«الملك لير» في دمشق

15-06-2015

«الملك لير» في دمشق

مرات عديدة فقد بعض الحاضرين أعصابهم وهم يتابعون مسرحية «الملك لير ـ مسرح الحمراء ـ 13 ـ 17 حزيران»؛ إذ انبرى مخرج معروف إلى الصراخ على الجمهورـ أغلبيته من زملاء وأهالي الممثلين والطلاب: «يك في.. اصمتوا.. اصمتوا.. لماذا تصفقّون، للملل؟». حيث درجت العادة في عروض التخرج لطلاب التمثيل؛ أن يكون عرضاً مفتوحاً لمختلف شرائح الجمهور والمهتمين؛ فلا يقتصر على حضور أساتذة المعهد وطلابه، كما هو الحال في عروض طلاب السنة الأولى والثانية والثالثة في معهد المسرح الدمشقي.
ربما فقدان المخرج المعروف لأعصابه بهذه الطريقة؛ لم يأتِ من فراغ؛ فصالة الحمراء امتلأت عن آخرها بما يشبه «الوشيشة» ومجموعات التصفيق المصنّع؛ والتي عملت طيلة فترة العرض الذي أخرجه الفنان فؤاد حسن؛ على كيل رشقات التصفير والتصفيق وصيحات الـ»برافو» مستمرة لكل ممثل باسمه؛ على نحو: «برافو لجين إسماعيل ـ لعب دور لير» و «برافو توليب حمودة - لعبت دور كورديليا».
إلى آخره من الصيحات التي لم تنقطع طيلة فترة العرض الذي استمر لساعتين من الزمن؛ بطيئاً ثقيلاً وفق إيقاع رتيب وممل؛ فلا قوة المأساة الشكسبيرية التي كتبها الشاعر الإنكليزي عام 1608 كانت اختياراً صحيحاً لمجموعة من طلاب متواضعي الإمكانيات والقدرات الصوتية والجسمانية؛ ولا هي ساهمت في إعادة الألق لعروض تخرج المسرحيين الجدد؛ والتي طارت سمعتها منذ تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1976؛ فكانت مع الزمن موعداً سنوياً لاكتشاف مواهب فذة؛ وفرصة لمخرجي السينما والتلفزيون لانتقاء وجوه جديدة وإطلاقها في عالم الشهرة؛ لاسيما تلك العروض التي أشرف عليها كل من نائلة الأطرش ومانويل جيجي وغسان مسعود وفايز قزق وسامر عمران وآخرين.
«الملك لير» سقط هو الآخر في امتحان التمثيل السوري؛ جاعلاً من فجيعته بابنتيه الوسطى والكبرى وتنكرهما له وصهريه، مادة لمسخرة شخصيات شكسبير الشعرية التي نحت هنا وبشكل نهائي إلى أسلوب « الغروتيسك»؛ فذهبت إلى التواطؤ بين الشخصيات بعضها البعض مع القسوة والمرح وتسويغهما كشكل نهائي للعرض؛ مبتعدةً بذلك عن شعرية النص المكتوب؛ ومهملة على هذا النحو العالم الداخلي لكل شخصية من شخصيات التراجيديا المعروفة؛ تاركةً البون واسعاً بين «أنا الممثل الخالقة» و «أنا الشخصية» التي يبتكرها ويعيشها هذا الممثل على الخشبة. بدا ذلك بجلاء من انعدام التلوين في أداء الممثلين ـ الطلبة؛ وافتقارهم إلى تبني شخصيات بدت هي الأخرى أكبر بكثير من قدرتهم على تجسيدها؛ إلا أن ما يشفع لهؤلاء هي شجاعتهم وأستاذهم المشرف؛ على التصدي لهذا النوع من النصوص المعقّدة، والتي أقر الكثيرون بصعوبة تطويعها على الخشبة؛ لما فيها من طاقة شعرية في تركيبة شخصياتها؛ وكثافتها كمسرحية أخلاقية وغموض مراميها الوجودية ومقاصدها عن عبثية حياة الإنسان وعلاقته اللاهية مع السُلطة والكون وتقرير المصير.
مغامرة حدثت على مستوى آخر من العمل تجسدت في الديكور الذي صممه مخرج العرض بنفسه؛ فيما نفّذه الفنان محمد وحيد قزق عبر كتلة كبيرة من الأقمشة البيضاء المرفوعة بالأسلاك؛ مراهناً بذلك على تمويه المكان والزمان لأحداث المسرحية الأسطورية. بياض أبدي جعل من شخصيات العرض مثالاً دامغاً على خلود مشاعر الإنسان وأزلية مطامعه وتشابهها في كل زمان ومكان يقيض له أن يوجد فيهما؛ عليلاً بالشر وحب العنف؛ متمرغاً أبداً بالخطيئة وحب السطوة، والنفاق الاجتماعي والجحود والخيانة حتى لأقرب الناس إليه.
خيانة جعلت من مشهد النهاية في «الملك لير» حاملاً جثة ابنته الصغرى؛ نموذجاً دامغاً على ما سيصيبه الطيبون والبهاليل من جنون وعمى وموت في آخر المطاف؛ فكيف إذا كان هذا المصير بالتعويض عن «عاصفة لير» بعواصف من التصفيق كل خمس دقائق مرة؟


 سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...