ماذا حدث في سوق دوما ؟ (2 من 2)

29-08-2015

ماذا حدث في سوق دوما ؟ (2 من 2)

الجمل ـ* ايريك دريستير ـ ترجمة رنده القاسم:
هجوم دوما لم يكن الحدث الوحيد في يومه، ففي الحقيقة شهد  يوم الأحد السادس عشر من آب صدامات كثيرة في ضواحي دمشق.سيمور هيرش
و وفقا لمصادر عسكرية، وقعت صدامات عنيفة شرق الغوطة مع كل من جيش الإسلام و فيلق الرحمن أدت إلى موت أحد عشر جنديا سوريا و واحد و عشرين فردا من الميليشيات. إضافة إلى ذلك، كانت مدينة حرستا، المتاخمة لدوما، مسرحا لصدامات رئيسية بين الجيش و المتمردين. و إذا ما تم طرح هذه الحقائق بوضوح، سيغدو من المؤكد أن كل ما يحدث في دوما ليس سوى جزء من معركة دائرة بين الجيش السوري و المتمردين المعارضين للحكومة المسيطرين على البلدة. و لكن هذه الحقيقة لا تلائم على الإطلاق مروجي الحرب، و لا تمثل تبريرا لتوسيع الحملة الدولية ضد سوريه، و لا توفر ذريعة للولايات المتحدة و حلفائها من أجل استحضار عقيدة "مسؤولية الحماية" القذرة و الكاذبة، و التي تشكل الهدف الأساسي.
الحقيقة المحزنة تكمن في أن موتى دوما ليسوا أكثر من دعامة لأولئك الساعين إلى حرب أخرى بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. و هؤلاء الإنسانيون المخادعون يرغبون بتحويل الحادث إلى عملة سياسية حية من أجل توسيع الحرب الدائرة بهدف تحقيق ما يسعون إليه منذ زمن ألا و  هو تغيير النظام في سوريه و الذيدينيس روس يبدو حتى الآن أمرا متعذرا.
طالما كان كينيث روث، المدير التنفيذي لمراقبة حقوق الإنسان، صريحا في دعمه لحرب كاملة على سوريه باسم الإنسانية. و مرارا و تكرارا طالب بالتدخل ضد الحكومة الشرعية السورية، و في السادس عشر من آب غرد عبر تويتر قائلا: "كحال سراييفو، هل يمكن  لمذبحة دوما  أن تجبر الأسد أخيرا على التوقف عن استهداف المدنيين". مضمون هذه العبارة واضح تماما: يجب أن يكون هناك تدخل عسكري ، مثل حرب الناتو و الولايات المتحدة ضد يوغسلافيه وفيما بعد صربيا، من أجل إيقاف "قتل " المدنيين. و يجب ملاحظة أن هذه التغريدة نشرت خلال ساعات من أخبار واقعة دوما و قبل أي تحقيق.
روث ، و على نطاق أوسع منظمة مراقبة حقوق الإنسان، قضى فيما بعد على أي أثر للحيادية التي يجب أن يتمتع بها هو و منظمته، فعبارة مثل : "القتل في سوق دوما يظهر كيف اختار الأسد خوض هذه الحرب بشكل متعمد ضد المدنيين"، و التي نشرها روث في السادس عشر من آب أيضا، منحازة بشكل واضح و إتهام دون دليل.
و روث لم يكن يملك على الإطلاق أية معلومات عن هوية القتلى ، أو عن دوافع الجيش السوري، حين أطلق تغريدته في نفس يوم الهجوم، فكشف عن كونه مجرد تابع للإمبريالية، و صقر حرب متنكر بزي المدافع عن حقوق الإنسان.
انعدام النزاهة ليس بالأمر الجديد لروث و مراقبة حقوق الإنسان، إذ قمت سابقا بالإشارة إلى قيام المنظمة سيئة السمعة في مناسبات متعددة بإطلاق ادعاءات مزيفة بوقاحة حول الحرب في سوريه من أجل تبرير تدخل الولايات المتحدة و الناتو.
و بالطبع لابد أن نعود بالذاكرة إلى تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان عام 2013 ، المثير للسخرية و الذي ثبت زيفه، و كان تحت عنوان : "الهجمات على الغوطه: تحليل لاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريه" ،و فيه الإدعاء الكاذب بأن الحكومة السورية شنت هجوم الأسلحة الكيماوي المخزي في الواحد و العشرين من آب 2013.
و التقرير، الذي استشهد به الكثيرون من مولعي الحرب التواقين للتدخل في سوريه، تم تكذيبه فيما بعد بشكل كامل من قبل مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة، ريتشارد لويد، و البروفيسور ثيودور بوستول ،من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا،اللذين نشرا النتائج في تقرير بعنوان :"المضامين المحتملة  للمعلومات التقنية الأميركية الخاطئة حول هجوم غاز الأعصاب في الواحد و العشرين من آب"، وفيه تأكيد بأنه لا يمكن للحكومة السورية القيام بهذا الهجوم.
 و علاوة على ذلك، تم ثانية دحض رواية روث و منظمة مراقبة حقوق الإنسان من قبل الصحفي، الحائز على جائزة بوليتزير، سيمور هيرش في تحقيق صحفي يؤكد بقوة أن المتمردين هم من شن هجوم الغوطة الشرقية، و تلقوا مساعدات من تركيا و السعودية و ربما من عاملين إقليميين آخرين . هذه الحقيقة الحاسمة تناقض بشكل كامل تأكيدات روث و منظمة مراقبة حقوق الإنسان و جوقة الآخرين الذين يشددون على أن قوات الأسد كانت قادرة على القيام بالهجوم... عذرا روث، و لكن ذريعتك للحرب فشلت هذه المره... لا بأس، يمكنك أن تحلم بالحصول على أخرى مرة ثانية.
و لكن روث و منظمته ليسوا وحيدين في تلفيق الإدعاءات الكاذبة سعيا لتحقيق أجندتهم الحربية، فهناك أيضا الحائز على جائزة نوبل للسلام الرئيس أوباما و بيته الأبيض الذين لا يفوتون إطلاقا أي مأساة دون الاستفادة منها.
بعد يوم من الهجوم ، نشر الناطق باسم مجلس الأمن القومي نيد برايس ، نيابة عن الرئيس ، تصريحا رسميا "يشجب بقوة الضربات الجوية القاتلة التي شنها أمس نظام الأسد على سوق في دوما أحد ضواحي دمشق، حيث قتل أكثر من مائة شخص و جرح المئات بما فيهم عشرات الأبرياء من النساء و الأطفال..هذا العمل البغيض يؤكد أن نظام الأسد فقد شرعيته و أن المجتمع الدولي يجب أن يبذل جهدا أكبر من أجل انتقال سياسي حقيقي".
و من المهم ملاحظة أن البيت الأبيض قرر مسبقا أن هناك عشرات الأبرياء من النساء و الأطفال قد قتلوا أو جرحوا,و لكن من أين حصلوا على هذه المعلومات؟ بلا شك لم تشر قائمة الإصابات التي نشرها المتمردون المعادون للأسد إلى وجود عشرات من القتلى النساء و الأطفال، و لم يفعل ذلك أي من أفلام الفيديو المتعلقة بالواقعة. و يبدو أنه عوضا عن إيصال المعلومات الحقيقة، يستخدم البيت الأبيض العبارة المثيرة للعواطف "نساء و أطفال" لأهداف دعائية، لكي يكون قادرا على تبرير أي تصعيد عسكري محتمل ضد دمشق.
و يجب أن نتذكر أن البيت الأبيض، كحال روث و منظمة مراقبة حقوق الإنسان، حاول توظيف هجمات الواحد و العشرين من آب 2013 من أجل الدفع نحو حرب أميركية ضد سوريه. ففي تقرير  الحكومة الأميركية حول استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية في آب 2013 ، صرح البيت الأبيض: " تؤكد حكومة الولايات المتحدة بثقة عالية أن الحكومة السورية شنت هجوما بالأسلحة الكيماوية على ضواحي دمشق في الواحد و العشرين من آب 2013. و نرى أيضا أن النظام استخدم غاز الأعصاب في الهجوم"...
و لكن لماذا يذكر كاتب هذه السطور هجوم آب 2013 خلال محاولاته البحث بدقة في هجوم دوما الحديث؟ لأنه في نفس اللحظة، في أواخر صيف 2013، أي قبل عامين بالضبط، كانت الولايات المتحدة على وشك شن حرب ضد سوريه و الشعب السوري، و ثانية تقوم الآن رواية مبنية على الكذب و التحريف بدفع الولايات المتحدة نحو الحرب.
لأن كاتب هذه السطور انضم لمسيرات في ساحة التايمز و مدينة نيويورك تطالب بعدم شن حرب ضد سوريه في أي وقت. و لأن اليوم، و مع خسارة الكثير من الأرواح عبر الأعوام الأربعة و النصف الدموية في سوريه، لا يمكن للأشخاص المعنيين بالسلام الجلوس و السماح لآلة حرب الولايات المتحدة و الناتو و مجتمعات حقوق الإنسان المنافقة بجرنا إلى حرب.
من الواضح أن حادث دوما صور ك "مذبحة رسمية" لا لأمر متعلق بالهجوم نفسه، و إنما قدم بهذه الطريقة لتبرير رواية مقنعة سابقة للحرب، الأمر الذي فشل عدة مرات في الماضي، و لكن مثيري الحرب الجشعين و المخططين  الإستراتيجيين يرفضون الاستسلام.
إن المسألة لا تتعلق بالموتى بل بالأسد. إنها تتعلق بتدمير سوريه و بأهداف جيوسياسية لم تتحقق بعد بسبب العزيمة الصلبة لدمشق و جيشها. و في نهاية المطاف هذه الحرب لأجل إعادة صنع الشرق الأوسط، و لا يهم كم من الأرواح ستحصد. و من المحزن، أن موتى دوما ليسوا أكثر من وقود يستخدمه أولئك المتعطشين لإشعال سوريه و المنطقة.

 


*محلل جيوسياسي مستقل مقيم في نيويورك

عن موقع The 4th Media الإلكتروني

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...