودان ، أيدت الولايات المتحدة (و سوزان رايس بشكل خاص) خلق دولة جنوب السودان، و التي هي ليست دولة على الإطلاق.
 مشهد المذابح قاد المزيد و المزيد من اللاجئين نحو  دول غير مرحبة بهم.
استخدمت بشكل كبير الصورة الشهيرة للطفل أيلان الغارق في البحر المتوسط لدفع الأوربيين للشعور بالذنب. و بالتأكيد يجب أن يشعر القادة بالذنب، و كذلك الثري الأناني بيرنارد هينري ليفي، الذي يفخر بكونه من تحدث إلى حكومة نيكولاس ساركوزي من أجل بدء حرب ضد ليبيا، حيث زعم أنه لا يوجد متطرفون إسلاميون و لكن مؤيدون للغرب يتوقون للديمقراطية، و بفضل الناتو، منذ ذاك الحين و المتطرفون الإسلاميون يمضون بوحشية عبر كل البلد.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل وافقت على ضم ثمانمائة ألف لاجئ سوري، و هو أمر رائع من الناحية الإنسانية. و ألمانيا قوية اقتصاديا و ضعيفة ديموغرافيا، مع تضاءل سكانها شيئا فشيئا، و السوريون من الطبقة المتوسطة، حيث الكثير منهم مسيحيون مروعون، يشكلون زيادة مرحب بها، و لكن الأمر يعتمد على تقسيمات سياسية ضمن ألمانيا و أوروبا.
و هذا بشكل خاص حال الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي من أوروبا الشرقية، بدءا من هنغاريا، فقادة تلك الدول أوضحوا أن دولهم معنية قبل أي شيء بهوياتها الإثنية، و لا تريد أخذ الكثير من الناس الذي لا يتحدثون لغتها. و خلافا لدول أوروبا الغربية، أوروبا الشرقية، التي تضم دولا اثنية ،لا تملك عادة استيعاب المهاجرين و لا الالتزام الأيديولوجي بايديولوجية حقوق الإنسان الغربية. ففي أوروبا الشرقية يبدو الحديث عن  "حقوق الإنسان" جيدا إذا استخدم ضد روسيا و الإتحاد السوفييتي لا أكثر.
أزمة اليونان أرهقت وحدة الاتحاد الأوروبي ، و لأول مرة  يناقش الكثير من الناس الفكرة برمتها. أظهرت الأزمة انعدام الإحساس الحقيقي بالوحدة بين شعوب أوروبا، فعند المحك الألمان ألمان و اليونانيون يونانيون، و الأوروبية مفهوم مجرد. كما أسفرت أزمة اللاجئين عن صدع جديد في الوحدة الأوروبية.
معظم أوروبا اليوم تعاني من انتشار البطالة، و خاصة الدول الجنوبية التي تمثل أول مهبط للاجئين: اليونان، ايطاليا، اسبانيا. و سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، و التي خنقت اليونان، لا تدعم خلق أعمال لمئات الآلاف من القادمين الجدد. و حتى اللاجئين ذوي الخبرة سيجدون من الصعب، إذا لم نقل من المستحيل، الحصول على أعمال تناسب خبرتهم في الدول المضيفة، فمعظم الأعمال ستكون وضيعة و غير شرعية، مع أجور و ظروف عمل سيئة.
علاوة على ذلك، من المستحيل في ظل هذه الحركة الواسعة من البشر التمييز بين اللاجئ و المهاجر الاقتصادي، لاسيما بالنسبة للرجال الساعين إلى فرص عمل أفضل،إذ لا يملك الاتحاد الأوروبي إلا القليل لمنحهم إياه، و الامتعاض من هذه الهجرة سيحسن المستقبل السياسي لليمين القومي.
و هناك سبب آخر كي لا يشعر المواطنون الأوروبيون بالحماس لاستقبال مئات الآلاف من أجانب غير معروفين ، فالدولة الإسلامية تبجحت علنا بإرسال إرهابيين إلى أوروبا ضمن اللاجئين، مع نية واضحة بارتكاب أعمال عنف لزعزعة الغرب. و بالطبع، تهديد الإرهاب استخدم بشكل وضيع من قبل الحكومات لتعزيز إجراءات الدولة البوليسية، و لكن هذا لا ينفي حقيقة وجود خطر الإرهاب.  و لسوء الحظ ، هو موجود بفضل سياسات الحكومات الغربية ذاتها.
يجب أن تعتبر  أزمة اللاجئين إشارة تحذير إلى أن  الولايات المتحدة و حلفاءها من الناتو، خاصة بريطانيا و فرنسا، يجرون العالم إلى حالة من الفوضى ستستمر بالانتشار و تصل إلى نقطة اللاعودة. فمن السهل و السريع كسر الأشياء و لكن جمعها ثانية أمر قد يكون مستحيلا.
و الحضارة نفسها قد تكون أكثر هشاشة مما تبدو عليه.


*كاتبة سياسية أميركية مقيمة في باريس ، من مواليد عام 1934، مختصة بالسياسات الأوربية و السياسات الخارجية الغربية، و مؤلفة كتاب "حملات المغفلين: يوغسلافيا ، الناتو و الخداع الغربي"  و حاليا تقوم على نشر كتاب جديد بعنوان "ملكة الفوضى: مصائب هيلاري كلينتون"

 


عن موقع Counter Punch

الجمل

التعليقات

كلام منطقي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...