انحدرنا من ثنائية فهل نصعد إلى أحادية

17-04-2015

انحدرنا من ثنائية فهل نصعد إلى أحادية

الجمل- بشار بشير:

هل احتاج الأمر لكثير من العبقرية، أم لكثير من العمل الدؤوب للإنتقال من ذرة "الهيدروجين" البسيطة (التي هي بداية المادة في الكون) إلى الجزيئات المعقدة ومن ثم إلى مخلوقات حية وصولاً إلى المخلوق الذي لم يكتف بالسعي للعيش (ككل المخلوقات) بل يسعى  ليعرف كيف خُلق. مع الذرة الأولى أُرسِيَت قاعدة الثنائيات التي تحكم الكون، فالثنائية الأولى هي البروتون الموجب والإلكترون السالب، جسمان متضادان وللغرابة متجاذبان  محكومان بالعيش سوياً، إن اندمجا تفنى الذرة وإن افترقا أيضا تفنى.

وتتالت الثنائيات: الليل والنهار، الذكر والأنثى، الخير والشر. هل هي كلها تطوير لثنائية الذرة الأولى؟ منذ بدء وعي الإنسان بدأ يَعُد أيام حياته بواسطة ثنائية الليل والنهار، وخلال هذه الأيام كان يبحث في سؤالين، الأول وجودي وهو عن ثنائية الولادة والموت، والثاني حياتي وهو عن ثنائية الخير والشر. كم ارتبط هذان السؤالان معاً بذهن الإنسان لدرجة أنه سعى لإيجاد إجابة جامعة لهما معاً، لم يستطع المنطق ولم تستطع الفسلفة ولم يستطع العلم تقديم إجابة، فكان أن قدمها الدين.
هل كانت الإجابة الدينية سبباً في خلق ثنائية جديدة هي ثنائية الإيمان والإلحاد؟ المؤمنون اكتفوا بأن قوة واحدة قادرة مهيمنه هي سبب الولادة والموت وهي سبب الخير والشر، والآخرون وجدوا أن هذه الإجابة لم تجعلهم قادرين على فهم ولا على التعامل ولا على السيطرة  على الحياة أو على الموت أو على الخير أو الشر، فالمفروض بالإجابات أن تجعلنا نفهم لا أن تكتفي بأن تجعلنا نصدق.

لماذا كان على هذه الذرة البسيطة أن تتشكل من ثنائية متضادة، لو أنها تشكلت بطريقة أُحادية سلسة هل ياترى كان وصل تطورها إلى حياة من دون موت وإلى خير من دون شر، لوكانت ذرة الهيدروجين الأولى تعتمد على أحادية بسيطة لا تنافر فيها ولا تضاد، هل كان تطورها ليأخذ منحى غير الذي حصل ولكانت وصلت إلى مخلوقات خيِّرة مسالمة. هل كان عيش الأحياء سيختلف،  فتعيش بتناغم بدل التصارع ، بحيث لا تقضم القطعان العشب الحي البريء، ولا تقتل الذئاب الظباء  المسالمة، ولا يذبح البشر ملايين المخلوقات ليسطوا على بروتيناتها أوعلى مدخراتها. لربما (لولا التضاد) كانت المخلوقات كلها تتغذى بالضوء، تجلس بالضوء كما تفعل أي ورقة خضراء تأخذ حصتها منه دون أن تتصارع مع أحد ودون أن تظلم أحد، تنافسها الوحيد هو بالتسامي عالياً نحو الضوء لتحصل على الحصة الطازجة منه لا أكثر. لا موت لا قتل لا عذاب لا شر. هل سمع أحد بشجرة قَتلت أخرى لتأخذ منها الضوء الذي تختزنه في خلاياها.

مالذي حصل لهذه الذرة البسيطة لكي تنقل صراع الثنائيات الموجود فيها عبر سلسلة طويلة ليصل إلينا ويملأنا ويملأ كل ما حولنا بهذا التناقض القاتل. ولماذا كتب علينا نحن البشر تحديداً أن نكون المخلوقات الوحيدة الواعية لثنائية الخير والشر، ولماذا لم يفد هذا الوعي أكثرنا للمفاضلة غريزياً بين طرفي هذه الثنائية، لماذا أضطررنا لخلق حكايا وأساطير يحاول من خلالها القسم الخير أن ينتصر على القسم الشرير. لماذا كان على الثنائية أن توجد أصلاً، وبعد أن وجِدت لماذا لم نستطع بوعينا المعقد من أن نجد الإجابة القانعة المانعة التي تفصم عُرى هذه الثنائية ليصبح من الممكن الخلاص من أحد طرفيها ووقتها سيكون الطرف الذي سنتخلص منه والطرف الذي سيبقى هو إختيارنا ونحن مسؤولين عنه ومتحملين لنتائجه (هنا سيظن أنصار كل طرف أنه هو سيكون المنتصر, أنامثلاً أظن أنه طرف الخير). هل الإنتخاب الطبيعي يعطي فرصة للشر أكثر من الخير، هذا مؤكد، يحتاج العشب لأشهر لينمو فيأكله الظبي بقضمة، ويحتاج الظبي لسنين ليسمن فيأكله الذئب بوجبة، ويحتاج العامل لسنين ليكون ثروة فيأخذها اللص بسطوة، ويحتاج العالِم لمئات الكتب ليملأ عقله ويقتله الجاهل بضربة. عملياً الخير صعب وطريقه طويل والشر سهل وسريع، معنوياً (أي ما أصبحنا نسميه أخلاقياً) أخترنا (أوأختار بعضنا) أن نأخذ الطريق الصعب والطويل ونعتبره هو الصح وننترك السهل السريع ونعتبره الخطأ. شكراً لهذه العاطفه المبهمة عند بعض البشر والتي تجعل إختيار الصعب إن كان خيراً سهل، وإختيار السهل إن كان شريراً صعب. لماذا لا تعم هذه العاطفة جميع البشر ولماذا لا تعم هذه العاطفه البشري الواحد بجميع تصرفاته، ترى شخصاً "عطوفاً خيّراً"  يتباهى بأنه محب للصيد يستمتع بقتل عصفور أو بذبح أرنب، إنها الثنائيات المتناقضة يمكنها أن تكون في الشخص الواحد وفي الفكرة الواحدة، ليس قتل الإنسان بأشد من قتل عصفور، في قوانين الفيزياء كلاهما قتل. في القوانين البشرية العنصرية لا مجال للمقارنة! لكن أليس السماح للإنسان بقتل العصفور والأرنب والخروف هو من فتح له الباب لقتل إنسان آخر, طالما فُتح الباب تبقى خطوة صغيرة لإجتيازه هي إعتبار كل من يخالفنا أو يعادينا أو لا يلائمنا  أي الآخرمن البشر بمثابة حيوان وهكذا يصبح من المقبول قتله، المشكلة أن هذه الخطوة تجر إلى سلسلة لا تنتهي أو لم تنتهي من الشر (القتل) فمن يصنفك على أنك "الآخر" لا تملك إلا أن تصنفه أنه "آخر" أيضاً. كيف السبيل إلى إلغاء بعض الثنائيات، كيف السبيل إلى إلغاء الألم.
•    لربما الحرب المجنونة التي فُرضت على سورية والتي كوَتنا آلامها هي ما جعلت من المنطقي والممكن القفز من التساؤل: كيف نلغي الألم، إلى التساؤل لماذا وجدت الثنائية المتنافرة الأولى.            


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...