مصر تنهي «حصرية» التسليح الأميركي

14-02-2015

مصر تنهي «حصرية» التسليح الأميركي

شكل مشهد تسليم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بندقية «كلاشينكوف» للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته القاهرة، الأحد الماضي، رسالة مهمة، مفادها أن باستطاعة مصر الاعتماد على روسيا كمصدر للسلاح، بعد مرحلة ماطلت فيها الولايات المتحدة، مصدر السلاح الرئيسي للجيش المصري، في تسليم طائرات الـ «الأباتشي»، على اثر سقوط نظام «الإخوان المسلمين».
وبرغم رمزية الهدية الروسية، والرسائل التي سعى بوتين والسيسي الى إيصالها للأميركيين، ومن ضمنها تناول العشاء في برج القاهرة، إلا أن الرسالة الثانية، وربما الأكثر أهمية، جاءت هذه المرة من باريس، التي أكدت رسمياً معلومات عن إبرام اتفاق لبيع السلاح لمصر.طائرة «رافال» فرنسية في سماء القاهرة في كانون الاول الماضي (ا ف ب)
وتتضمن صفقة السلاح، التي أعلنت من قصر الإليزيه، تزويد مصر بـ 24 طائرة من طراز «رافال»، وفرقاطة من طراز «فريم»، وصواريخ أرض جو قصيرة ومتوسطة المدى.
وبحسب الإعلان الفرنسي فإنّ قيمة الصفقة تزيد على خمسة مليارات يورو.
وللمقارنة، فإنّ قيمة صفقة السلاح الفرنسية تقترب من نصف مخصصات دعم الوقود في مصر في الموازنة الحالية، وتزيد على قيمة ما خفضته الحكومة المصرية في دعم الوقود في الموازنة ذاتها. كما انها تتجاوز المبلغ على المخصص في الموازنة للإنفاق على التعليم، ويناهز نصف الإنفاق على الصحة.
وبالنظر الى الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد المصري، فإن ضخامة الصفقة الفرنسية تثير تساؤلات بشأن تمويلها، وما إذا كانت أطراف إقليمية يعنيها الحفاظ على قدرات الجيش المصري، وإمكانيات قيامه بأدوار إقليمية في مرحلة تتزايد التهديدات في مراكز حيوية في الوطن العربي، بدءاً بسيناء، مروراً بليبيا وسوريا والعراق، ووصولاً الى باب المندب في اليمن.
ومما لا شك فيه أن الصفقة الفرنسية تحمل معنى سياسياً بالغ الأهمية. وعلاوة على أنها تؤذن بنهاية قدرة أميركا على ممارسة الضغوط على مصر من خلال وقف تسليم المنظومات العسكرية، أو انتقاء ما يحافظ على التفوق الإسرائيلي في المنطقة العربية، فإن الصفقة الفرنسية تعكس تحولا مثيراً للانتباه في الموقف الأوروبي من مصر. ومعروف ان الاتحاد الأوروبي اتخذ موقفاً نقدياً من مصر عقب «ثورة 30 يونيو»، وصار أكثر تشدداً في مساعدة النظام المصري على كل الأصعدة، بما يشمل وقف مساعدات مالية مقررة لمصر، وبالتالي فإن إبرام إحدى دول الاتحاد الاوروبي ـــ وتحديداً فرنسا ـــ اتفاق تسليح ضخم مع مصر، يعني بالضرورة تغيراً غير مسبوق في الموقف من النظام المصري.
أما على الصعيد العسكري، فإن الصفقة الفرنسية تحمل معانيَ عدة، فالحصول على السلاح من روسيا وفرنسا، يعني إمكانية تغيير التوازن الذي حافظت عليه الولايات المتحدة في المنطقة عقب حرب العام 1973، والذي يدعم التفوق العسكري لإسرائيل.
وبوصفها المورد الرئيسي للسلاح لمصر، ظلت حريصة على الإبقاء على هذا التوازن، وبالتالي فإن الانتفاح المصري على مصادر سلاح أخرى، الى جانب السلاح الاميركي، يعني إمكانية الحصول على ما تحظره واشنطن من مصادر أخرى.
أما السؤال الأهم الذي تطرحه الصفقة الفرنسية فيتمحور حول ما إذا كانت ستشكل حافزاً لمصر لتطوير دورها في الحرب على الإرهاب، بما في ذلك تنفيذ هجمات خارج الحدود المصرية.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم الإستراتيجية في «أكاديمية ناصر العسكرية» اللواء نبيل فؤاد، في حديث الى «السفير»، إن «مصر لن تذهب إلى المستنقع، سواء في ليبيا أو في أي مكان آخر، والموقف المصري واضح، وهو ان مصر شريك رئيسي في الحرب ضد الإرهاب، ولكنها لن تشارك في عمليات قتالية خارج حدودها إلا ضمن قوات دولية بقرار من الأمم المتحدة».
وعن أهمية الصفقة الفرنسية يقول فؤاد ان «العلوم الإستراتيجية تقول إن على اي دولة أن تكون في حالة توازن عسكري مع دول الجوار، والصفقة تهدف بالأساس للتوازن مع إسرائيل، والحصول على السلاح من فرنسا جزء من عملية تنويع مصادر السلاح، مثل الحصول على السلاح من روسيا»، مشيراً الى ان «مرحلة الاعتماد على السلاح الأميركي وحده قد انتهت، وخصوصاً بعد التعنت الاميركي تجاه مصر».
وعن تمويل الصفقة الفرنسية، يقول فؤاد «لا يمكن الحديث عن تمويل إلا بعد معرفة حجم التسهيلات الممنوحة لسداد قيمتها».
شكل انتقال مصر من الاعتماد على السلاح السوفياتي الى الاعتماد على السلاح الأميركي، بداية تحول مهم في الخريطة الإقليمية، وقد تلتها تحولات أهم في النظام العالمي. وانتقال مصر اليوم من الاعتماد على الولايات المتحدة إلى تنويع مصادر السلاح، يتم بالفعل في الوقت الذي تتغير فيه الخريطة الإقليمية بينما تلوح تغيرات أوسع في النظام العالمي.

مصطفى بسيوني

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...