التصعيد التركي و كذبة الحرب ضد داعش

11-08-2015

التصعيد التركي و كذبة الحرب ضد داعش

الجمل ـ * ايريك دريستير ـ ترجمة رنده القاسم:
في أواخر تموز الماضي امتلأت الصحف بأخبار حول نية تركيا السماح لطائرات الجيت الأميركية استخدام قواعدها لقصف أهداف للدولة الإسلامية في سوريه. و دارت أحاديث كثيرة تصف هذا التطور على أنه تبديل للعب و تصعيد واضح للحرب ،الأقرب للخيال لا الواقع، التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش المنظمة الإرهابية التي رحبت بها الاستخبارات الأميركية عام 2012 كتطور ايجابي في محاولاتها المستمرة للتحريض على تغيير النظام ضد الحكومة التي يقودها الرئيس بشار الأسد.
و قيل للرأي العام الغربي أن هذا "تحول هام.. صفقة كبيرة" حسب قول أحد الضباط الأميركيين لصحيفة Wall Street Journal. غير أن وسائل الإعلام لم تذكر حقيقة أن تركيا كانت ، و لازالت، عنصرا مركزيا في حرب سوريه، و في نمو و بقاء داعش. إذن، بينما تلقي  واشنطن الخطب حول تصعيد القتال ضد المنظمة الإرهابية، و تمجد مشاركة حليفتها في أنقره، فان الحقيقة المغفلة هي أن تركيا تزيد تدخلها في حرب هي من أثارها.
و هناك حقيقة أخرى بنفس الأهمية مفادها أن "الحرب ضد داعش" مجرد ذريعة لتدخل عسكري تركي في سورية و المنطقة. و لا يسعى العثماني الجديد الرئيس التركي طيب أردوغان إلى استعراض عضلاته العسكرية من أجل دفع أجندة تغيير النظام في سوريه إلى الأمام فحسب، بل أيضا يستخدم أحداثا مأساوية كغطاء سياسي و دبلوماسي لشن حرب عدوانية جديدة ضد أكراد المنطقة لاسيما العدو القديم حزب العمال الكردي.
و في هذا السياق يجب النظر إلى تحركات تركيا الأخيرة على أنها مجرد مرحلة جديدة من تورطها في الحرب الإقليمية التي ساعدت على إثارتها. و خلافا لما تقوله وسائل الإعلام الغربية، فان تركيا لم تتدخل مؤخرا في الصراع بشكل فعال، بل إن أنقره غيرت إستراتيجيتها و تكتيكاتها و انتقلت من التورط السري إلى المشاركة العلنية.
التبرير الفوري لشن ضربات جوية مجددا من قبل تركيا و الولايات المتحدة هو توسيع الحرب ضد داعش. وإثر تفجير في بلدة سروج التركية ذات الأغلبية الكردية ، أودى بحياة 32 ناشطا شابا، زعمت الحكومة التركية أنها ستعمل بقسوة ضد أهداف داعش و حزب العمال الكردي. و على هذه الخلفية سيتم تحليل أي حدث في المرحلة الجديدة من الحرب.
و لكن في المقام الأول تكمن حقيقة أننا حتى لو قبلنا الرواية الرسمية للحكومة التركية، بأن المفجر الانتحاري مرتبط بداعش، فان السؤال الجوهري يتعلق بمن يتحمل المسؤولية الأساسية. و بينما تريد أنقره من العالم تصديق أن يديها نظيفتان ، و أن داعش وليدة الإرهاب الدولي، فان الحقيقة أن تركيا بذلت كل ما في وسعها لنمو و دعم داعش منذ بداياتها، و بهذا فان الحكومة التركية هي من يتحمل مسؤولية تفجير سروج .
منذ 2012 على الأقل و تركيا تشكل ممرا أساسيا لتدفق السلاح إلى سوريه، و في حزيران من ذاك العام أكدت صحيفة New York Times أن السي آي ايه كانت تهرب أسلحة إلى قوات معادية للأسد من الجانب التركي للحدود مستخدمة عملاء من الأخوان المسلمين السوريين ،ذي الارتباط القديم بالاستخبارات الأميركية. و كذلك في عام 2012 قالت رويتير أن تركيا " أنشأت قاعدة سرية مع حليفتيها السعودية و قطر لتأمين مساعدات عسكرية و اتصالات للمتمردين السوريين من مدينة قرب الحدود..و  الأتراك  يسيطرون عسكريا على الأمر، و تركيا هي الرابط و المسهل الأساسي إذا فكرت بالمثلث، حيث تركيا عند الرأس و السعودية و قطر في القاعدة".
و ذكرت وثائق أيضا أن الاستخبارات التركية (MIT) كانت لاعبا فعالا في الحملة السائدة لتسليح  و دعم منظمات إرهابية مثل جبهة النصرة و غيرها. و الأدلة على هذه الحقيقة أعلنتها الصحيفة اليومية التركية Cumhuriyet التي نشرت على موقعها الالكتروني مشهد فيديو إلى جانب وثيقة  طبق الأصل  مسربة تؤكد ما قاله شهود عيان كثر و هو أن قوات الأمن التركية كانت متورطة بشكل مباشر في دعم عمليات لجبهة النصرة و مجموعات جهادية أخرى في كسب السورية و قربها، إلى جانب مواقع أخرى. و اليوم يوصف الكثير من ذات الإرهابيين الذين تلقوا السلاح و الدعم من الحكومة التركية، بأنهم أعداء تركيا و المسوغ لتدخل عسكري تركي.
إذا مع حقيقة أن الحكومة التركية هي الداعم الأساسي و الراعي للمنظمات الإرهابية في سوريه، تبدو الذرائع من أجل الحرب واهية في أحسن الأحوال. و لكن إذا لم يكن الأمر يتعلق بمحاربة الإرهاب، إذن  ما هو بالضبط هدف أنقره؟ و ما الذي تطمح بكسبه؟
أولا ،على رأس قائمة أجندة أردوغان يكمن استخدام داعش كذريعة من أجل تغيير فعال للنظام في سوريه الأمر الذي فشل به على مدار السنوات الأربع الماضية. و رغم توفير الأسلحة و المال و مواقع التدريب و الغطاء السياسي، إلا أن وكلاء تركيا الإرهابيين كانوا يهزمون دائما على يد الجيش العربي السوري و حزب الله و قوات مواليه. و لهذا فان أردوغان بحاجة الآن إلى تفوق عسكري ساحق للقيام بما يريده، ما يعني دعما جويا و منطقة حظر جوي على طول الحدود التركية السورية، الأمر الذي يقصد منه ظاهريا محاربة داعش و لكنه في الواقع وسيلة لتأمين أراض للإرهابيين و هو ما لم يتمكنوا من القيام به. انه فعليا تدخل عسكري في سوريه، بل هو إعلان كامل للحرب، انه جريمة حرب واضحة.
ثانيا، تشكل الحرب المزعومة ضد داعش غطاءا سياسيا مناسبا لأردوغان من أجل شن حرب كاملة على الأكراد، و خاصة حزب العمال الكردي. و في غضون ساعات من إعلان المرحلة الجديدة من الحرب، قامت القوات التركية بقصف مواقع كردية في سوريه و العراق، معلنة الحرب على الدولتين في انتهاك وقح للقانون الدولي. و بالطبع أوضح أردوغان موقفه بالقول : "لا يمكننا الاستمرار في عملية السلام مع أولئك الذين يهددون وحدتنا الوطنية وأخوتنا" . و بشكل أساسي أعلن أردوغان الحرب على كل الأكراد في المنطقة.
و الحقيقة الأهم و التي لم تناقش أبدا في الغرب تقول أن تركيا في إستراتيجيتها المزعومة لخلق "منطقة آمنه للدولة الإسلامية" على طول الحدود، أعلنت أنها تخطط للعمل مع المعارضة المعتدلة و الجيش السوري الحر . و في الواقع لا يوجد شيء اسمه معتدلون، و الإرهابيون الذين كانوا يوصفون يوما بالمعتدلين إما عادوا لأوطانهم أو هربوا من البلد أو انضموا لجبهة النصرة التابعة للقاعدة، أو يقاتلون الآن تحت راية داعش. إذن بحديثه عن هذه الخطة، أقر أردوغان عن غير عمد أن تركيا تعمل كقوة عسكرية لداعش و القاعدة في سوريه و الآن  في العراق.
و لكن بالتأكيد لو أن تركيا كانت الطرف الوحيد المعني لما كان لهذه التطورات أهمية عالميه، و لكن مشاركة و تواطؤ الولايات المتحدة و الناتو جعلا هذا التصعيد أكثر خطورة، إذ منحت تركيا دعما صريحا من الولايات المتحدة ،ما يعني أنه من الناتو أيضا.
و رغم إظهار الولايات المتحدة لقلقها حول الأكراد و توسيع الحرب، إلا أن واشنطن في الواقع تصادق على سياسة تركيا. و أشار المتحدث باسم البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تشجب بقوة الهجمات الأخيرة من قبل حزب العمال الكردي، مع التأكيد على حقيقة أن تركيا حليف هام للولايات المتحدة و الناتو. و قال مستشار أوباما لشؤون الأمن القومي :"بالطبع تعتبر الولايات المتحدة حزب العمال الكردي منظمة إرهابية، و لهذا تملك تركيا حق اتخاذ الإجراءات المتعلقة بأهداف الإرهابيين".
ربما يبدو أن واشنطن تتخذ خطوات مدروسة و تدعم تركيا بحذر  مع محاولة الحد من مجال العملية، و لكن هذا ليس سوى سرابا. ففي الواقع نشر معهد Brookings ورقة بعنوان: " تفكيك سوريه: نحو إستراتيجية إقليمية من أجل دولة فيدرالية"، و قد تحدث عنها الصحفي توني كارتالوتشي و قال أنها تضع خطة ترمي إلى "تقسيم و تدمير و من ثم احتلال سوريه" باستخدام ذريعة داعش و الإرهاب. و هو ما يحدث الآن
لا كارتالوتشي و لا كاتب هذه الأسطر و لا أي صحفي آخر ممن توقعوا  الأحداث يعلمون الغيب ، و لكن هذه التطورات كانت متوقعة ، و كما ذكرت في الأعلى هؤلاء الإرهابيين الذين يشكلون الآن الذريعة لحرب جديدة هم أنفسهم الذين تلقوا دعما علنيا من الدول ذاتها التي تشن الحرب الآن.و أضحى واضحا الآن دورهم الأساسي، و للأسف العالم لم يتحرك بشكل فعال لإيقاف هذه الحرب الإمبريالية.
و يبقى السؤال : هل ستنجو سوريه؟ الجواب يعتمد على استمرار عزيمة الجيش العربي السوري و حلفائه ، و على قدرة المقاومة العالمية على تنظيم نفسها من أجل مواجهة الإمبراطورية في سوريه و ما ورائها.


*محلل  جيوسياسي مستقل مقيم في نيويورك و مؤسس موقعStopImperialism


عن مجلة New Oriental Outlook الإلكترونية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...