الجهاديون الجدد.. بين النصوص والاستخبارات

22-11-2014

الجهاديون الجدد.. بين النصوص والاستخبارات

لا يوجد خلاف جوهري في المرجعية الفقهية لمن يزعمون أنهم وسطيون أو معتدلون او سلفيون. عبدالله عزام، مثلًا، لا يختلف في مرجعيته عن شيخ الأزهر، فكلاهما يغرف من المعين نفسه، أي من الأحاديث النبوية ذاتها، ومن فتاوى الفقهاء الكبار؛ الفارق هو في الانتقاء وحده. لذلك، فإن خطوط التفريق بين الجماعات الإسلامية غير واضحة. بمعنى آخر، إن عقيدة «الدولة الإسلامية» لا تختلف عن عقيدة أي منظمة سلفية، جهادية أَكانت أم صحوية. ومصادرها كلها تتمحور حول بضعة كتب مثل «كتاب التوحيد» و»كشف الشبهات» و»نواقض الإسلام» لمحمد بن عبد الوهاب، و»رسالة الإمارة والبيعة والطاعة» لجهيمان العتيبي وغيرها. فالأشجار، على سبيل المثال، تمتص الماء والمعادن من التربة الواحدة، وتتمثل الضوء لصنع اليخضور من الفضاء نفسه، لكنها تحمل أنواعاً متعددة من الأزهار. والأرض الواحدة تنتج العنب والعوسج والتوت في الوقت نفسه. وهذه هي حال المذاهب والفُرق: مصدر أصلي واحد على الأرجح، وجماعات متفارقة ومتنافرة ومتصارعة ومؤمنة في آن. وبهذا المعنى، فإن «الدولة الإسلامية» ليست إلا استعادة للوهابية الأصلية التي صاغها حنابلة الصحراء. وهذا هو بالتحديد ما يجعل أمراء آل سعود اليوم يرتعدون بقوة، لأن هذه الاستعادة تأتي من خارج نطاق دولتهم، وخلافًا لإرادتها في التحكم بمصائر الأمور. وعلى هذا المنوال وقفت السعودية ضد حكم الرئيس محمد مرسي خوفًا من أن تصبح مصر دولة ذات عقيدة اسلامية منافسة، ولأن المشروعية الاحتكارية، التاريخية والدينية للنظام السعودي تصبح، حينذاك، قابلة للتنافس عليها والتشكيك فيها، ثم تقويضها، وها هي اليوم ترتجف من «الدولة الاسلامية» لأنها تتطلع إلى نظام اسلامي مغاير لا يسير في ركاب العائلة السعودية.
لا يوجد أملس بين القنافذ، فالمرجع الفقهي للسعودية هو نفسه المرجع الفقهي لـ»الدولة الإسلامية». فالوهابية السعودية تقول بوجوب هدم جميع مظاهر «الشرك» كالقبور ومقامات الأولياء ومشاهد الصالحين، وهو ما تفعله «الدولة الإسلامية» يوميًا. وهذه الدولة البغدادية إنما هي عودة إلى مرحلة الغزو والأسلاب والسبي والإحراق والاسترقاق. والنصوص الفقهية التي تستند إليها «الدولة الإسلامية» تحفل بالكلام على الاسترقاق والعتق والبيع وملك اليمين والتسري وجواز وطء السرية من غير زواج أو صداق، فلماذا الاستغراب؟ فالنصوص المعتبرة تقول بصراحة: لا يُقبل من المشرك إلا الاسلام، فإن أبى يُقتل وتُسبَ نساؤه ويُسترق صغاره. ولا يُقبل من أهل الكتاب إلا الاسلام أو الجزية، فإن أبوا يُقتلوا وتُسبَ نساؤهم ويُسترق صغارهم. وهو ما تفعله «الدولة الإسلامية» تماماً، فقد باعت ، بحسب وكالات الآنباء، 700 امرأة إيزيدية بمزاد علني في الموصل. أما الكلام الجاري في الأفواه على أن «داعش» هي اختراع أميركي أو سوري أو تركي، فهو لا يستحق المناقشة. وأصحاب هذا الكلام يستندون إلى أن كثيرًا من قادة «النصرة» و»داعش» كانوا في السجون السورية والعراقية وأطلقوا في بداية الحوادث في سنة 2012. حسنًا، إن كثيرًا من شخصيات المعارضة كانوا أيضًا في السجون السورية أمثال ميشيل كيلو وفايز سارة وهيثم المالح، وقبلهم حسن عبد العظيم، وأطلقوا. فهل هؤلاء عملاء للنظام السوري؟ «الدولة الاسلامية» هي ظاهرة عراقية في الأساس، وصار لديها من العمر إحدى عشرة سنة، وهي فترة كافية كي تصبح واقعاً. لنتذكر أن «القاعدة» لم تحتج إلى هذه الفترة كي تصبح قوة راسخة وتبدأ بتنفيذ عمليات في كينيا والسعودية، وترسل المقاتلين إلى كوسوفو، ثم تنفذ عملية نيويورك.
«الدولة الإسلامية» ليست صناعة استخبارية حتى لو اخترقتها استخبارات شتى، وتاريخ «الدولة الإسلامية» معلوم وليس مجهولًا، فهو بدأ في العراق أولًا مع أبي مصعب الزرقاوي (أمير الذباحين) حين أسس «جماعة التوحيد والجهاد» في سنة 2004، وعندما بايع أسامة بن لادن غيَّر اسم مجموعته إلى «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». وبعد مقتله في حزيران 2006 اجتمعت عدة فصائل دعيت «حلف المطيبين» واندمجت في تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» واختارت أبا عمر البغدادي أميرًا على هذا التنظيم. ولما قتل أبو عمر في سنة 2010 خلفه أبو بكر البغدادي. وفي 9/4/2013 صار اسم التنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وظلت بيعته لأيمن الظواهري قائمة في عنقه إلى أن دب الخلاف بينهما، فأعلن نفسه في 29/6/2014 خليفة على المسلمين. وقوة هذه «الدولة الاسلامية» نابعة من أمرين: انهيار النظام السوري في المناطق الطرفية ، الأمر الذي أتاح للمناطق الزراعية – الرعوية أن تصبح خارج السيطرة. وهنا وجدت «داعش» ملاذاً لها وعوناً من أبنائها، والدعم الخارجي من السعودية وتركيا. وعندما تنحسر سيطرة الدولة، تستطيع الميليشيات أن تجند كثيراً من الشبان ما دامت لديها أموال كثيرة وأسلحة ووعود بالعذارى الكاعبات الناهدات.
قصارى القول ان «القاعدة» و»النصرة» و»داعش» ومشتقاتها ليست ترتيبًا استخباريًا على الإطلاق، فهذا كلام ساذج، إنما هي حركات لها أيديولوجيا معروفة، وينجذب إليها الشبان كانجذاب الذباب إلى صحن العسل، خصوصاً أبناء الجوالي المهاجرة إلى أوروبا الذين يعانون التهميش وانفصام الهوية وصدمة الغرب، وكذلك أبناء السُّنة الذين باتوا يخشون «غلبة أهل التأويل على أهل التنزيل» فيلتحقون بأفكار الجهاد مدفوعين بعناصر الغضب والانتقام. والسلفية الجهادية هي الأداة الموهومة لاستعادة الهوية المنفصمة ورد الظلم والعيش في جماعة من المؤمنين والاحتجاج على الواقع وانتظار الوعد بلقاء الحور العين. و»الدولة الاسلامية» ليست جديدة على الاطلاق كي تثير حيرة البعض، فهي نسخة عن حركة طالبان في أفغانستان وباكستان، وجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا، و»حركة الشباب الاسلامية» في الصومال، ومجموعة عنتر الزوابري في جبال الزبربر في الجزائر.

صقر أبو فخر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...