الأسد...لماذا لا يزال في السلطة ؟

04-04-2015

الأسد...لماذا لا يزال في السلطة ؟

الجمل ـ*ادوارد دارك ـ ترجمة رنده القاسم:
دخل الصراع السوري عامه الرابع ، و بشار الأسد لا يزال في السلطة غير هياب كما هو شأنه دائما.و في الواقع يبدو أنه يزداد ثقة بعد جلاء أسوأ ما في العاصفة.و أكثر فأكثر  تغدو احتمالات إزالته  أو إسقاط نظامه  بعيدة الحدوث،  بعد أن أصبحت هزيمة الدولة الإسلامية هي  أولوية الولايات المتحدة ، ما جعل تغيير النظام في سورية يحتل أهمية أقل لوقت غير محدود.
إذن لماذا لا يزال باقيا كل هذا الزمن في وجه هذه الخلافات الساحقة؟  لماذا هو قادر على مقاومة قوى عالمية رئيسية  و جيران عدائيين على كل الحدود و عشرات الآلاف من المقاتلين المتمردين المسلحين جيدا؟ بالتأكيد لعب صعود داعش و شبكاتها الإرهابية دورا كبيرا في تحويل الانتباه العالمي عن نظامه إلى كيفية مواجهة الخطر الحقيقي الذي تشكله هذه المجموعة على الأمن العالمي.
و الدعم السياسي و المالي و العسكري الثابت من قبل حلفاء الأسد الغيورين، روسيا و إيران و حزب الله، كان أيضا عاملا هاما في تأسيس سيطرة نظامه على الأرض. و في الواقع "أحذية حزب الله" المباشرة على الأرض كانت مهمة في الصراع و إحباط انتصارات المتمردين في جبهات إستراتيجية عدة، و كذلك ضمان أمن مراكز مأهولة مدنية رئيسية و التي لا زالت بالكامل  أو جزئيا تحت سيطرة النظام. هذا باستثناء الرقة التي سقطت بيد داعش بعد أن استولى عليها المتمردون عام 2013.
إلى جانب هذين العاملين الهامين، هناك عامل ثالث حاسم جدا و يتم تغافله كثيرا ، لأنه لا يناسب الروايات و الخطب الطنانة الكاذبة، لا سيما ضمن الدول المعادية للنظام السورية أو المنظمات الإعلامية العالمية الكبرى. فالمفتاح لفهم بقاء النظام يكمن في الدعم المستمر الذي يتمتع به ضمن شريحة واسعة من الشعب السوري، و حتى إن كان الكثيرون يفعلون ذلك خوفا من البدائل.
الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون هو أنه قبل انتفاضة 2011 ، كان الأسد رئيسا يتمتع بشعبية حقيقية و يلقى دعما واسعا ضمن معظم شرائح المجتمع السوري، و كان بإمكانه قيادة سيارته الخاصة و السير في الأسواق ضمن حراسة صغيرة، و غالبا ما تندفع إليه الحشود الجماهيرية المحبة.و في الواقع لم تكن هناك حاجة لخلق هذا النوع من البربوغندا في سوريه، لأن الحالة كانت مختلفة عن الدكتاتوريات الأخرى.
غير أن المزاج العام انقلب ضده و ضد نظامه مع انتشار المتمردين المثارين  بالربيع العربي عبر سوريه و قمعهم بعنف، و هنا وصل دعم النظام إلى أدنى مستوى له، مع استمرار الموالين الحقيقيين بالدفاع عن قضيته التي بدت خاسرة. و غادر الكثير من الضباط و الجنود السفينة مع اعتقادهم بغرقها. و خلافا لما كان يروج له من قبل عواصم كثيرة عبر العالم و سيل لا ينتهي من وسائل الإعلام و "الخبراء" الذين كانوا يتوقعون غرق السفينة بين شهر أو آخر، فان السفينة لم تغرق.
و متأخرا تم الإدراك بأن هذه كانت مجرد طريقة أخرى لخداع و تضليل السوريين و العالم، و تمت تغذية الصراع و "سرقته" و تحويله من حركة احتجاج جماهيرية إلى حرب أهلية فوضوية و مدمرة. و لم يكن هناك من طريقة مقنعة على الإطلاق تفسر كيف بإمكان محتجين فقط، بغض النظر عن حجمهم، إزالة نظام بهذه القوة و النفوذ و الفطنة دون تدخل خارجي عسكري، و أي محلل حقيقي لقضايا الشرق الأوسط سيقول لك ذلك.
و في الواقع تم قمع التظاهرات بنجاح مع صيف 2011، و تدخل الجيش السوري و استعاد سلطة الحكومة على البلدات و المدن المتمردة.
و بالطبع، الدول التي استثمرت كل جهودها من أجل إسقاط النظام بدأت بالتفكير بطرق أخرى، و بدأت المرحلة التالية: تمرد مسلح ممول و مدعوم من قبلها. و بنفس الوقت لم تتغير الروايات الرسمية و الإعلامية السائدة مع تصاعد العنف في سوريه و انغماس البلد في حرب أهلية ، كانت تشعل و تدعم خارجيا. و لكن ، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن جماعات متطرفة و طائفية  جهادية كانت في حالة صعود و كسب للسيطرة على التمرد.
و ثانية تم التمويه عن هذه الحقيقة لصالح سيناريو " النظام ضد شعبه"، رغم أن الكثيرين من الشعب توجهوا إلى النظام بالحشود هربا من  عنف الحرب و الدمار و الحكم الحربي للكثير من المجموعات المتمردة و تعصبها.
انقلاب الدعم الشعبي باتجاه الحكومة كان نتيجة حتمية لتمرد فاشل أنتج مجموعات متطرفة بشدة مثل داعش و فروع أخرى عن القاعدة.و هذا لا يعني أن النظام السوري لم يبذل كل ما في وسعه من أجل بقائه، و خلال القتال استخدم قوة كبيرة أدت إلى خسارة في أرواح المدنيين.و لكن يجب هنا تمييز أمر هام،  فالجيش السوري استهدف مناطق  جغرافية واقعة تحت سيطرة المتمردين، و لم يستهدف مجموعات بحد ذاتها. و هذه النقطة تمت الإشارة إليها من قبل سكان تلك المناطق الذين هربوا من القتال إلى المناطق الآمنة الواقعة تحت سيطرة النظام دون وجود حوادث تذكر عن الانتقام ،إلا فيما ندر.
المثال الهام على انقلاب التأييد يتمثل في الأقلية الإسماعيلية، و التي تتواجد بشكل مكثف في السلمية التابعة لمدينة حماه. فالسلمية كانت مرتعا للاحتجاج مع بداية الربيع العربي و لكن لم يعد الحال الآن كذلك. ففي الواقع، السلمية الآن معقل أساسي للنظام يقوم على حماية خطوط الإمداد إلى الشمال و يتعرض للهجمات المتكررة و الثقيلة للمتمردين ، بما فيها ذاك النوع الذي سبب ابتعاد الكثيرين و هو القصف العشوائي للمناطق المدنية.
هذا التحول في مشاعر المجموعة الإسماعيلية من العداء الغاضب للنظام السوري إلى التأييد الثابت، يعكس نزعات مشابهة في الأقليات الدينية السورية و يعكس أيضا حال نسبة كبيرة من  الأكثرية السنة الذين يخشون خسارة أسلوب حياتهم المحافظ و لكن العصري بسبب التطرف.
و بالمقابل، لا يزال المتمردون و المعارضة يحتفظون بدعم كبير و لكن متضارب و يتمركز بشكل أساسي في المناطق التي ينتمي إليها المقاتلون. و في حالة المجموعات الجهادية مثل داعش و النصرة ،و التي تضم عددا كبيرا من المقاتلين غير السوريين و تحمل إيديولوجية مغالية في التطرف، يتم كسب الدعم الشعبي عبر البراعة في أرض المعركة و القدرة على تأمين الخدمات الأساسية و المساعدات و الحد الأدنى من القانون و النظام. و هذه هي المهام التي فشل في تحقيقها تيار المعارضة السورية الأساسي المدعوم من الغرب و مجموعاته المقاتلة "المعتدلة" غير المترابطة، و التي خسرت الدعم لصالح المتطرفين الأكثر أهلية.
إن نظاما لا يلقى الدعم بين شعبه لا يمكنه النجاة  من سنين  الحرب الأهلية، مهما كان قويا أو يحصل على دعم خارجي، انه أمر منافي للمنطق. و قسم كبير من الشعب السوري لا يزال داخل بلده و يدعم النظام. و الكثيرون ينتمون لأقليات دينية كثيرة و متنوعة، و لكن عددا كبيرا منهم  ينتمي أيضا  إلى الطائفة السنية و ذلك في مدينتي حلب و دمشق الكبيرتين و العالميتين.
إنها معلومات مروعة بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، و لن تعلمك الأخبار الغربية بها. و الأسوأ إن كنت في الشرق الأوسط، حيث تتم صياغة الصراع السوري على يد الشبكات الإخبارية المملوكة من قبل دول الخليج و التي تدعم بقوة التمرد و تقدمه على أنه قضية شيعة ضد سنة، ما يساعد على جذب التأييد ، بل و حتى التجنيد ضد النظام السوري، و يُبقي الرأي العام العربي، لا سيما السني، إلى جانبهم.
و مع ذلك لا زالت الحقيقة أكثر تغييبا، فرغم وجود بعد طائفي للصراع السوري و استقطاب داخلي هام وفقا لهذه الخطوط. إلا أن الجيش السوري مؤلف بشكل كبير من مجندين سنه، و يوجد الكثير من  المتطوعين السنة في المجموعات شبه العسكرية التي تدعم القوات الحكومية النظامية و تقاتل إلى جانب المقاتلين الأجانب الشيعة ، مثل حزب الله ، ضد الكثير من المجموعات المتمردة التي تتألف حصريا من السنة المتطرفين المحليين و الأجانب. و ربما هذا  الانقسام السني في سوريه هو العامل الأكثر أهمية، الذي يتم تغافله، في صياغة الصراع السوري.
حرب أهلية طويلة تكون لصالح اللاعب الأكثر قوة على الأرض و الذي يمكن أن يوفر الاستقرار، أو على الأقل الأمل به، مهما كان ضعيفا. و في الحالة السورية تنطبق المواصفات على الدولة المركزية، و التي هي النظام الحاكم . إنهما مرتبطان معا عضويا و بقوة، و بذلك فان التخلص من النظام يعني تدمير الحكومة المركزية. و مع غياب أي بديل حقيقي، سيؤدي ذلك إلى صراع داخلي يستمر عقودا من الزمن.
هذا النوع من الانهيار المركزي يعني أن تقوم المجموعات الجهادية بملء الفراغ، ما سيخلق دويلات أكثر نفوذا و تطرفا و تكون الأرضية المثالية لإنتاج و تصدير المتعصبين الإرهابيين. و بإمكانك تخيل  أن هذا الاحتمال غير مرحب به من قبل معظم السوريين، و لا من قبل أكبر الداعمين للمعارضة و التمرد و هي الولايات المتحدة. و لكنه بالمقابل  النتيجة المقبولة من قبل آخرين مثل إسرائيل و تركيا و السعودية و قطر، المهووسين بتغيير النظام بأي ثمن رغم العقبات الكارثية على الأمة و الارتداد العميق الأوسع.
و هذا السيناريو يناسب تماما مصالحهم الإقليمية الإستراتيجية في مواجهة تأثير و هيمنة إيران في الشرق الأوسط، الأمر الذي يبدو بالنسبة لدول الخليج  و إسرائيل تهديدا وجوديا وشيك الحدوث. و سورية المقسمة سوف تتخلى عن إيران كحليف هام، و تمكنهم من امتلاك مجالات نفوذ دائمة في شمال و جنوب سورية عبر ميليشياتهم المقاتلة بالوكالة. و يمكنهم فيما بعد التكيف مع المجموعات المتطرفة أو التعامل معها على المدى الطويل. و هذا السعي العنيد نحو المصالح الشخصية أحد العقبات الرئيسية للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة للصراع.
و وسط كل الخوف و الريبة لا يمكننا الاستخفاف بارتباط الكثير من السوريين نفسيا و عمليا بالحكومة المركزية التي لا زالت على الأقل مستمرة في توفير  الحد الأدنى من الخدمات العامة  و البيروقراطية المدنية و مؤسسات الدولة بما فيها الشرطة و العناية الصحية المجانية و التعليم و الرواتب و رواتب التقاعد لمئات الآلاف من العاملين المدنيين و موظفي الحكومة، و الأمر ينطبق أيضا على من  يعيشون في أماكن المعارضة أو داعش، فبالنسبة للكثير من العائلات، هذا هو مصدر دخلهم الوحيد.
سورية أمة مقسمة وفقا لخطوط جغرافية و ديموغرافية و هذه التقسيمات ستزداد عمقا كلما ازدادت صعوبة الصراع. و ما من رؤية واقعية حول نصر عسكري قريب لأي طرف. و بنفس الوقت، معاناة السوريين العاديين تزداد سوءا مع استغلال المجموعات المتطرفة للفوضى من أجل نثر الإرهاب على المستوى الصناعي.
الحل الوحيد لهذا الصراع يكمن في التفاوض على تسوية سياسية. و الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي الجلوس و التحدث مع النظام الحاكم مهما بدا الأمر مكروها و مثيرا للجدل. فالنظام الحاكم يمثل الدولة المركزية و الجيش السوري و عددا كبيرا من السوريين و مصالحهم.
وسيكون من الغباء تجاهل كل ذلك و الاستمرار بدفع ذات الروايات قصيرة المدى التي أدت بنا إلى لا شيء سوى العنف. ففي نهاية المطاف، انه العدو من ينبغي التفاوض معه من أجل إنهاء الحرب، لا الأصدقاء.


*الاسم المستعار لكاتب و صحفي من موقع MEE (Middle East Electricity) مقيم في حلب.

عن موقع Information Clearing House

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...