نظام الحرير العالمي.. عدو الولايات المتحدة

15-07-2015

نظام الحرير العالمي.. عدو الولايات المتحدة

الجمل ـ مهدي داريوس ناظم رعيا ـ ترجمة رنده القاسم:
تحدث تحولات جيوسياسية أساسية في أوراسيا. و لو أن التاجر الفينيسي ماركو باولو و الباحث المغربي ابن بطوطه ، و هما الرحالان العظيمان في زمانهما، لا يزالان حيين لما صدقا كيفية تطور شبكات التجارة ، فأوراسيا اليوم تتحول إلى شبكة واسعة من الطرقات السريعة  و السكك الحديدية و المرافئ الضخمة و المطارات المتطورة.
"الارتباط المتبادل" هو اسم اللعبة التي تقودها بكين ، و رغم مشروع الصين الضخم الرامي إلى توحيد اقتصاديات أوراسيا، فان الصين لا تزال تواجه استياء أولئك الذين يسعون إلى تشويه صورة الجمهورية الشعبية و دورها القيادي. و إليكم المثال الأخير: فرغم وجود تقرير سنوي عن رمضان و عن القيود المفروضة على مسلمي الصين، شهدت هذه السنة وابلا من التقارير في وسائل الإعلام العالمية التي تدعي أن الصين منعت الصوم في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم ذات الغالبية المسلمة، هذا النوع من الحملات الإعلامية يعيد إلى الذاكرة الاحتجاجات التي نظمت في إقليم التبت المستقل و دوليا من أجل التشويش على الألعاب الأولمبية الصيفية في بكين.
وفقا  لتصريحات أدلى بها مسؤول صيني إلى المحقق الصحفي الباكستاني  ميان أبرار، و الذي أراد الوصول إلى جذور التقارير، فانه لا يوجد أي منع رسمي للصيام من قبل حكومة بكين. و في الواقع يؤكد دستور جمهورية الصين الشعبية  الذي وضع عام 1982 الأمر ، إذ ورد في المادة 36 من الفصل الثاني: "يتمتع مواطنو جمهورية الصين الشعبية بحرية المعتقدات الدينية,  و لا يمكن لأية منظمة حكومية أو شعبية أو أشخاص إكراه المواطنين على الإيمان ، أو عدم الإيمان، بأي دين، و لا يمكنهم التعصب تجاه المواطنين الذين يؤمنون، أو لا يؤمنون، بأي دين" كما ورد في المادة 36 من الفصل الثاني : "تحمي الدولة النشاطات الدينية العادية".
و قال مسؤولون محليون في شينجيانغ للصحفي الباكستاني أنه لم يتم فرض أي حظر كالذي ذكر، و في حديثه مع وزير الخارجية الصيني و اسمه محمد، قيل ل "أبرار" أن التقارير معلومات مضللة أو خاطئة لم تفهم كيفية عمل النظام السياسي في الجمهورية الشعبية. و بينما شرح محمد أنه تم ثني  طلاب المدارس الصغار عن الصوم بسبب القلق على نموهم، أشار إلى أن كل موظفي الحكومة أعضاء في الحزب الشيوعي الحاكم في الصين و الذي لا يتبع إيديولوجياً أي عقيدة، و لهذا تم تنبيههم إلى عدم الصيام في شينجيانغ.
و وفق طريقتهم المميزة في الرد، لم يلتفت الصينيون إلى الاتهامات، فهم منهمكون في التحرك قدما نحو تطوير طرق الحرير في البحر و الأرض و الجو. و يسافر المسؤولون الصينيون عبر أوراسيا لتوقيع اتفاقيات بنى تحتية.
على ساحل المحيط الهندي من المفترض أن يقوم الممر الاقتصادي  بين بنغلاديش و الصين و الهند و بورما بتنظيم طريق سريع ذي مسارات متعددة بين الصين و الهند. و إلى الشمال يتم ربط الصين ببحر البلطيق من سيبيريا، و إلى الشمال أكثر في القطب الشمالي، يقوم طريق بحر روسيا الشمالي ، و الذي يسير من بحر كارا إلى مضيق بايرنغ في المحيط الهادي، بالتوسع لتسهيل تجارة أوراسيا و التجارة العالمية و المتوقعة.
و إلى الغرب من الصين، تطور إيران و روسيا ممر النقل الشمالي الجنوبي من خليج فارس و خليج عمان جنوبا إلى  بحر قزوين و نهر فولغا شمالا. و جمهورية أذربيجان جزء من المشروع في بحر قزوين بينما الهند جزء من المشروع على الشواطئ الجنوبية لإيران. وستستخدم نيودلهي الأقسام الجنوبية من إيران من أجل وصول أفضل إلى روسيا و وسط آسيا. و في هذا السياق يتم إنشاء ممر نقل من المرفأ الهندي في مومباي الى مدينة أستراخان على ضفاف نهر فولغا من المرفأ الإيراني بندر عباس.
و وصف مدير مركز الأبحاث "Carnegie Moscow Center" ديمتري ترينين دور روسيا في هذه العملية على أن نمو "آسيا العظمى" و قال : "رؤية بوتين حول "أوروبا العظمى" من لشبونه الى فلاديفوستوك  و المؤلفة من الاتحاد الأوروبي و الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، قد استبدلت ب "آسيا العظمى" من شنغهاي إلى سانت بطرسبرغ". قد يبدو الأمر مثيرا و لكن الطريقين،  سواء أكان "أوروبا العظمى" من لشبونه الى فلاديفوستوك ، أو "آسيا العظمى" من شنغهاي الى سانت بطرسبرغ ، مرحلتان من أجل جمع أوراسيا.
طريق الحرير الجديد و الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لا يرتبطان  ببعضهما  فحسب، بل  يتقاربان و يتكافلان أيضا، إنهما يكملان بعضهما البعض و هما لا يتعلقان فقط بأوروبا و آسيا أو أوراسيا، بل يؤلفان طريق حرير يشمل كل زاوية في هذا الكوكب.
فطريق الحرير لا يمر بعملية تنشيط فقط، بل انه يخضع للعولمه ليصبح "نظام حرير عالمي".  و تتطور شبكات التجارة الدولية بحيث تذهب إلى ما هو أبعد من أوراسيا و إفريقيا، فأميركا اللاتينية و دول الكاريبي جزء من شبكات التجارة و النقل الدولية التي تطورها الصين. و يتطلع الصينيون إلى مشاريع أساسية للمساعدة على ربط دول أميركا اللاتينية مع بعضها البعض و مع أوراسيا. و إحدى هذه المغامرات مشروع سكة حديدية يربط البرازيل مع مرافئ بيرو على المحيط الهادي.
"نظام الحرير العالمي" الذي تفكر فيه الصين لا يحمل ذهنية الحدود و الكتل، فحتى الولايات المتحدة لها مكان في هذا النظام، في حال قرر صناع السياسة في واشنطن التعاون عوضا عن وضع العراقيل و إشعال النيران. و قد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه على هذا الأمر في المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ خلال الجلسة مكتملة الأعضاء في التاسع عشر من حزيران 2015.
و قد أخبر بوتين الوسيط الأميركي تشارلي روز أن موسكو و بكين تريدان شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة، و لكن الأخيرة لا تريد ذلك. و قال بوتين ل روز: "لقد انتهى الاتحاد السوفييتي، و انتهت معاهدة وارسو، بينما الناتو ليس موجودا فحسب ، بل و يتوسع أيضا. أنتم تقومون بذلك بينما نحن و الصين لا نخلق أية كتل، فنحن لا نملك ذهنية التكتل، إننا نحاول، و يبدو أننا ننجح، التفكير بشكل عالمي، لا نتشارك المسؤوليات فقط بل و نسعى أيضا للتوصل إلى حلول و تسويات مقبولة بشكل متبادل".
*آل سعود و روسيا:
كحال   الجنرالات و العمداء المصريون الذين قاموا في تموز 2013 بإبعاد الأخوان المسلمين عن السلطة، يبدو أن آل سعود يريدون تنويع علاقاتهم و امتلاك حرية الاختيار. و أيضا كحال الحكم العسكري المصري ، يبدو أن آل سعود يشعرون بأنهم تعرضوا للإهمال و الخيانه من قبل واشنطن.و هذا الشعور أدى إلى ما يبدو أنه بداية سياسة ارتباط مكثف مع روسيا انبثقت خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي.
بعد إبعاد مرسي عن السلطة ، بدأ التقارب بين موسكو و القاهرة، و سياسات مصر المتعلقة بسوريه بدأت بالتغيير بعد طرد مرسي و الأخوان المسلمين. و بينما رحبت السعودية بالإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر، أدت هذه الخطوة إلى توتر العلاقات بين مصر و تركيا.
الأموال المشتركة، التعاون الفضائي، الاتفاقيات النووية، الاستثمارات و اتفاقيات السلاح بين روسيا و السعودية كلها أمور يبدو أنها في مرحلة التطبيق.و العلاقة بين الرياض و موسكو قد تغدو في نهاية المطاف موازية لتلك التي تجمع تركيا مع إيران و روسيا حول القضايا الدولية. و رغم أن هناك اختلافات أساسية بين تركيا من جهة و طهران و موسكو من جهة أخرى حول سوريه، إلا أن هذا لم يؤثر على التعاون الاقتصادي و التجاري الوثيق بينهم .
*اليونان تتطلع نحو الشرق:
تتزايد النقاشات حول احتمال مغادرة اليونان لمنطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي أو كليهما معا. المفوضية الأوربية  و البنك المركزي الأوربي التابعان للاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي أكرهوا اليونان، بالرافعات الاقتصادية ،على  استخدام دينها القومي و أموال المساعدات الاجتماعية.و وفقا لأوامر الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي، انخفضت منح اليونان إلى النصف و تم تخصيص قطاع واسع من الدولة، و ضربت البطالة المجتمع اليوناني. و نتيجة لذلك دعت الحكومة اليونانية إلى استفتاء شعبي حول هذا الموضوع.
و شعرت المفوضية الأوربية بالاستياء حين طلب رئيس الوزراء اليوناني "أليكسيس تسيبراس" من البرلمان اليوناني التصويت لأجل استفتاء شعبي وطني حول مطالب الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي. و لم تقرر أثينيا إحالة القضية إلى مواطنيها عن طريق الاستفتاء فحسب، بل تتطلع اليونان أيضا بشكل متزايد شرقا نحو روسيا و شركائها. و كحال الحكومة الهنغارية، أثارت حكومة اليونان الدهشة باقترابها من روسيا التي أشارت بدورها إلى استعدادها مساعدة اليونان ، و تمت دعوة أثينيا من قبل الكرملين للانضمام إلى بنك بريكس الجديد للتنمية و الذي وضعه كل من البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب إفريقيا.
و خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي سيشكل ضربة نفسية قوية للكيان الدولي. و الدعوات للخروج من الاتحاد الأوروبي لا تأتي من اليونان وحدها، و لكن من دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي، إذ تشهد النمسا حركة متسارعة من أجل انسحاب فيينا من الاتحاد الأوروبي و الارتباط أكثر بروسيا و بقية العالم.
*نهاية احتكار حزب العدالة و التنمية في تركيا
أخيرا تم في تركيا تدمير سيطرة حزب العدالة و التنمية في الانتخابات البرلمانية، و بهذا ولت أيام احتكار الحزب للبرلمان التركي و بدأ الغموض السياسي يلوح في أفق أنقره.
هل يمكن أن تعمل "الفوضى الخلاقة" في تركيا؟  لقد تلوثت و  بقوة صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و حزب العدالة و التنمية قبل الانتخابات بسبب تهم الفساد و سلسلة من أعمال الشغب التي دفعت الحكومة التركية لإلقاء اللوم على قوى خارجية. و ليس سرا أن واشنطن لم تكن راضية عن الاتفاق الذي وقعه الرئيس أردوغان مع بوتين، فعوضا عن الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، قامت روسيا بعكس ذلك و اقتربت منها أكثر.
و الغموض السياسي الذي ينبثق في تركيا قد يعرض المشروع التركي الروسي للخطر، و في هذا السياق، من الجدير ذكره أن السعودية تعرضت لضغوط عبر إطلاق ما سمي برقيات السعودية في موقع ويكيليكس و ذلك عندما اتخذت الرياض خطوات و قامت، مثل تركيا، بالتقدم اقتصاديا و سياسيا نحو روسيا.فهل كان توقيت تسريب ويكيليكس صدفه؟ قد يكون هذا مثال عن كيفية استهداف و زعزعة استقرار الدول التي تقترب من روسيا.
قادت واشنطن ثلاث عمليات تصعيد عسكري منفصلة و لكنها متداخلة بنفس الوقت. فمع استخدام أوكرانيا كذريعة ، يتوسع الناتو نحو الشرق في أوروبا. و في جنوب روسيا و غرب إيران يستخدم وباء داعش لتشتيت الشرق الأوسط و السماح بعمليات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة هناك. و عند شواطئ المحيط الهادي الآسيوية ، تم تبرير عملية البنتاغون عن طريق تأجيج التوتر مع الصين في بحر جنوب الصين.
فمن سوريه إلى أوكرانيا لم يتم فقط خلق مناطق ممزقة حول الحلف الأوراسي الثلاثي الذي يضم روسيا و الصين و إيران، و لكن أيضا تم استهداف الحكومات التي تربطها علاقات جيدة معهم.
و خوفا من نظام الحرير العالمي متعدد الأقطاب ، تلاحق  واشنطن بسرعة مفاوضات اتفاقية التجارة عبر الأطلسي و شراكة الاستثمار و الشراكة عبر الأطلسي. و منح الكونغرس الأميركي الرئيس أوباما و إدارته السلطة لتسريع المفاوضات الرامية إلى إنشاء كتلتي تجارة تستبعدا الصين و روسيا. و للقيام بذلك تبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لفصل موسكو و بكين على التوالي عن جيرانهما في أوروبا و آسيا باستخدام القتال في أوكرانيا و التوترات في بحر الصين الجنوبي كذرائع.
إن خطر إشعال التوترات في نقاط عدة أمر حقيقي، و ساعة الصفر التي تمثل العد التنازلي لكارثة عالمية أصبحت قريبه أكثر مما كانت عليه خلال فترة الحرب الباردة.

عن موقع Global Research

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...