ليبيا..متحف للتاريخ في مرمى التطرف

01-04-2015

ليبيا..متحف للتاريخ في مرمى التطرف

يخشى خبراء ومسؤولون ليبيون أن يدفع قطاع الآثار في ليبيا ثمن تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة فيها مؤخراً، وسيطرتها على مناطق في وسط وشرق البلاد، كما حدث في العراق على أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" – "داعش".
ويتعرض قطاع الآثار في هذا البلد الذي يعتبر متحفاً مفتوحاً على التاريخ، لاعتداءات متنوعة منذ نحو أربع سنوات، إذ هدمت أضرحة وجرفت مواقع وسرقت قطع أثرية، بحسب علماء آثار ومصادر رسمية.
وأعرب رئيس مصلحة الآثار الليبية أحمد حسن عن خشيته من أن تطال أيدي العابثين من المتطرفين موروثنا الثقافي كما حدث في العراق". وأضاف: "نعمل على الحفاظ على هذا الموروث بالتعاون مع مختلف الفاعلين الليبيين والشركاء الدوليين".
ويشهد هذا البلد الغارق بالسلاح منذ إسقاط نظام معمر القذافي في العام 2011 فوضى أمنية، بعدما احتفظت غالبية الجماعات التي قاتلت النظام السابق بأسلحتها، وسط صراع عسكري بين إدارتين تتنازعان على الحكم والشرعية.
وفي ليبيا عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى حقبات متنوعة في التاريخ، ومنها خمسة مواقع  تصنفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" ضمن قائمة التراث العالمي، وهي موقع صبراتة الأثري الذي يجمع الحقبتين الفينيقية والرومانية ويضم مسرحاً في مقابل البحر غرب طرابلس، ومدينة شحات (قورينا) التي بناها الإغريق في شرق البلاد، وموقع "لبدة" الرومانية قرب طرابلس، ومواقع "تادرارت أكاكوس" الصخرية الغنية بآلاف النقوش، والتي يعود أقدمها إلى 21 ألف عام قبل الميلاد في جنوب غربي البلاد، وأخيراً مدينة غدامس جنوب غربي العاصمة، التي تعود آثار العيش فيها إلى نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد.
والى جانب الصراع العسكري والسياسي المستمر بين سلطتين في ليبيا، تشهد البلاد تصاعداً لنفوذ جماعات متطرفة، بينها تنظيم "داعش" الذي يسيطر على الأجزاء الأكبر من مدينة سرت، ويتواجد في مدينة درنة في الشرق، ويتبنى عمليات إرهابية وهجمات انتحارية في بنغازي وطرابلس.
وأكد مراقب آثار بنغازي محمد الشلماني، وهو المسؤول في مصلحة الآثار الليبية، أن بروز هذا التنظيم في ليبيا "دفع جميع الخبراء إلى أن يبدوا مخاوفهم من تكرار سيناريو العراق في تدمير الموروث الإنساني" في ليبيا.
وقال الشلماني إنه "في ظل هذه المخاطر قررت هيئة الآثار في ليبيا القيام بحصر سريع لكافة الموروث الأثري في البلاد وتصويره وتخزينه بشكل جيد تحسباً لأي طارئ، والتوجه إلى الأمم المتحدة واليونسكو لطلب مساعدة البلاد في الحفاظ على موروثها التاريخي"، مشيراً إلى ضرورة "نقل جميع آثارنا المهددة إلى خارج البلاد للحفاظ عليها واستعادتها بعد استتباب الأمن".
ويتعرض قطاع الآثار في ليبيا بالفعل منذ سنوات إلى اعتداءات متكررة من قبل عصابات السرقة والمتشددين.
وقال مدير مكتب الإعلام في مصلحة الآثار الليبية فتح الله كمش إنه "منذ العام 2011، تعرضت العديد من الأضرحة للتدمير على أيدي متشددين"، بينها أضرحة في زليتن شرق طرابلس، وفي العاصمة نفسها، وأضرحة زويلة التاريخية في الجنوب، وأضرحة في درنة، والأضرحة والمواقع الصوفية في مدينتي صرمان وصبراتة غرب العاصمة.
في موازاة ذلك، قال كمشة إن مصلحة الآثار وثقت سرقات عدة تمثلت في "سرقة بعض الأواني الفخارية من متحف سلطان بالقرب من مدينة سرت، وسرقة عدد من الأواني الفخارية من متحف سوسة (في أقصى الشرق الليبي)، إضافة إلى سرقة لوحتين من الفسيفساء في شحات، وكنز بنغازي".
وفي أواخر العام 2011، سطت عصابة على "كنز بنغازي"، وهي مجموعة من القطع النقدية الذهبية والفضية والبرونزية التي يعود بعضها إلى عصور ما قبل التاريخ، ويبلغ عددها نحو 7700 قطعة، بعدما قامت بحفر سقف خزانة تحت الأرض في المصرف التجاري الوطني في بنغازي حيث كانت مودعة.
من جهته، قال عالم الآثار الليبي فضل الحاسي إن أكثر من 15 موقعاً أثرياً في ليبيا تعرضت للتجريف منذ 2011، وتحولت إلى مساكن، بينها مواقع داخل مدينة شحات، مضيفاً أن "نقوشاً صخرية في جبال أكاكوس في قلب الصحراء البعيدة عن أنظار السلطات الهشة تعرضت أيضاً إلى أعمال تخريب بالطلاء، فيما طالت عمليات القصف العشوائي قصراً عثمانياً في بنغازي".
وأشار الحاسي إلى أنه جرى "تخريب قصر إسلامي بناه المعز لدين الله الفاطمي في منطقة العزيات غرب مدينة طبرق على الحدود الليبية المصرية، ليتحول إلى حظيرة للحيوانات".
وكان متشددون في العاصمة أزالوا نهاية العام الماضي تمثال الغزالة والحسناء الشهير الذي يعود إلى فترة الاحتلال الايطالي، وهو عبارة عن إمرأة عارية قرب غزالة، وكان يعد من أجمل معالم المدينة.
ولأن معظم الآثار الليبية مسرحاً مفتوحاً على الطبيعة، فان جميع المواقع الأثرية لم تغلق فعلياً أمام الزوار، فيما عدا المتاحف التي أقفلت نتيجة للإضرابات الأمنية وخشية السطو على محتوياتها، وبينها متحف السرايا الحمراء في طرابلس.
وتقتصر حراسة المواقع الأثرية حالياً على الموظفين المدنيين غير المسلحين والتابعين لمصلحة الآثار، بعدما كان يحميها في السابق جهاز للشرطة السياحية.
وقال الحاسي إن الأخطار المحدقة بقطاع الآثار أزمة وطنية يجب تداركها سريعاً".
وختم بالقول: "إنها أكبر كارثة في ليبيا حالياً".


 (أ ف ب)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...