ستون عازفة سورية في «أوركسترا ماري»

05-09-2015

ستون عازفة سورية في «أوركسترا ماري»

الحشد النسائي الذي جمعه المايسترو رعد خلف، وتكوّن من ستين عازفة سورية في حفلين لأوركسترا ماري (دار الأوبرا السورية)، يحيلنا إلى الألف الثاني قبل الميلاد؛ قبل أن يقضي حمورابي عام 1760 ق.م على « ماري» درة الفرات الأوسط، قرب مدينة البوكمال السورية المعروفة حالياً بـ «تل حريري»؛ فالفكرة التي استلهمها (خلف) لتأسيس (أول أوركسترا للفتيات في الشرق الأوسط) كما يعرّف بها على بروشور الحفل؛ ستجد لها جذوراً في من حفل «أوركسترا ماري» على «مسرح الأوبرا السورية» في دمشقتلك الأجنحة التي كانت مخصصة لحريم «زمري ليم» واللاتي كنَّ يتدربن على تعلم العزف على الآلات الموسيقية بإشراف من الملكة (شيبتو) الزوجة الثالثة لـ (زمري ليم) والتي كانت تدير شؤون القصر وتختار من (جواري) الملك من هي مناسبة لتعلم العزف على آلة موسيقية. الحفل الذي حمل عنوان «حضارات قديمة» أهدى مقطوعة «تدمر» لروح عالم الآثار السوري «خالد الأسعد» الذي قضى ذبحاً منذ أسابيع على يد فرق الموت السوداء (داعش)؛ مستلهماً قالب الموسيقى الغربية لتحقيق مدوّنات موسيقية سورية ورافدية قديمة لطالما اشتغل عليها المايسترو العراقي المقيم في دمشق منذ عام 1986؛ سواءً في فرقته «أوركسترا زرياب» أو حتى في فرقته «ماري» التي بدا أنه استوحى في حفليها الأخيرين؛ ليس فقط نصوص الرقم الطينية؛ بل طقسها الأقرب إلى الابتهال الديني وتوسل قوى الطبيعة؛ خالصاً إلى ما يشبه اتحاد نسائي موسيقي يقوده رجل.
بعيداً عن الشكل الذي اختاره «خلف» لحفله النسائي وبمرافقة طفيفة من كل من الفنان سيمون مريش على الإيقاع وخالد البهنسي على آلة «ديدجيريدو» غلب الطابع التصويري الدرامي على مجمل المقطوعات التي قدّمتها «ماري» مصحوبةً بعاصفة إيقاعية لاسيما في مقطوعتي «عناة وبعل» ومقطوعة «فينيقيا» حيث استند (خلف) في تحقيق هاتين المقطوعتين على درامية متواترة آلف فيها بين جوقة الوتريات والآلات النحاسية؛ مستمداً تكويناته اللحنية من غزارة الطقس الديني في المعابد السورية القديمة.
«آشور، أفاميا، أوغاريت، إيبلا، جلجامش» كانت المقطوعات الأبرز في حفل «ماري» الذي شهد مرافقة غنائية من الفنانة «كارمن توكمه جي» عبر قصيدة مترجمة عن رُقم من ألواح أوغاريت يقول: «أجمل من في البشر، من شعره نبت الشجر ومن خده ضوء القمر ومن راحتيه المطر». ترتيلة أوغاريتية بصوت «توكمه جي» أضافت عليه كل من (مارلا صحناوي) على آلة الفلوت و(لين جناد) على آلة البيانو حضوراً عالياً من حيث القدرة على إنشاء حوارية موسيقية لافتة بين البيانو والفلوت مع عازفات الأوركسترا اللاتي ظهرن بأزيائهن الملونة على المسرح؛ بعيداً عن ظلال السواد الذي يلف البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
تبدو مقاربة الحضارات القديمة في سورية عبر قالب موسيقي غربي؛ أبعد ما تكون عن روح الشرق، إذ وقع المايسترو العراقي مجدداً في خدعة «الموسيقى العالمية» التي لا نجد لها مرادفاً أو مصطلحاً مقابلاً في أوروبا أو الولايات المتحدة، ليكون تطويع السلم الخماسي القديم في موسيقى بلاد الرافدين وسورية القديمة؛ نوعا من مجاملة الفرق السيمفونية الكبرى، ونوعا من إقحام تقني على مدونات الطين المشوية في بلاد الشرق القديم.


سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...