المعلم في موسكو غداً : الاستماع الإيجابي إلى الأفكار الروسية

25-11-2014

المعلم في موسكو غداً : الاستماع الإيجابي إلى الأفكار الروسية

في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في نيويورك في أيلول الماضي، عبّر لافروف عن قناعة موسكو بأن استئناف العملية السياسية يعد بالأهمية ذاتها التي تشكلها الحاجة لجبهة موحدة ضد الإرهاب. ورغم أن مكافحة الإرهاب تبقى أولوية حتى بالنسبة إلى الروس، إلا أن تحريك المسار السياسي هو بمثابة سند لهذه العملية. اقترح الوزير الروسي أمام مسامع نظيره السوري أفكاراً روسية، يصعب تسميتها بمبادرة جديدة، وإن فضل السوريون، بالاتفاق مع زملائهم الروس، على اعتبارها أفكاراً للنقاش.
وطلب الجانب السوري، المتمثل بوفد رفيع المستوى من الخارجية خلال دورة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة دراسة الأفكار الجديدة، في دمشق، قبل طرح تصور للاستجابة، فيما تحرك الروس، بإيقاع أسرع، لكن من دون مبالغة، فوسعوا اتصالاتهم الإقليمية مع كل من الدوحة والقاهرة وطهران وأنقرة، وأخيراً الرياض، ودعوا وفوداً معارضة إلى موسكو، كان بين أبرزها رئيس «الائتلاف الوطني» المعارض الأسبق معاذ الخطيب، وذلك بالتزامن مع زيارة المبعوث الدولي الخاص حول سوريا ستيفان دي ميستورا إلى كل من الدوحة ودمشق.
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في تصريح لوكالة «انترفاكس»، أن «موسكو تعتبر مطالبة واشنطن بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد غير شرعية ومضرة».
وقال بوغدانوف «لا يمكن أن تحل الجهات الخارجية قضايا سورية داخلية، وتحدد شكل السلطة والدستور والإجراءات الديموقراطية، بما في ذلك انتخاب برلمان جديد وحكومة ورئيس»، مؤكدا أن «ذلك يجب أن يكون موضوع حوار سوري داخلي». وأضاف «من المهم الآن أن تستأنف قوى معارضة بناءة في سوريا الحوار السياسي مع دمشق الرسمية في مواجهة خطر الإرهاب الدولي»، مشددا على أن «أنشطة المعارضة يجب ألا تكون، بشكل أو آخر، ستاراً للإرهابيين».
ويعقد المعلم، على رأس وفد رسمي، اجتماعات في الخارجية الروسية غداً، هدفها الأساسي استعراض آفاق عملية سياسية، تستند إلى بنود «جنيف 1» وفقاً لما صرح به الروس، ويمكن أن يتم التمهيد لها بجلسات حوار وطني موسعة. وكان مسؤول سوري قد أشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستقبل المعلم.
ولا يشعر السوريون بحماسة بالغة اتجاه أفكار موسكو الحالية، والتي تستند إلى روح «جنيف 1» لكنها «تستوحي من فشله ومن الواقع الراهن أيضا». ويرى الروس أن مصطلح «الهيئة الانتقالية» ليس حكيماً ولا جامعاً، وأنه من الأفضل استخدام مصطلح «حكومة وحدة وطنية» بصلاحيات واسعة، تستمدها من اتفاق التسوية السياسية الذي سيحصل. وهي شروط لا تخفي موسكو أنها ستجتزئ من صلاحيات الرئاسة الواسعة.
وكما غيرهم، وربما أكثر، يدرك الروس حساسية المنصب الرئاسي في سوريا، لذا يقترحون من منظور «الحليف» أن تبقى صلاحيات بارزة في يد رئيس الجمهورية، وأهمها الدفاع والأمن والسياسة الخارجية. ويعتقد الروس أنه بإمكان خطة من هذا النوع، إذا أقلعت، أن تنجز مسودة وثيقة دستورية جديدة، تجر السوريين إلى انتخابات تشريعية تعددية وانتخابات رئاسية ربما بعد عامين، يشارك فيها من يشاء وفقاً لشروط الدستور الجديد، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد.
وتقول مصادر مطلعة على أجواء النقاشات الأخيرة، سواء كان المقصود الاتصالات الروسية ــ السورية أو الأفكار المطروحة، أن ثمة جوانب كثيرة تبقى عرضة للنقاش، بينها تركيبة «الحكومة الوطنية» وطبيعة عناصرها، ولا سيما في الحقائب الأساسية، كما مدة المرحلة الانتقالية أو التجريبية التي تلي، وإن كان يمكن فعلياً إنجاز دستور جديد، أو انتخابات في الظروف الحالية، تحظى بمصداقية دولية.
لكن ليس هذا أبرز ما يمكن التعليق عليه، فدمشق لا تزال تعتبر أن الوقت غير مناسب لطرح من هذا النوع. وتفضل مصادر سورية القول، قبل زيارة المعلم إلى موسكو، إن الظروف ليست ناضجة بعد، وهو تعبير يكثر المسؤولون السوريون من استخدامه وفقاً لتعليقات ديبلوماسيين زاروا دمشق، ولا سيما في ظروف غياب أي عملية سياسية عن الأفق. كما لا يطيب لمسؤولين في دمشق الاستماع للحماسة الروسية حول شخص مثل الخطيب، ولا سيما أن محاور قوة عديدة داخل سوريا تعتبر الخطيب «خائنا يجب أن يحاسبه القانون» فيما تتخوف محاور أخرى من الطابع الديني والمذهبي الذي ينعكس على أية عملية سياسية من خلال تعويمه.
إلا أن المرجح، وفقا لما تعكسه أجواء العاصمة السورية، أن يتصرف السوريون بالإيجابية ذاتها التي تصرفوا بها، بعيد تلقي صدمة «ورقة جنيف» في حزيران العام 2012 وما تلاها لاحقا. وسيعيد السوريون الاستماع لما تم تجميعه من أفكار ورؤى في موسكو، على أن يتم التعاطي بإيجابية مع مقترحات لعقد جلسات تحضيرية لاستعادة دورة العملية السياسية، لكن من دون أن تتضمن هذه العملية، وفقا لما قاله مسؤولون سوريون ، لقاءات جانبية مع معارضين، على الأقل خلال الزيارة الحالية.
ويتوافق السوريون والروس على اعتبار «المصالحات الوطنية» أفضل السبل لتقليص حدة النزاع. وينظر الروس للتسوية التي جرت في الشيشان باعتبارها مثالاً ناجحاً للنزاعات ذات الأبعاد المحلية، من دون إسقاط العاملين الإقليمي والدولي، بشأن سوريا. وستطرح موسكو أفكاراً أولية لاجتماعات «سورية» فقط، شبيهة بتلك التي جرت في مدينة قرطبة الاسبانية منذ عامين، بين مكونات المجتمع السوري، لكن على أن تتفوق عليها بالتمثيل السياسي، بين شرائح معارضة وحكومة، وممثلي شرائح اجتماعية متنوعة، بشكل تثمر حواراً سورياً يقود إلى نتائج عملية.
ويبدو في هذا السياق أن الجانبين يمتلكان الشكوك ذاتها حيال «فعالية وما وراء» مقترح دي ميستورا اتجاه فكرة «تجميد القتال» في حلب، وإن بدت دمشق أكثر تقدما في إعلانها «الحماسة لدراسة الفكرة»، على الرغم من تمكن جيشها من التقدم في محاصرة خصومه في حلب.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...