حلب على خطى درعا.. خلافات المسلحين وقوة الجيش تفشلان الهجوم

07-07-2015

حلب على خطى درعا.. خلافات المسلحين وقوة الجيش تفشلان الهجوم

منيت «عاصفة الجنوب» في درعا جنوب سوريا بفشل ذريع، كما دخلت معركة «تحرير حلب» على ما يبدو في نفق التعثّر والمراوحة في المكان، لينحسر بذلك «المدّ المعنوي» الهائل الذي فجّره في وقت سابق، التقدم السريع الذي حققه «جيش الفتح» في إدلب، وتنزوي معه أحلام استنساخه في مناطق أخرى.
وتسير حلب وفق السيناريو نفسه الذي سارت عليه درعا قبل حوالي أسبوعين، وأدّى إلى فشل الهجوم الذي شنته عشرات الفصائل المسلحة تحت مسمّى «عاصفة الجنوب».
وقد لعبت عوامل عدة في إفشال الهجوم، أهمها:
أولاً ـ الأهمية الإستراتيجية لمدينة درعا وقربها من العاصمة دمشق، الأمر الذي يجعل الجيش السوري يتعاطى معها بأسلوب مختلف عن تعاطيه مع مناطق أخرى لا تحظى بالأهمية الإستراتيجية نفسها كإدلب مثلاً.عناصر من الجيش السوري قرب جثة احد المسلحين في حلب امس الاول (ا ف ب)
ثانياً ـ قوة الجيش الموجودة في درعا تتألف من وحدات النخبة ذات القدرات القتالية العالية، مستندة في ذلك إلى تدريب حرفي متقن وإلى خبرات اكتسبتها من سنوات تمترسها خلف خطوط التماس في هذه المدينة.
ثالثاً ـ عدم اتفاق الفصائل المسلحة المعادية للجيش السوري على التوحد في ما بينها، وعجزها عن تشكيل «جيش فتح» كما حدث في إدلب، حيث انقسمت الفصائل إلى قسمين: أحدهما تابع إلى «غرفة عمليات الموك» والثاني تابع إلى تنظيم «القاعدة»، مع وجود حساسيات كبيرة لم تسمح بأي مستوى من التنسيق العسكري في الهجوم الأخير بينهما.
رابعاً ـ خلاف الفصائل عكس خلافاً إقليمياً، وهو ما تُرجم على الأرض عملياً بعدم وصول دعم كافٍ إلى الفصائل المسلحة بما فيها تلك التابعة إلى «الموك». بينما كانت نقطة القوة الجوهرية التي أتاحت لـ «جيش الفتح في إدلب» بسط سيطرته على المدينة هي وجود خطوط إمداد مفتوحة وفرت له كل ما يحتاج إليه من تسليح ودعم لوجستي.
وجميع هذه العوامل متوافرة في حالة حلب، لذلك من المرجح أن تكون نتيجة المعركة، التي أطلق عليها اسم «تحرير حلب»، هي الفشل أيضاً. فمدينة حلب تتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة، سواء سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، ووحدات الجيش المرابطة فيها هي من قوات النخبة، وأصبحت تمتلك خبرات عالية، بواقع المدينة القتالي ومتطلباته العسكرية وكيفية التعاطي معه بحرفية ومهنية. كما أن الخلافات بين الفصائل أدّت إلى انقسامها بين غرفتي عمليات: «غرفة عمليات فتح حلب»، وتضم حوالي ثلاثين فصيلاً، و «غرفة عمليات أنصار الشريعة» وتضم «جبهة النصرة» وحلفاءها «القاعديين». ومما لا شك فيه أن هذا الانقسام يعكس حالة ارتباك إقليمي ودولي تجاه طريقة التعاطي مع الجبهات السورية الكبيرة، مثل حلب ومن قبلها درعا.
والخلاف بين «غرفة فتح حلب» و «غرفة أنصار الشريعة» ليس خلافاً سطحياً يمكن تجاوزه بسهولة، فهو خلاف منهجي ومصلحي، لا حل له إلا بخضوع أحد الطرفين للآخر، وهو ما يبدو حصوله مستبعداً في هذه المرحلة على الأقل. كما أنه ليس خلافاً جديداً، بل هو خلاف قديم متراكم منذ سنوات عدة. وربما كان ضبط هذا الخلاف وحصره ضمن حدود معينة في الفترة الماضية ممكناً نتيجة التطورات الميدانية التي كانت تستدعي تعاون الفصائل مع بعضها. أما وقد وصل الأمر إلى لحظة «تحرير حلب»، بما يعنيه ذلك من السيطرة على العاصمة الاقتصادية، وبحر الغنائم الذي يمكن أن يقلب الفصائل التي تسيطر عليه من حال إلى حال، فإن ضبط الخلاف لم يعد يقنع أحداً من هذه الفصائل.
واتخذ الخلاف الذي مرّ بمراحل عدة من التطور والتصعيد، صورة الاختلاف على طريقة إدارة المدينة بعد السيطرة عليها. فغرفة «فتح حلب» تسعى إلى «إدارة مدنية» وتسليم المناصب إلى «المجالس المحلية» والكفاءات المعتبرة. وهو ما تتخوف «جبهة النصرة» من أن يكون وسيلة لتسليم المدينة إلى «الائتلاف السوري» المعارض، لذلك لم تخف رغبتها في تسليم إدارة المدينة إلى «الإدارة العامة للخدمات» التي أسستها منذ حوالي سنتين، وحاولت إكسابها شعبية من خلال بعض الأعمال التي كانت تقوم بها.
وقد كان هذا الخلاف هو السبب الرئيسي الذي منع «جبهة النصرة» من الانضمام إلى «غرفة عمليات فتح حلب» رغم المفاوضات الطويلة التي جرت بين الطرفين. ومن الواضح أن تسمية الغرفة، التي انفردت بها مع حلفائها «القاعديين» بـ «غرفة أنصار الشريعة» جاء ردّاً على مطلب «الإدارة المدنية»، وتأكيداً من قبلها بأن المطلب هو تطبيق الشريعة الإسلامية وحسب، وهو ما يؤكد أن الخلاف بين الطرفين عميق لدرجة الاستعصاء، ولا يمكن أن يجد طريقه إلى الحل في القريب العاجل. وقد كان الكمين المحكم الذي تعرض له العشرات من مسلحي الفصائل في أحد مباني جمعية الزهراء، وسقط بسببه عشرات القتلى بينهم قيادات، مؤشراً مهماً إلى أن الخلاف أدّى في ما أدّى إليه إلى انعدام التنسيق العسكري بين غرفتي العمليات، وهو ما عززه تبادل الاتهامات بين الطرفين بالتخاذل والخيانة.
والغريب أن بعض الفصائل مثل «حركة أحرار الشام» تشارك في كلّ من «غرفة فتح حلب» و «غرفة أنصار الشريعة» بالرغم من الاختلاف الجوهري بين الغرفتين، فهل هي محاولة من «أحرار الشام» للعب دور وسيط بين قيادتي الغرفتين في حال تدهورت العلاقة بينهما أكثر مما تتحمله الساحة، أم هي استمرار لحالة الانفصام التي تعاني منها الحركة نتيجة التنافس بين تيارين داخلها: تيار قريب من «القاعدة» وآخر يريد الابتعاد عنها؟

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...