الحرب على داعش ..حصان طروادة

13-03-2015

الحرب على داعش ..حصان طروادة

الجمل- *أولسون غانير- ترجمة: رندة القاسم:
في آب 2013 ، و مع اندفاع الكلمات من فم الرئيس الأميركي باراك أوباما حول ضربة عسكرية أميركية وشيكة على الدولة السورية، كان يلوح فوقه و فوق كاتبي خطابه عجز السياسة الخارجية الأميركية كحائط لا يقهر. و سخيفة جدا محاولة أميركا مرة ثانية استخدام كذبة "أسلحة الدمار الشامل" لتبرير تدخل عسكري آخر، مع إيمان الكثيرين بأن حرب أميركا بالوكالة في سورية قد وصلت أخيرا إلى نهايتها.
الضربة المضادة الروسية تضمنت تسليم سوريه الفوري و غير المشروط لسلاحها الكيماوي، و بهذا تبخرت المحاولات الأميركية لتصعيد الحرب. و قلة كانوا سيصدقون لو أخبرتهم حينها أنه ، في عام 2015، ستقوم الولايات المتحدة ذاتها، التي فقدت مصداقيتها، بقصف الأراضي السورية بشكل روتيني و العمل على تبرير نشوء جيش كامل من الإرهابيين لشن حرب ضمن الحدود السورية ، و مع ذلك فان هذا هو ما حدث تماما.
أعلن الرئيس أوباما خطة تهدف رسميا إلى زيادة القوة العسكرية في العراق و سوريه ضد داعش، و لكن هذا بالطبع يتضمن بناء جيش ضخم من "المتمردين" الرديئين  بكل المعايير مثل داعش نفسها (هذا و لم نذكر النزعة للانضمام إلى صفوف داعش بالآلاف).
هذا التحول الخارق في القدر كان بسبب خلق داعش و سلسلة الاستفزازات التي ارتكبها أولئك الأشرار ذو النموذج الهوليوودي و المدبرة من أجل إنعاش حجة الولايات المتحدة لتدخل عسكري أكثر مباشرة في حرب هي من بدأها في سوريه عام 2011. و ما كان باستطاعة داعش أن  تغدو أكثر فاعلية في الخطة الأميركية، من أجل إسقاط الحكومة السورية و تدمير الدولة السورية، لو أنها تملك مكتبا في البنتاغون.
و مع فشلها بتحقيق أي من أهدافها في سوريه، قامت دون تفسير بغزو العراق، مانحة الجيش الأميركي الوسيلة للدخول في صراع بمواجهة داعش أولا في العراق، و من ثم ملاحقتها عبر الحدود إلى سوريه. و عندما بدأت هذه الخطة تفقد أثرها على الرأي العام، بدأت داعش بإعدام رهائن غربيين بما فيهم العديد من الأميركيين. و عندما احتاجت الولايات المتحدة الفرنسيين إلى جانبها ، أعدمت داعش رجالا فرنسيين، و مع حاجتها لدعم  أكبر من آسيه تم ضرب عنق يابانيين اثنين. و قبل محاولات الرئيس أوباما الأخيرة السماح رسميا باستخدام القوة العسكرية ضد داعش، أُحرق طيار أردني في قفص حتى الموت في تصرف بربري لم يسبق له مثيل، سبب الصدمة حتى لأكثر الناس لامبالاة.
التمثيليات المسرحية لداعش توازي ما يشاهد في إنتاج هوليوود ، و هذا لا يعني أن داعش لم تقم فعلا بحرق الطيار الأردني أو قطع رؤوس عشرات الرهائن. و لكن هذا يعني أن كما هائلا من المصادر و التخطيط وضع في كل جريمة و الأثر الذي ستحدثه، و المتمثل بحشد العالم وراء الولايات المتحدة و جهودها اليائسة من أجل إسقاط الحكومة السورية.
هل قامت داعش بإنشاء مجموعة قادرة بدقة على التقاط لحظات درامية، مثل ألسنه اللهب التي عبرت الكاميرا و هي تنتقل نحو الطيار الأردني المحكوم بالموت و لقطات مدروسة عن طريق الرافعة و الزي الموحد لكل الكومبارس في المشهد الشيطاني السينمائي، و لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار الجمهور المستهدف و كيف ستكون ردة فعله على هذا المنتج؟ هل قامت داعش ، بالصدفة، بمنح ما تحتاجه الولايات المتحدة بالضبط لاستمرار حربها في سوريه عام 2015 بعد فشلها عام 2013؟
الجواب بالتأكيد لا، فمشاهد داعش المسرحية صممت بالتحديد لتحقيق هذا الهدف. و داعش نفسها خلق خيالي ، وفي الواقع كل فيالق الإرهابيين المقاتلين عبر العالم العربي تحت راية داعش هي نفسها مقاتلو القاعدة التي قامت الولايات المتحدة و السعودية و آخرين في محور الشر بدعمها و تسليحها و استخدامها بطرق متنوعة عبر خلال عقود.
و كما كشف بأن الدولة الإسلامية في العراق كانت غطاءا كاذبا لما هو بالأصل القاعدة (كما ورد في صحيفة نيويورك تايمز في مقال تحت عنوان: قائد مجموعة القاعدة في العراق خيالي). فان داعش هي آخر و أكبر إعادة تشكيل.
المقاتلون حقيقيون، شرورهم حقيقة، و لكن فكرة أنهم انبثقوا من رمال سوريه و العراق و حصلوا على أسلحتهم من أشجار النخيل المحلية و قرروا شن حرب إقليمية ضد العديد من الأعداء ليست سوى خيال محض. فهناك الحاجة إلى مساعدات مستمرة بالمليارات من أجل بقاء داعش، و هذه المليارات لا يمكن لداعش تحصيلها من فديات الرهائن و سوق النفط السوداء وحدها. و المصدر الوحيد الذي يمكنه دعم داعش، للبقاء حتى الآن و للبقاء كما هو مزعوم لها أن تبقى، يجب أن يكون دولة أو مجموعة دول تدعم المشروع الإرهابي.
هذه الدول هي بالطبع المتبرع الأساسي من أجل شرور داعش، و يمكننا أن نرى بأن هذه الدول هي الولايات المتحدة و شركاؤها في كل من أوروبا و الشرق الأوسط. و ستعلن الولايات المتحدة أن خطر داعش يستلزم تدخلهم عسكريا في سوريه (بعد أن تم رفض الكذب حول أسلحة الدمار الشامل من قبل الأميركيين و الرأي العام الدولي). و بالطبع قبل سلسلة ضرب الأعناق المرتكبة من قبل داعش، كانت الولايات المتحدة تحاول تسويق نفس الكذبة و لكن دون طائل.و الآن تم هدر ما يكفي من الدماء و إثارة الرأي العام بشكل كاف، و هاهي الولايات المتحدة ثانيه تحاول المضي في أجندتها.
و لا تتفاجئ، في حال نجاح الولايات المتحدة ، بأن كل شي في سوريه سيتدمر باستثناء داعش. فشرير هوليوود قدره المتابعة في إيران المجاورة أو جنوب روسيا، تماما حيث تريد الولايات المتحدة خلق نزاع و مجازر .


*كاتب و محلل جيوسياسي مقيم في نيويورك
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...