الولايات المتحدة الداعشيه

19-01-2015

الولايات المتحدة الداعشيه

الجمل- *بقلم هاري ج.بينثام- ترجمة: رندة القاسم:
 بينما تخبرنا معظم وسائل الاعلام ذات الملكية المشتركة عن تطرف ما يسمى الدولة الإسلامية و أعمالها الإكراهية، يبدو من السهل نسيان كيف أن التطرف يولد التطرف.
اننا نحن، الذين نسمى الغرب، من منح الحياة لصراع الارهاب. اننا نحن من أعلن بعجرفة عن كون دولتنا الديمقراطية الليبراليه هي النظام الأساسي و الكامل و نهاية الرحلة الانسانيه ، و بدأنا تدمير بلدان أخرى باسم هذه الرؤية المتصدعة. و بعض المتطرفين، بغض النظر عن قضيتهم، يمكنهم المنافسة مع البربرية التي أطلقناها اليوم باسم الديمقراطيه.
و لكن ما معنى التطرف وفقا لفهم وسائل الاعلام لهذا المصطلح؟ عبر عقد و أكثر من الحرب على الارهاب، أخبرونا أن التطرف يتجلى بأعمال مجموعات ارهابية تسعى لحكمنا بشكل مستبد و متعصب. و تصور داعش اليوم على أنها أكبر مؤيد لهكذا حكم، و بينما تَجَسد عنفها بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال تملك مخططات نحو العالم بأسره، كما رأينا في الخرائط التي نشرت قبل أوانها لتظهر التوسع المرغوب للخلافة المعلنة في آسيا و إفريقيا.
الاعتداءات الارهابية الحديثة في فرنسا، و التي استهدفت المجلة الهزلية شارلي ايدو، تمت الدعاية لها من أجل دعم مقولة "انهم يكرهون حرياتنا" التي كانت في صلب النقاش من أجل الحرب على الارهاب منذ ان استخدمها كل من بوش و بلير. و للأسف، لم تستخدم الاشاعات ببساطة ضد مجموعات ارهابية محددة، فمن الواضح أن المسلمين يتعرضون للذم بشكل نظامي من قبل وسائل اعلام التيار الرئيسي في فرنسا و بريطانيا  و أميركا باستخدام نفس المنطق. و يحدث في كل مره أن تجمع الكلمات بشكل سيء و تقذف، كأن يقال "ارهابي مسلم" أو "ارهاب اسلامي".
كلمة ارهابي لم تظهر أبدا في وسائل الاعلام مقترنه بأي هوية دينية أخرى، رغم الأدلة الفظيعة على الارهاب المرتكب من أشخاص يعتنقون المسيحية و اليهودية و البوذية  حتى في أيامنا هذه. و مع ارتكاب هذه التشويه الكريه من قبل الحكومة و الإعلام ضد المسلمين، أجد أنه من المدهش تماما أن يعتقد أحد بأن العقيدة الإسلامية بمنأى عن الانتقاد في دول مثل فرنسا و بريطانيا و أميركا. فليس الإسلام ما يخشى الناس انتقاده، و لكن رهاب الاسلام (الاسلامفوبيا) ، و الذي ساد لغة وسائل اعلامنا و النخب العسكرية و الأمنية و السياسية في بلداننا.و من يقوم منا بانتقاد الاسلامفوبيا يصنف في الطابور الخامس في بلداننا، ما يجعل منا أيضا إصابات مدنية  في هذه الفظاعة العالمية المتمثلة بالقتل غير الشرعي و المراقبة المعروفة باسم الحرب على الإرهاب.
نتحدث كلنا عن داعش، عن تطرفها و حساسيتها المفرطة تجاه النقد. و لكن ماذا عن الولايات المتحدة، النظام المشبع بالكره و المهووس بالتوحش و قتل كل من يقف في طريقه، مستخدما الإرهاب لإحلال الولاء و السيطرة العسكرية عوضا عن السلام؟ في مقال سابق قارنت بين داعش و الولايات المتحدة، و توصلت بالمقارنه الى أن هذين النظامين الكريهين يشكلان عدوين بكل معنى الكلمة، لأنهما متشابهان تماما.
فكل من الولايات المتحدة و داعش غير شرعيين  و عنيفين و مقاتلين تحركهما الرغبة في غزو بعضهما البعض و كل العالم. و كيف يتوقع منا أن نقف في أحد الجانبين؟فأي منهما لم يكلف نفسه عناء أخذ الإذن قبل التضحية بنا نحن البقية من أجل قضاياهما الخاصة المتطرفة، و أي منهما لن يكلف نفسه عناء شرح أهدافه. كل منهما بحاجة فقط للالتفات نحو الداخل الى ايديولوجياته المتطرفه، لاقناع نفسه بأن عنفه و ارهابه استثنائي و مبارك و مبرر.و هذا يعني أنه إما سيدمرنا أو يذعن للانتقاد و يتخلى عن طموحاته المضللة.
الولايات المتحدة و داعش مجموعتان متطرفتان لأنهما مقتنعتان على حد سواء أن ايديولوجيتي دولتهما تمثل المرحلة النهائية الكاملة من التاريخ البشري. انها "نهاية التاريخ " ذاتها التي أعلن عنها المنظر من المحافظين الجدد فرانسيس فوكاياما في التسعينات على أنها الحالة النهائية للتطور الانساني الثقافي الاجتماعي، و الذي اتخذ شكل نموذج الدولة الديمقراطية الليبراليه الالزامية  في أميركا.و ليس من قبيل المصادفة أن كلا من  تطرف المحافظين الجدد و التكفيريين الحديثين ولد في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، و أن كل منهما قدم نفسه على أنه قد هزم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
و لأن الأحداث بين عامي 1989 و 1991 هزمت النظام الثنائي للعلاقات الدولية  المستقرة و ان كانت تحت سيطرة قوتين عظمتين ، فيجب ألا نتفاجئ أن من أعلنوا انتصارهم حملوا على عاتقهم و بغرور اعادة تشكيل كل العالم وفقا لصورتهم هم. و هذه هي المهمة التي يعتقد كل من داعش و الولايات المتحدة أنهما مفوضان بها في العالم، و لهذا علينا أن نخشاهما.
و في الواقع، لا تملك أي من داعش أو الولايات المتحدة المقومات لحكم العالم أو بناء دولة كامله، و هذا ما سيدركه الشرق الأوسط.ربما يهزأ الأميركيون مما يرون أنه تخلف داعش، و لكن هل بلدهم متقدم بكثير؟ فنظامهم ليس سوى نتاج مجرمين و لصوص و متطرفين و ارهابيين ثاروا على الامبراطورية البريطانيه في القرن الثامن عشر، الامبراطورية التي خلقت بدورها على يد قراصنه و غزاة و سليلي الفايكينغ. فهل نحن في موقع يسمح لنا بإلقاء الوعظ عن الحضارة؟
ربما يكون الاختلاف الوحيد بين الولايات المتحدة و داعش هو أن الأولى أقوى على المستوى الدولي. و لكن ضمن منطقة الشرق الأوسط كلا الطرفين يضربان أعناق الناس اما بوسائل بدائية أو متقدمة، و كلاهما يسعى باحتقار الى اسقاط أي شكل لدولة غير دولتهم. و بهذا ، فان الأعمال المتطرفة للجانبين تجعلاهما مسؤولين عن الكوارث الانسانيه في سوريه و العراق.و كل خسارة الأرواح في المنطقة يمكن نسبها الى تطرف هذين الجانبين المتحاربين.
يجب أن تنتصر الانسانيه على التطرف و الفساد، و فظاعات داعش لا يمكن التغلب عليها الم نتغلب أيضا على فظاعات الولايات المتحدة. 
لأولئك الذين يعيشون في الديمقراطيات الليبراليه، تحت ظل تلك الأنظمة المتعجرفه التي تعتقد أنها أسياد العالم، طريقنا الأمثل لأجل أمننا يكمن في العمل على هزيمة أسيادنا المجرمين. و في النهاية،حصيلة الصراع بين داعش و الولايات المتحده غير ذات أهمية قياسا الى أولوية تخليص العالم من التطرف. فهزيمة الاثنين تعني النصر لنا جميعا.


*مؤلف مقيم في بريطانيا ، متخصص بالدراسات السياسية و الدينية.
عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...