السعودية في مهب رياح العصيان الشيعي

15-06-2015

السعودية في مهب رياح العصيان الشيعي

الجمل ـ *دكتور بيتر ليفوف ـ ترجمة رنده القاسم:
في الثالث من حزيران تعرضت العاصمة اليمنية لغارة جوية ضخمة جديدة من قبل تحالف العرب. بعد هذا الهجوم الاستهلالي ، استؤنف القصف الجوي النظامي و بنفس القسوة.و نحن نتحدث عن عشرات الهجمات على صنعاء و مدن و مناطق أخرى. و مؤخرا أضحى إيصال المساعدات إنسانية إلى اليمن مهمة صعبة بسبب القتال الجاري. و يسعى الحوثيون للتفاوض من أجل هدنة جديدة للاحتفال ببدء شهر رمضان، المقدس لدى جميع المسلمين،  من دون أسلحة في أيديهم.
و بنفس الوقت تجري محاولات من قبل قوات التحالف لأجل استخدام وسائل سياسية و دبلوماسية لحل الصراع، و يبدو بأنها دون أدنى ضغط من قبل الولايات المتحدة. و قد صدرت سلسلة من التصريحات على لسان الرئيس "المنفي" تشير إلى نيته التوصل إلى تسوية مع خصومه. و من اللافت للنظر أن عبد ربه منصور هادي الذي هرب  إلى السعودية رفض عقد مؤتمر دولي حول اليمن في جينيف الثامن و العشرين من أيار، لأنه كان يرفض أية مناقشات مع المتمردين، ثم و بشكل رسمي رحب منصور هادي بأي شكل من المفاوضات، و لكن مطالبه غير مقبولة نهائيا بالنسبة للحوثيين و حليفهم علي عبد الله صالح. و الآن ، بعد أن تخلى عن إستراتيجيته العقيمة في البحث عن تسويه، يبدو أن منصور هادي قد غير موقفه بعد لقائه في الرياض مع إسماعيل ولد شيخ أحمد، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.
و في الحقيقة الوضع برمته متأثر بالمفاوضات الأولى المباشرة التي جرت بين مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى  آن باترسون و الحوثيين، و التي عقدت في عاصمة عمان. و ركزت النقاشات حول الطرق الممكنة للخروج من الأزمة و عن تحرير مواطنين أميركيين وقعوا أسرى بيد الحوثيين. و مباشرة ، بعد هذا اللقاء أطلق المتمردون اليمنيون الصحفي الأميركي المستقل" كاسي كومبس"  . كما و التقت باترسون مع ممثلين عن نظام آل سعود لتأكيد حقيقة أن  واشنطن لا ترى أي حل آخر للأزمة اليمنية سوى الحل السياسي.
من الواضح أن الولايات المتحدة تريد لعب دور في سير الصراع و نتائجه بالتفاوض مع الجانبين، غير أن قدرتها في التأثير على سياسات السعودية مقيدة الآن و بحدة بموقف الملك الجديد سلمان. تحالف الدول العربية الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد فشل بشكل أساسي في إحراز أي نجاح في أرض المعركة بقصف مواقع للحوثيين، بينما تم إلغاء عملية عسكرية أرضية واسعة النطاق لأسباب سياسية عديدة ، و قبل أي شيء بسبب عدم قدرة السعودية خوض حروب مباشرة .
في الثالث من حزيران استهلت روسيا جلسة غير عادية لمجلس الأمن من أجل نقاش الوضع في اليمن، و قبل الاجتماع، حث أعضاء المجلس كل الأطراف المتورطة في الصراع على إنشاء ممرات إنسانية لإيصال المساعدات اللازمة إلى السكان المتأثرين بالصراع. و إضافة إلى ذلك، أكد أعضاء من مجلس الأمن الحاجة لمشاركة جميع الأطراف المعنية في الحوار السياسي دون المزيد من اللغط.
لا بد أن السلطات السعودية أدركت بأن دعمها للمنصور هادي لن يضمن لها أية فوائد مباشرة ، بينما أثبت  الحوثيون قدرتهم على التسلل إلى  الأراضي السعودية و القيام بهجمات مضادة بذريعة تحرير أراض "محتلة" ، هي في الواقع موضوع اختلاف. أضف إلى أن الوضع في السعودية نفسها كئيب للغاية: إذ  شنت الدولة الإسلامية هجومين إرهابيين على الإقليم الشرقي ضد مجموعات محلية شيعية. و قام بالتفجيرات فروع محلية عن داعش، تعمل ضمن الأراضي السعودية و ليست جزءا من العراق. هذه الهجمات أثارت تمردا شيعيا في السعودية يهدف إلى إعلان دولة القطيف و الأحساء.
في التاسع و العشرين من أيار 2015 هز انفجار مسجدا شيعيا في مدينة الدمام أودى بحياة ثلاثة مدنيين،و خلف الكثير من الجرحى. الفرع المحلي من الدولة الإسلامية لم يقم فقط بالاعتراف ببساطة بمسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، و لكنه حث أيضا "المؤمنين" على تطهير أرض السعودية من الشيعة و "الكفرة" السعوديين على حد سواء.
و ردت المجموعات الشيعية على الهجمات بالشكل الذي يمكن للمرء توقعه. فهذه  الأعمال الإرهابية تعتبر نتيجة لحملات البروبوغندا الدينية السعودية التي تشن منذ عقود.  و لهذا لم يحتج الشيعة ضد الدولة الإسلامية ، التي تنفذ المشروع السياسي الوهابي السلفي الذي أنشأته المملكة العربية السعودية، و لكن عوضا عن ذلك وجهوا غضبهم ضد السعوديين الحاكمين من أجل خلق دولة شيعية في السعودية. و ربما يتمكن الكفاح المسلح من وضع خريطة جديدة للسعودية من دون السعوديين،بحيث تضم دولة الأحساء و القطيف، و هذا الكيان وفق مشروع دولة الشيعة لن يشمل فقط أراضي الإقليم الشرقي من المملكة العربية السعودية، و إنما أيضا الإمارات العربية المتحدة و قطر و عمان.
يجب أن تتخذ الرياض الآن بعض الخطوات الطارئة، إذ أن إثارة حرب ضد الشيعة في سوريه و العراق و اليمن شيء، و قمع العصيان الشيعي في الداخل شيء آخر على خلفية التوسع العدواني للدولة الإسلامية . كل هذه التطورات يمكن أن تؤدي بسهولة إلى تدمير دولة تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية.

 


*دكتور روسي مختص بالعلوم السياسية

عن موقع New Eastern Outlook

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...