كاميرا ثائر العجلاني تنسحب من الميدان

28-07-2015

كاميرا ثائر العجلاني تنسحب من الميدان

كاميرا ثائر العجلاني تنسحب من الميدان
على عكس كثيرين من أبناء جيله وأصدقائه، اختار ثائر العجلاني (1981) البقاء في دمشق خلال الحرب. اختار توثيق ما يحدث، من على نقاط الاشتباك، وخطوط المعارك الأولى، ليصير مع الوقت من أبرز من وثّقوا الحرب، قبل أن يسقط بنيرانها شهيداً فجر أمس. وتوفي العجلاني إثر إصابته بقذيفة هاون أطلقتها فصائل معارضة، خلال تغطيته لعمليَّة عسكريَّة كان ينفذها الجيش السوري.
وأعلن تلفزيون الإخبارية السوري في شريط عاجل «استشهاد الإعلاميّ في الدفاع الوطني ثائر العجلاني أثناء تغطيته الاشتباكات في منطقة جوبر بريف دمشق». كما أوردت «وكالة الأنباء الرسمية» (سانا) مقتل العجلاني «أثناء تغطية عمليَّات الجيش والقوات المسلحة ضدّ التنظيمات الإرهابيّة التكفيريّة في حيّ جوبر»، مشيرةً إلى أنّه كان يعمل مراسلاً لإذاعة «شام أف أم». ونعت وزارة الإعلام السورية العجلاني، ونقل التلفزيون السوري عنها «ارتقاء الزميل الإعلامي ثائر شمس الدين العجلاني شهيداً أثناء قيامه بواجبه الصحافي».
لم يكن المقرّبون من العجلاني ليتخيّلوا أن يغدو «موثّق الحرب»، خبراً من أخبارها. كانوا يقولون له ممازحين أنّه بـ «سبعة أرواح»، إذ أنّه كان جريئاً، يتقدَّم بكاميرته صفوف القتال الأولى، بالرغم من إصابته عدَّة مرّات. لم يكن العجلاني «فقاعة» أنتجتها الأزمة، ولم يكن «محلّلاً» تنشغل القنوات الفضائيّة باسمه، كان صحافيّاً ميدانيّاً مقداماً، اتخذ من الكاميرا سلاحه.
ذاع صيت الصحافي الشاب منذ بدء الأحداث. كان يعمل في مجال الطباعة والإعلان، لكنّ فكرة توثيق الأحداث جذبته، فاقتنى كاميرا وبدأ بالتقاط الصور ونشرها عبر حسابه على موقع «فايسبوك». كان دوماً أوَّل الواصلين إلى مكان وقوع الحدث في دمشق، لذلك كان أوّل من صوّر ووثّق معظم ما شهدته العاصمة منذ اندلاع الحرب. كان يتقن لغة الشارع جيداً، خفيف الظل، متمكن اللغة، يبحث دوماً عن المعلومة الصادقة. تلك صفات ساهمت بزيادة شعبيته ليغدو أحد أبرز مصادر المعلومات على مواقع التواصل. كان يتقن تسويق خبره، إذ أنّه لم يدخل يوماً في لعبة البروباغندا.
مع تحوّل سوريا إلى قبلة للصحافة العالمية، وجد العجلاني نفسه وسط جوقة إعلاميّة كبيرة، نجح في توسيع علاقاته، وقدّم خدمات لعدد كبير من الصحافيين العرب والأجانب الذين زاروا سوريا، ما زاد من رصيده.
لم يقتصر نشاطه على دمشق وحدها، بل تجوَّل في عدّة محافظات سورية، مرافقاً تقدّم الجيش السوري، في ريف حمص، وحلب، ودير الزور حديثاً لينقل عبر أثير إذاعة «شام أف أم» السوريَّة آخر أنباء المعارك. كذلك اعتمدته جريدة «الوطن» السوريّة مراسلاً للأخبار الميدانيّة، فتعدّد نشاطه بين المسموع والمكتوب والمرئي، من دون أن يهمل متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك يقول أصدقاؤه: «لم يكن ثائر يمتهن الصحافة لكسب المال، فهو ابن عائلة مقتدرة ومكتفية، بل وكان عمله في مهنة المتاعب نابعاً عن شغفه بها».
تسلّم العجلاني حديثاً منصب «رئيس فرع الإعلام في الدفاع الوطني/ مركز دمشق»، كما تعاون مع عدّة وكالات ووسائل إعلام أبرزها «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» التي نعته كموفد لها. ويوضح أحد أصدقائه أنّ الراحل «باع القناة اللبنانيّة تسجيلات لمعارك منذ مدّة طويلة»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّه «لم يكن منغلقاً، بل كان وسطياً يتمتع بعلاقات جيّدة مع مختلف أطياف المجتمع السوري»، مشيراً إلى قيام عدّة شخصيّات معارضة بنعيه شهيداً.
الصحافي السوري ماهر المونس، زميل العجلاني في إذاعة «شام أف أم» وأحد أصدقائه المقرَّبين، اكتفى بوصف صديقه الشهيد بأنه كان «صحافي الشارع، العفوي المبتسم، صديق الجميع».
غادر العجلاني تاركاً وراءه ثلاث محاولات لأفلام تسجيلية، مئات الأخبار والتقارير المصورة، وآلاف الصور، إضافة إلى آلاف المحبِّين في الوسط الإعلامي السوري، وآلاف المعزّين على مواقع التواصل الاجتماعي التي غصت بصوره وباقتباسات مما كان يكتبه، خصوصاً جملته الشهيرة «نحن خلقنا لنبتسم». صفحته على موقع «فايسبوك» حملت اسم «ثائر من دمشق» وضمت نحو 34 ألف معجب. وتعود آخر رسالة نشرها العجلاني عبر الصفحة إلى فجر أمس الاثنين، وكتب فيها «صليات صاروخية ينفذها الجيش السوري الآن تجاه مواقع فيلق الرحمن شرق العاصمة دمشق». نعته إذاعة «شام أف أم» شهيداً جديداً في كوكبة شهداء الإعلام السوري، وقالت في بيان لها «لطالما نام ثائر على جبهات جوبر ينتظر إعلان تحريرها، واليوم... نام فيها إلى الأبد».
علاء حلبي- السفير

 

صلية ثائر الأخيرة
يوم اندلاع الحرب السورية، كان الإعلام الرسمي مادة للتندّر الداخلي والخارجي. محاولات عدّة لمنافسة «الإعلامي المعادي» باءت بالفشل. ظهرت تلفزيونات وصُرفت الملايين، لكن بقي معظم المواطنين في انتظار رسالة من قريب أو صديق في مكان «الحدث».
ثائر العجلاني هو هذا «الصديق» الذي لم يكن أحد ينتظره. حمل كاميراته وانسلّ خفيفاً بين تعقيدات العمل الإعلامي ليوصل الخبر.

ليوصله إلى الجميع، دونما تمييز أو حسابات أو خلفيّات، كما يفعل الأصدقاء في قلب الأتون مع أصدقائهم البعيدين نسبياً. لقد أحسّ بحاجة ماسة إلى أن يشهد: أليس ذلك «الإحساس»، أليست تلك «الحاسة»، ما يميّز الصحافي، ويحدد مهنة الصحافة؟ الصديق والشاهد إذاً، أحس بالحاجة إلى أن يروي... بفيديو قصير، بـ«ستاتوس»، أو مقال. لم ينتظر شاشة لتعرض أو جريدة لتنشر. حمل صدقيّته بالصوت والصورة. يوم معارك مطار دير الزور حطّ على متن مروحية في حرم المطار المحاصر. لقطات قليلة عرّفت الناس على الوقائع. لم ننتظر «مرصد» رامي عبد الرحمن، أو عودة شبكة الاتصالات المقطوعة، كي نعرف، كي نرى ماذا يجري هناك...
لم تسعه الصحف والإذاعات والعالم الافتراضي. يتصلّ من الشام سائلاً عن مادة يريدها في صحيفة«الأخبار»، لـ«تأخذ حقها».

فقرة يومية على إذاعة «شام اف ام»، ومقالات في صحيفة «الوطن» المحلية ومواقع مختلفة... آلاف المتابعين على فيسبوك. لم يعرف المكاتب. كان واقعياً في تهوّره وشجاعته. «كيف نردّ على خبر قناة الجزيرة الكاذب» سأل نفسه مرة، ليجيب: بصورة من «موقِع الكِذبة».
صليات ثائر العجلاني في الميدان لا حصر، ولا حدّ لها. من جبهة إلى جبهة، ومن منبر إلى منبر. رمى، وهو ابن «الإعلام الحربي» كما يعرّف عن نفسه، في غير مكان. لم يكن يتوقّع أنّ «صليات» العدو تصيب أيضاً.

إن كان من تحية يمكن أن نوجّهها لزميلنا الذي استشهد أمس في الميدان، على أرض المعركة، فقد تكون باستخلاص العبرة من مسيرته القصيرة، وبتعلّم الدرس الذي أعطانا إيّاه. ناصر وطنه وجيشه من موقع الوضوح... وكان أميناً لشعبه، إذ بذل كل جهده كي يعطيه ما يحتاج إليه أكثر من الرغيف: الحقيقة.
«مدرسة ثائر» لم تنتظر ورقة من تحت إلى فوق ثم بالعكس ليصدر «الخبر المقتضب» (الذي سيسرّب لاحقاً). من يريد مناصراً حقيقياً فليُدخله المعركة، بانتصاراتها وفشلها. خمدت فوهة ثائر، وهي مشتعلة عند أصدقاء من «المدرسة» ذاتها... فالتحية إلى إياد وعمر وإخوانهما... والرحمة لثائر.

إيلي حنا- الأخبار

 

ثائر.. صبّحناكم بالأمل يا سادة
ها هو وجهك الدافئ يغمض على آخر خبر لك... وعنك.
صباحنا لم يعد اعتيادياً يا سادة، في رحيله. هذا المفتون بالسهر على مدينته الحبيبة في ليلها ونهارها، مات فداها، وفدانا.
صباحنا يا سادة كبلادنا.. طيب، كما كان يردد ثائر. هذه وصيته لنا، ووصاياه كثيرة وثقيلة، أكبر من العديد من المهزومين من رجالنا، وأرقى ممن يحاولون اغتيال حبيبته وشوارعها.
«وثق حربك». ثائر العجلاني من حي إلى حي، ومن مدينة إلى جبل وسهل. ليست حرباً، هي «حربك»، بما تعنيه من التصاق بك. حربك وليست حربه وحده. حربنا هذه يخوضها هذا «المراسل الحربي» الأكثر إقداماً على كل المحاور التي تحاصر الوطن، بالكاميرا والقلم. أينما التفت تجده، وتقاريره تحت زخات الرصاص ودوي الانفجارات.
ثم يأتينا بعبارة «صباحكم يا سادة»، وهو ينتظر الشهادة بأن يحلم بحياة أجمل لنا! يغفو بين طلقة وقذيفة، ويصحو على صورة ومشاهد للأمل. لولاك، ولولا رفاقك ممن ارتقوا معك وقبلك، ما كانت «باب توما» ولا «بــاب شرقي» و«حي الأمين» و«المزة» و«العباسـيين»...... لولاكم ما كنا.
لولاهم كلهم ما كنا. في الفجر، كنت تقول، انه «أحب الأوقات لتكون أرواح من رحلوا معنا، حدثوهم يا سادة أننا مستمرون في البقاء ببَأْس وتَعاظـم لتحيا هذه البلاد.. وإن رحلنا فرددوا لنا نفس الكلام تحيا بلادنا.. تحيا».
يا باعث الأمل لكل من كان يترقب «أخبارك»، كم نبياً مثلك عليه أن يأتينا برسالة مثلك ليزهر يقيننا بهذا الفجر، ولو متنا على صلبان المهنة؟
 تستطيب تراب الشام وكل ساكنيه يا ثائر، وها أنت من صليب عشق هذه المدينة إلى التراب تعود. ورسالتك السماوية تصل كالرصاص إلى رؤوسنا أن استفيقوا في هذا الفجر لان «لا أجمل من الحياة في هذه الأرض ولا أعبق من امرأة من هذه البلاد، ولا قبر أرحم من هذا التراب».
في صباحنا الأول من دونك سنقول مثلك: «صباحكم يا سادة، كبلادنا... طيب... صباحكم مشرق يا سادة».
وكأني بثائر يوحد هذه البلاد بمعجزة من دمه، ويردد الآن: هل أراك.. هل أراك.
بأمان الله يا ثائر. لم يقتلك الموت... أنت، من قبل، صرعته.


خليل حرب- السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...