«التظاهرات» سلاح الفصائل ضد بعضها البعض

01-07-2015

«التظاهرات» سلاح الفصائل ضد بعضها البعض

لدى المواطنين السوريين المقيمين في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة أكثر من سبب للتظاهر ضد ممارسات هذه الفصائل التي لا تتوافق مع عادات وأعراف الشعب السوري، وهو ما حدث من قبل، وما زال يحدث بشكل شبه يومي، ولكن برزت في الفترة الماضية ظاهرة جديدة، هي تحول التظاهرات والتظاهرات المضادة إلى سلاح تستعمله قيادات الفصائل ضد بعضها البعض، ما دامت الظروف لا تسمح بالاقتتال المباشر.
وقد اعتاد المواطنون في الغوطة الشرقية في ريف دمشق الخروج في تظاهرات ضد «جيش الإسلام» و «القيادة الموحدة»، للمطالبة بلقمة العيش وإطلاق سراح أبنائهم من معتقلات «التوبة» التي تعجّ بالمئات منهم، وذلك بعد أن احتكر المسلحون مستودعات الأغذية لأنفسهم، ووصلت أسعار المواد في الأسواق إلى أرقام خيالية لا يقوى معظم الأهالي على دفعها، ما أدى إلى انتشار الفقر المدقع.
وما زاد الطين بلّة اعتماد زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش وحاشيته مبدأ «القبضة الحديدية» في إدارة مناطق سيطرتهم في الغوطة، واستعمال كل الأساليب الممكنة في القمع والتنكيل، سواء ضد الأهالي أو ضد الفصائل التي تتمرد على قراراتهم، كما حدث مع «جيش الأمة» قبل أشهر عدة، فامتلأت السجون بالمعتقلين حيث يمارس بحقهم أشد أنواع التعذيب من دون تمييز بين عسكري أو مدني أو ناشط إعلامي.
وطالما دفع هذا الواقع المؤلم أهالي الغوطة إلى التظاهر ضد زهران علوش، والمطالبة بأبسط حقوقهم، وهي لقمة العيش، حتى وصل بهم الأمر في إحدى المرات إلى محاولة اقتحام مستودعات الأغذية في مدينة دوما، غير آبهين بالرصاص المنهمر عليهم من قبل حراس المستودعات المدججين بالسلاح.
غير أن التظاهرات التي خرجت خلال الأيام السابقة في بعض مدن الغوطة، مثل مسرابا وعربين وغيرها، ورغم أنها رفعت الشعارات نفسها المتعلقة بالوضع المعيشي وإطلاق سراح المعتقلين، إلا أن توقيت هذه التظاهرات يشير إلى وجود جهة تحاول التحريض عليها، وحشد الأهالي للخروج فيها، والهدف ليس تأمين لقمة العيش أو تحقيق الحرية، وإنما استغلال حاجة الناس والركوب على معاناتهم من أجل تحقيق نقاط في معركة النفوذ المحتدمة فوق الغوطة بين الفصائل بعضها بالبعض الآخر.
وتؤكد مصادر متقاطعة من داخل الغوطة أن «جبهة النصرة» هي الجهة التي تقف وراء تحريض المواطنين على افتعال هذه التظاهرات. وثمة شهادات بأن قيادات منها قامت بدور «القاشوش» في بعض التظاهرات، في محاولة لتوجيهها نحو مسار يخدم أهدافها، وتجلى ذلك عندما اقتحمت إحدى التظاهرات منزل قائد «فيلق الرحمن» عبد الناصر شمير «أبو النصر» واعتقلته في مبنى «المحكمة الشرعية» لساعات عدة تعرض خلالها للضرب والإهانة.
وتتلخص هذه الأهداف في محاولة منع زهران علوش من إحكام هيمنته على الغوطة، وابتلاع ما تبقى من فصائل خارجة عن سيطرته، وعلى رأسها «النصرة» و «أحرار الشام». وقد بدأ الأمر بمطالبة «جبهة النصرة» بتشكيل «جيش الفتح في الغوطة الشرقية» في مسعى منها للالتفاف على «القيادة الموحدة» التي يمسك علوش زمامها بقبضة حديدية، غير أن الرفض الذي قوبل به هذا الطلب دفع «جبهة النصرة» إلى استغلال حاجة الناس ومعاناتهم لاستغلالهما في الضغط على علوش، ومحاولة إجباره على التنسيق معها.
وتسود أجواء من التوتر في الغوطة جراء هذه الأحداث، لا سيما أن «القيادة الموحدة» عمدت إلى إطلاق حملة مداهمات ضد أنصار «جبهة النصرة»، واعتقلت العشرات منهم، في حين تعرض القيادي في «جيش الإسلام» أبو النور سرابا إلى محاولة اغتيال، وهو ما يشي بأن الغوطة قد تشهد فصلاً جديداً من فصول الصراع الذي لا يتعدى كونه انعكاسا للصراع بين بعض الدول الإقليمية، إذ من المعروف إن السعودية أنشأت «جيش الإسلام» ومولته وسلحته وحاولت الحفاظ على كامل قوته من خلال منعه من خوض معارك كبيرة من شأنها أن تستنزفه، وهو ما تجلى في سمعة هذا الجيش بأنه «ملك الانسحابات التكتيكية». وكل ذلك ليكون علوش و «جيشه» الذراع التي تضمن هيمنة الرياض على العاصمة دمشق في حال سقوط النظام السوري.
وفي المقابل، يسعى المحور القطري ـ التركي إلى الإبقاء على أدوات بإمكانه استخدامها في محيط دمشق، لعرقلة المخطط السعودي وتضمن له حصة عند تقاسم الغنائم، وهو ما يقوم به هذا المحور، من خلال «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» التي حصلت في الأسابيع الماضية على «بيعات» عدة من بعض فصائل الغوطة، رغماً عن قرار «القضاء الموحد» بمنعها من العمل في الغوطة بعد انفصالها عن «فيلق الرحمن».
لكن ما تخطط له «جبهة النصرة» في الغوطة الشرقية، هناك من ينفذه ضدها في ريف إدلب، الذي شهدت مدنه وبلداته خروج العديد من التظاهرات المطالبة بخروج عناصر «النصرة» منها.
وأهم هذه التظاهرات تلك التي خرجت في مدينة سلقين، وتعرضت لإطلاق نار غزير من قبل مسلحي «جبهة النصرة»، فسقط قتلى وجرحى بين المتظاهرين. وتم توثيق إطلاق النار في مقاطع فيديو نشرت على الشبكة العنكبوتية، وهو ما رفع منسوب الاحتقان في المدينة إلى حده الأقصى، حيث حدد الأهالي مهلة أربع وعشرين ساعة تنتهي اليوم، كي تقوم «النصرة» بإخلاء مقارها في المدينة وإخراج جميع عناصرها منها، تحت طائلة اللجوء إلى القوة.
وقالت «تنسيقية سلقين»، في بيان نشرته أمس، إن «جبهة النصرة منذ سيطرتها على المدينة ترفض طلبات الأهالي المقدمة إليها»، وأبرزها «تشكيل محكمة شرعية موحدة وإدارة المدينة بالاشتراك مع القوى الثورية الأخرى، والسعي للمصالحة مع عناصر جبهة ثوار سوريا الهاربين إلى تركيا»، وهو ما لم يحدث بحسب التنسيقية.
وشاعت أنباء بأن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني أصدر قراراً منذ أشهر عدة بعدم محاكمة عناصر «ثوار سوريا» في حال عودتهم من تركيا إلى منازلهم، لكن القرار لم ينفذ، ما ترك تساؤلات لدى الأهالي هل الجولاني غير مطاع في جماعته، أم الأمر لا يتعدى كونه توزيع أدوار فقط!

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...