واشنطن: الأسد ما يزال عدوّنا

19-02-2015

واشنطن: الأسد ما يزال عدوّنا

مقدمة: راهنت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نشوء داعش و صعودها كوسيلة لإجبار الرئيس بشار الأسد على التنسيق مع المسلحين الذين تلقبهم بـ"المعارضة المسلحة", ولكن مخططها باء بالفشل و صارت تتشكى من عدم ابتلاع الأسد للطعم و إصراره على جعل الكلمة الأولى في الصراع للجيش العربي السوري .

الجمل- كالوم لينش- ترجمة عبد المتين حميد:  بالنسبة للوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا, فإن الطريق لتحقيق السلام السوري يمر مباشرةً عبر داعش. في ت1 الماضي قال الدبلوماسي السويدي–الإيطالي في الجلسة المغلقة لمجلس الأمن: "إن نشوء الحركة المتطرفة و المعروفة بتطبيق عبودية المرأة الجنسية و قطع رؤوس الصحفيين الغربيين و عمال الإغاثة، إن نشوءها أفاد بإحداث الصدمة المطلوبة لجذب انتباه الولايات المتحدة و القوى العالمية الأخرى نحو سورية", ثم أضاف: "ستهدد داعش اهتمامات الأطراف المتصارعة في سورية و ستدفعهم نحو عقد اتفاق سلام خوفاً منها". و مما جاء من كلمة ميستورا أمام المجلس وفقاً لنسخة سرية حصلت عليها الفورين بوليسي: "لقد تطلب الأمر أفعالاً مقززة و صوراً مرعبة لممارسة الإرهاب بهدف تسليط الأضواء من جديد على سورية... يجب الاستفادة من هذا الأمر". 
و لكن و بعد ثلاثة أشهر و نصف من عرض ميستورا لمبادرته لإحلال السلام في سورية, مبادرة تجميد القتال, اصطدمت جهود الأمم المتحدة بالجدار. فالرئيس السوري بشار الأسد أعرض عن العديد من شروط المبادرة, و علل ذلك بأنّ هذه الشروط تهدف إلى عرقلة تقدم الجيش السوري في العديد من مناطق الصراع. على الجانب الآخر, رغم أنّ المعارضة "المسلحة" ترى اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة بمثابة غطاء لاستسلامها و هزيمتها أمام الجيش السوري إلا أنها أبدت بعض الحماس للمبادرة. الخلاصة فإنّ الحكومة السورية و المعارضة ملتزمان بمحاربة بعضهما البعض أكثر من محاربة داعش. رغم ذلك ما يزال دبلوماسيين في مجلس الأمن متمسكين بالمبادرة و لا يريدون القول بأنها ماتت.
المبعوثَين السابقَين, الأخضر الابراهيمي و كوفي عنان, سعيا لتصنيع حكومة انتقالية تتضمن عناصر من الحكومة السورية و المعارضة و تهدف جوهرياً إلى إقصاء الرئيس الأسد عن عرش السلطة؛ كان الفشل مصيرهما. أما ميستورا فيسعى إلى اتفاقية أقل في الطموحات, اتفاقية تنادي بتحقيق سلسلة من عمليات وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة أسماها "تجميد القتال" و تبدأ من حلب؛ و قد عاد إلى دمشق مؤخراً بهدف جذب اهتمام السوريين من جديد إلى عرضه. بعد لقائه المطوّل مع الرئيس الأسد, قال ميستورا يوم الأربعاء الماضي بأنّه ناقش عرضه لتجميد القتال في حلب, و لكنّه لن يفشي بما دار في اللقاء قبل إطلاع كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون و مجلس الأمن في نيويورك الأسبوع القادم (أي هذا الأسبوع), و تابع في مؤتمره الصحفي في دمشق: "بالطبع فإنّ جوهر مهمتي هو محاولة و تسهيل أي عملية سياسية يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي للصراع الذي استمرّ طويلاً". صورة من مقابلة "بي بي سي نيوز" مع الرئيس بشار الأسد
و لكن مراقبين و دبلوماسيين من الأمم المتحدة يستبعدون الوصول إلى حل سياسي طالما أنّ الأطراف المتصارعة و داعميهم العسكرييين و السياسيين يدفعون نحو تحقيق نصر عسكري. فقد قال نوح بونسي ممثل مجموعة الأزمات الدولية في بيروت في اتصال هاتفي أجرته معه الفورين بوليسي: "أعتقد بعدم وجود حل عجائبي في هذا الصراع؛ لا يمكن تخيّل أي مبادرة دبلوماسية تولّد نتائج هادفة طالما بقي أبطال الصراع و داعموهم في مواقعهم الحالية... لقد أفاد صعود داعش قليلاً بتقويض إحساس الرئيس الأسد المتزايد بالثقة بالنفس, فهذا القائد القوي يؤمن بقدرته على الحسم العسكري و لذلك هو غير مندفع للموافقة على أي تجميد لإطلاق النار على الأراضي السورية", ثم يتابع: "في الواقع, الحملة الجوية الأمريكية ضد داعش هيّأت للرئيس الأسد تركيز ضرباته على المسلحين المدعومين غربياَ و عربياً, ففي مقابلته الأخيرة مع الـ BBC قال الرئيس الأسد بأنّ الحكومة السورية كانت تتواصل بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة حول نشاطاتها العسكرية في سورية". كما أضاف بوسني: "لم يعد يتساءل الرئيس الأسد فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستوسع حملتها العسكرية لتشمل ضرب النظام السوري, بل إن الأسد يرى بأنّ الولايات المتحدة سترضخ لبقائه في الحكم و ستأتي إليه طالبةً العمل المشترك".
في مقابلته الأخيرة مع مجلة فورين أفايرز أعرب الرئيس بشار الأسد عن استعداد سورية للموافقة على خطة ميستورا لوقف القتال و قال: "الفكرة جيّدة جداً, و لكن يجب النظر في التفاصيل". لقد اختلف الرئيس الأسد بحدة مع دي ميستورا على التفاصيل, و استشهد بتحرير مدينة حمص, فعملية وقف إطلاق النار في أيار 2014 كانت في الحقيقة استسلاماً من قبل المسلحين و إحكاماً لقبضة السلطات السورية على حمص كما سمحت بنقل الجنود السوريين إلى جبهات أخرى. المسلحون السوريون يرون وقف إطلاق النار بمثابة الدعامة الرئيسة لخطة الأسد العسكرية. غادر ميستورا دمشق إلى المدن التركية استنبول و غازي عنتاب ليطمئن ممثلي المعارضة بأنّ خطة وقف إطلاق النار الحالية ستكون مختلفة. مثلاً, هي لن تضمن إلقاء المسلحين لأسلحتهم كشرط أولي للمبادرة, كما أنها ستمنع القوات الحكومية و المسلحين من الانتقال إلى جبهات أخرى. كتب ميستورا في رسالته الخاصة إلى الحكومات الأوروبية: "المقصود بـالتجميد هو تخفيض استراتيجي للعنف, ذو طبيعة محلية و لكنه ذو تأثير على مستوى الوطن. يشكل التجميد عنصراً رئيساً للتوجه نحو أفق سياسي عبر حفظ الأرواح و منع تدمير حلب و صون كل من له علاقة بالمعارضة المعتدلة بالإضافة إلى بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة". ثم أضاف: "إن نجحت عملية وقف إطلاق النار في حلب, يمكن استنساخها في مناطق أخرى في سورية... لو استطعنا أن نري الناس و نري أنفسنا مناطق مخفّضة العنف حيث تنعم بالهدوء حينها فقط يمكننا الشعور بمزيد من الأمل. و حينها فقط يمكننا الرد على حكاية داعش".
قال جوشوا لانديس, مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "كان لدينا آمال بأنّ صعود داعش قد يتسبب في جمع المعارضة المعتدلة إلى النظام السوري, هذه الآمال قد تبخرت. لقد بنينا آمالنا على اعتقاد خاطئ كان أساسياً في جميع جهودنا لتحقيق السلام, و هذا الاعتقاد هو مقدرتنا على دفع الأسد لقبول حكومة مؤقتة وفقاً لحلّ سياسي. و هذا ما لن يحصل أبداً. فالأسد أوضح للجميع بأنّ وجود أجزاء من سورية خارج سيطرته لن يجعله خاضعاً لأي مساومة". عقّب لانديس على مبادرة ميستورا بقوله: "على الرغم من وجود ملامح واضحة بعدم نجاح المهمة, فهذا لا يعني وجود شخص ما بخطةٍ أفضل سيحالفه الحظ أكثر. لو كنت تملك طموحات أكبر, فإنك ستفشل".
— من الواضح أنّ الرئيس بشار الأسد صار يستحضر روح القائد حافظ الأسد في تعامله مع الخارج بعد أن مرّت سنوات طويلة يحاول فيها العديد إقناعه بعدم العيش في جلباب أبيه؛ بانتظار أن يعلم لصوص الداخل أنّ الأسد لا يبتسم لهم.


ملاحظة: نشرت هذه المقالة في الفورين بوليسي قبيل تتالي الانتصارات في الشمال و الجنوب السوري.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...