الآثار السورية: نداءات دولية.. ولا جواب

29-05-2015

الآثار السورية: نداءات دولية.. ولا جواب

أثناء تمشيط الجيش السوري لحقل شاعر للغاز في ريف حمص، وبعد طرد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» منه، منذ أشهر مضت، عثرت إحدى وحدات الجيش على صندوق قديم، تبين أنه كنز ثمين، يضم 1600 قطعة فضة مسبوكة للتعامل المالي، تعود إلى فترة الملكة زنوبيا (240 ـ 274 م.).
كانت الصدفة التي قادت الى الكنز التدمري، مؤشراً جديداً على ثراء الأرض السورية بالكنوز الأثرية، التي قد توجد في مناطق لا تخطر في البال.
هذا المؤشر، يقود مئات المجرمين في أنحاء سوريا، التي خرجت عن سيطرة الدولة ورقابتها، الى التنقيب السري والعلني، تحت حماية سلاح الميليشيات عن آثار متنوعة، تباع بأسعار زهيدة أولاً، ومن بعدها بأسعار تليق بقيمتها، لتختفي عن الأعين.صورة وزعتها "سانا" أمس الأول لثلاثة أجراس تاريخية تمّت إعادتها الى كنيسة في معلولا بعد أن سرقها المسلحون (ا ف ب)
ويسخر مدير عام مديرية الآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم، من صفحة انتشرت مؤخراً على «فايسبوك»، تدَّعي «بيع آثار سوريا» عبر وسيط موجود في تركيا.
ويقول عبد الكريم، ، إن غالبية ما تمّ عرضه من صور على الصفحة «مزوّر وبطريقة بدائية»، موضحاً أن «التزوير واضح للعيان، كما هي الحال بالنسبة الى المصاحف والأناجيل التي يفترض أنها معتقة، وقد قبض الأمن الجنائي في دمشق مؤخراً على عصابة تقوم بهذا العمل».
وبالرغم من أن عبد الكريم لم ينفِ إمكانية احتمال وجود 20 في المئة مما هو معروض صحيح الأثر «إلا أن مهمة هذه الكمية الأصلية الضئيلة، إن صحّ أثرها، هو بيع الكمية المزورة على طريقة التجار التقليدية». واستعرض صور الصفحة، مشيراً إلى أن طريقة العمل (أي التزوير) «بدائية وعمل هواة»، لكن من دون أن يقلل من خطورة المبادرة باعتبارها «جريمة دولية، تستدعي الاتصال مع الإنتربول، لأنها مخالفة للمواثيق الدولية كما لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بتهريب الآثار في سوريا وغيرها»، ويخشى من تقليدها «للتحوّل إلى فكرة تجارة عامة».
وطبعاً تكمن إحدى أكبر المشاكل، كما هي على المستوى السياسي والعسكري بـ «انعدام التعاون التركي» مع أية مبادرة أو إنذار من هذا النوع.
وتختار الصفحة على «فايسبوك» لنفسها عنواناً في تركيا، وتمنح الراغبين في الانجرار لعمليات البيع أرقام اتصال تركية للتواصل، عبر رسائل تبعث على صندوق بريد الصفحة الخاص.
«ثمة صور تحتاج للمعاينة، وأخرى يمكن سريعاً القول إنها مزورة ولا قيمة لها»، يضيف عبد الكريم، مشيراً إلى أن الجداريات الفسيفسائية تحتاج إلى معاينة، لأنها منتشرة بكثرة في مواقع البلاد الشمالية الشرقية، والتي تعرّضت لنهب وتخريب كبير، كما هو حال السيوف، التي يمكن تعتيقها ببساطة كيميائياً، ولكن هذا لا يمنع وجود سيوف عمرها مئة عام أو أكثر سرقت من حلب القديمة المدمّرة.
ويشكر عبد الكريم الله على أن قلعة حلب ما زالت «مقارنة بالدمار الكبير الذي حولها، بخير وبحالة جيدة نسبياً، مع أضرار محدودة على الثكنة العثمانية (للمفارقة هنا) والباب الرئيسي». وتشكل حلب ثلث خزان الآثار السورية المتضررة.
ويأسف أن «أحداً لا يستمع حين نكرر النداءات»، مذكراً بنداءات تتكرّر كل عام لا تجد صدى، آخرها نداء تدمر منذ أيام، مع دخول «داعش» المدينة الأثرية.
ووفقاً لإحصائيات المديرية، والتي تستند على ملاحظات السكان المحليين في مناطق النزاع، فإن ثمة 750 موقعاً أثرياً متضرراً في سوريا، من بين 10 آلاف موقع، وثلث المواقع المتضررة في حلب بالطبع، بينها 260 في الأسواق التي احترق ألف محل تجاري فيها، وتأذَّى بمستويات مختلفة 140 موقعاً فيها أيضاً.
لكن برغم حالة الإحباط، هذه، ما زالت المديرية تدفع رواتب الموظفين والمتعاونين وصولاً لحراس التلال الأثرية المبعثرة هنا وهناك، برغم أن بعضها صار أثراً بعد عين.
ويقول مدير الآثار السورية إن هذا يعود لسببين، الأول «يتعلق بواجبات الدولة»، والثاني لأن «هؤلاء يشكلون قناة المتابعة الوحيدة المتوفرة لمعاينة الأضرار وأحوال بعض المناطق».
ويحصل بعضهم على رواتب لم تتوقف من بعثات أجنبية تركت معاولها وأدوات قياسها المختلفة في غرف صغيرة منعزلة، مغلقة بباب حديد رقيق، منذ أربعة أعوام على الأقل.
مدة طويلة، من الصعب بعدها إحصاء الضرر «المالي والمادي» على الكنوز الأثرية السورية، وإن كانت «الجهود لا تتوقف. وسبق للشرطة المحلية أن أعادت 6300 قطعة خلال السنوات التي مضت»، مشيراً إلى أن «الدولة الوحيدة على الإطلاق التي تعاونت مع سوريا في هذا المجال كانت الدولة اللبنانية»، وأن «موقفها ووعيها كانا مثاليين ومنسجمَين مع أخلاقيات ومبادئ التعاون الثقافي» بين بلدَين جارَين، فأثمر هذا التعاون عن استعادة 90 قطعة أثرية مسروقة على الأقل، وهو رقم يمكن أن يتضاعف عشرات المرات إن وجدت دول أخرى تمارس دوراً شبيهاً.
ويعرف عبد الكريم جيداً أن الصفقات الكبرى في تهريب الآثار لا تجري عبر «فايسبوك» ولا عبر الإنترنت، بل في الخفاء، بين تجار أو ممثلي دول كبار، من دون أن يدري أحد، تختفي بعدها المادة المسروقة لأجيال مقبلة.
أما ما بقي، أو بقي نصفه على الأقل، فيوجّه نداءً آخر محلي الطابع، قائلاً إن «الأزمة ستنتهي يوماً ما والمصالحات والتسويات ستجري. لكن الضرر الذي أصاب تاريخنا المشترك كبير، ولا يمكن إصلاحه».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...