ما ثمن محاربة الإرهاب؟

09-12-2014

ما ثمن محاربة الإرهاب؟

الجمل ـ جون ريس ـ ترجمة رنده القاسم:
انتهى أسبوع التوعية لمكافحة الإرهاب الذي نظمته الحكومة البريطانية. و قيل بأنه تم الإعلان عن مجموعة كبيرة من القوانين الجديدة لحمايتنا من الهجمات الإرهابية ، كما و تم تشجيع المؤسسات و الأفراد من أجل إبلاغ الشرطة عن أي شخص يعتقدون بتورطه في الإرهاب.و ما هذه سوى آخر جولة في هكذا إجراءات، و هي جزء من محاولات جارية لإخضاع الشعب من أجل رؤية العالم وفقا لطريقة الحكومة.
و لكن توجد مشكلة أساسيه تكمن في أن رواية الحكومة لا تتناسب مع الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: ما سبب الإرهاب؟ انه السياسة الخارجية الغبية.


 المخطط (1) عنوانه: "عدد الأشخاص الذين قتلوا بسبب الإرهاب عبر العالم". و فيه يظهر تصاعد وتيرة الإرهاب اثر اجتياح أفغانستان عام 2002 و العراق عام 2003. و خلال التحقيق بشأن العراق قالت السيده اليزا مانينغهام بولير، المديرة السابقة لخدمة الأمن الداخلي البريطاني ( M15)، أن قيام توني بلير بشن الحرب على الإرهاب سيؤدي إلى زيادة خطورة الإرهاب.و هذا ما حصل فعليا، إذ لا يمكن التخلص من خطر الإرهاب قبل إزالة أسبابه الجوهرية.و ما من إجراءات قانونيه صارمة قادرة على إبعاد "سائقي الإرهاب الخطيرين " عن خريطة الأزمة في الشرق الأوسط، و القيام بذلك لا يكون إلا عن طريق تغيير السياسة.
الحقيقة الثانية:   معظم الإرهاب لم يقع في الغرب.


المخطط (2) عنوانه: "خريطة الخطر العالمي"، و فيه يظهر أن الشعوب التي تواجه خطر الإرهاب ليست في الغرب و إنما غالبا في المناطق التي يخوض فيها الغرب حروبا أو حروبا بالوكالة. و حسب المخطط فان نسبة خطر الارهاب في شمال أميركا و تقريبا كل أوروبا منخفضة. فقط فرنسا، الدولة ذات التاريخ الاستعماري الطويل (و احدى الدول الأكثر فاعلية و الأعلى صوتا في الصراعات الحاليه) نسبة الخطر فيها متوسطه. و ست من الدول التي سجل فيها الإرهاب أعلى نسبة خطورة هي مواقع حروب غربية أو حروب طائرات بلا ربان أو حروب بالوكاله.
الحقيقة الثالثة:  الحرب على الإرهاب تقتل أشخاصا أكثر مما يفعل الإرهاب نفسه
الدواء أكثر فتكا من المرض، و دقيقة تفكير ستخبرنا لماذا. إذ أن نشر الأسلحة الغربية العسكرية ، ذات المواصفات التكنولوجية الدقيقة و القدرات التدميرية العاليه ، ينتهي دائما بقتل مدنيين أكثر من المفجرين الانتحاريين أو حتى خاطفي طائرات الحادي عشر من أيلول.


المخطط (3) : ضحايا الحرب على الإرهاب و غزو العراق. يظهر كيف أن عدد القتلى المدنيين في أفغانستان وحدها فاق عدد من ماتوا في هجمات الحادي عشر من أيلول. و إذا أضفنا عدد المدنيين الذين قتلوا في الحرب على العراق و الإرهاب الذي انتشر جراء الاحتلال ، عندها يجب أن تصنف هذه المغامرة على أنها واحدة من أكثر الأعمال ذات النتائج العكسية في التاريخ العسكري.
الحقيقة الرابعة: حجم خطر الإرهاب الحقيقي.
غالبا ما تكون الهجمات الإرهابية غير فاعلة،  خاصة تلك التي يقوم بها متطرفون منحرفون لا منظمات عسكرية مثل IRA (الجيش الجمهوري الايرلندي) .فأكثر من نصف الهجمات الإرهابية لا تسبب كوارث، و حتى إذا نظرنا إلى الفترة التي كان فيها IRA منهمكا في التفجيرات نجد أن معظم الهجمات الإرهابية لم تقتل أحدا.و هذا لا يعني التقليل من شأن الأرواح التي زهقت و لكن  هذه هي الرؤية العامه.
مرت عشر سنوات بعد تفجير باص 7/7 في لندن. و خلال هذا العقد كان هناك جريمة واحدة في المملكة المتحدة جراء "الإرهاب الإسلامي"، المتعلقة ب "لي ريغبي" ما جعل عدد القتلى خلال السنوات العشر  يبلغ 57  شخصا. و في السنه الماضية وحدها بلغ  عدد من ماتوا بجرائم عادية في المملكة المتحدة 500،و هو أصغر رقم منذ عقود.
و بالطبع لا مجال للمقارنه بين مستوى حملة IRA و "الارهاب الاسلامي" اليوم. فالأول فجر عضو من حزب المحافظين داخل البرلمان ، قتل فردا من العائلة المالكة على يخته عند شاطئ ايرلندا، فجر فندق كان فيه مجلس الوزراء من أجل مؤتمر حزب المحافظين، و ألقى قذائف هاون على الحديقة الخلفيه لمنزل و مكتب رئيس الوزراء البريطاني.و كل ما ذكر ليس سوى القليل من هجمات أكثر دراماتيكية.
و حتى في الفترة الممتدة منذ 2000 كان هناك هجمات أكثر فاعلية من قبل Real IRA(الجيش الجمهوري الايرلندي الحقيقي) و الطالب الأوكراني المعادي للمسلمين بافلو لابشاين ، الذي قاد جريمة و سلسلة من الهجمات على الجوامع وسط انكلترا أكثر مما فعل المتطرفون المسلمون.
عام 2010 نشرت Foreign Policy صحيفة النخبة الدبلوماسية الأميركيه مقالا تحت عنوان "انه احتلال يا أغبياء" و جاء فيها:
"كل شهر يوجد المزيد من الإرهابيين الانتحاريين الساعين إلى قتل الأميركيين و حلفائهم في أفغانستان و العراق ودولة مسلمة أخرى أكثر مما كان في كل السنوات السابقة ل 2001 مجتمعة. فمنذ 1980 حتى 2003 كان هناك 343 هجمات انتحارية في العالم كله، و 10 % فقط كانت ضد الأميركيين، و منذ 2004 وقع أكثر من 2000 هجوم انتحاري 91% منها ضد الولايات المتحده و القوات الحليفة في أفغانستان  و العراق و دول أخرى".
مؤسسة RAND للدراسات خلصت الى ما يلي:
"قامت دراسة شاملة  بتحليل 648 مجموعة ارهابية وجدت بين 1968 و 2006، اعتمادا على قواعد البينات المتعلقة بالارهاب التي تقتنيها RAND و مؤسسة الذاكرة من أجل من أجل منع الارهاب، و تبين أن النهاية الأكثر شيوعا بين المجموعات الارهابية (43%) كانت عبر الانتقال للعملية السياسية، أما القوة العسكرية فكانت فعالة فقط في 7% من الحالات المدروسة".
و الدرس من كل ذلك واضح و هو أن الحرب على الارهاب تؤدي الى الارهاب، و الحكومة تبالغ في حجم الخطر من أجل كسب التأييد على سياسة غير شعبية، و للقيام بذلك تسعى الى شيطنة جماعات بأسرها و التأكيد على أن الأقليات تملك دوافع اضافيه لارتكاب هجمات ارهابيه. و هذا هو التعريف الملائم للسياسة ذات النتائج المضاده.

 


*كاتب و صحفي و ناشط سياسي بريطاني و من المشاركين في تأسيس "التحالف لايقاف الحرب".

عن موقع Information Clearing House
الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...