الصراع على اليمن

17-10-2014

الصراع على اليمن

الجمل- *فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:

يبدو أن أرض اليمن مبتلاة بثروتها الإستراتيجية الهائلة المتمثلة في كونها مركز واحد من أقدم طرق التجارة في العالم، رابطة دول المتوسط مع المحيط الهندي عبر البحر الأحمر.
و تعود حضارة اليمن الى سبعة آلاف سنه بفضل أهميتها كمركز تجاري، في النهاية الجنوبية لشبه الجزيرة العربية،  يطل على القرن الافريقي.
قبل حوالي ألفي عام ، وصفت الإمبراطورية الرومانية اليمن "بالسعيد" ، بسبب خصوبة أرضه و تنوع حضارته، بخلاف الصحراء العربية، في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة،و المعروفه فقط بصحاريها القاسية الجرداء و مناخها اللاذع.
و لكن للأسف، جلبت ثروة اليمن الطبيعية سوء الطالع لأبنائها ، لأنها جذبت اليها أنظار القوى الأجنبية الحسوده الناهبه.فقامت الإمبراطوريتان العثمانية و البريطانية بشق الأرض إلى شماليه و جنوبية لصالح طرق تجارتها نحو آسيا.
عام 1839 أدى قصف الأسطول البريطاني الى اخضاع مدينة عدن ، و تشكيل محمية بريطانيه في جنوب أرض اليمن. احتاج البريطانيون مخزن فحم  لتزويد سفن البضائع التابعة لشركة East India بالوقود في طريقها الى بومباي ، ما منح المعنى الحقيقي لكلمة محمية.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، حصلت قبائل اليمن الشماليه ، بقيادة الامام الشيعي يحيى حميد الدين، على استقلالها عن الدولة العثمانية المتهاويه. غير أن  رؤية الامام يحيى، الراميه الى توحيد كل اليمن كبلد واحد،  أحبطت بتدخل البريطانيين و السعودية التي كانت ناشئة حديثا على يد ابن سعود.
و قصفت الطائرات البريطانية قبائل الزيديين خلال العشرينات و من ثم في الثلاثينات ، و شن السعوديون المدعومون من البريطانيين حربا على الأرض اليمنية الشمالية. فالبريطانيون خافوا من خسارة ممتلكاتهم الاستعمارية المتمركزة في اليمن، و لم يكن السعوديون يرغبون بوجود يمن قوي و موحد على حدودهم الجنوبيه. و واقعيا خسر البريطانيون محميتهم عام 1967 بعد حرب الاستقلال.
و من المحزن أن هذا التدخل الأجنبي تواصل الجماعة تمددها في المحافظات الجنوبية الغربية (الأناضول) في شؤون اليمن كان الفكرة المسيطرة خلال القرن الماضي. فالتطفل الجشع من قبل قوى خارجية خلق عبئا خانقا على التطور القومي اليمني، و أذكى نار الفساد و الصراعات القبلية اللامنتهية. فاليمن الحديث شهد على الأقل إحدى عشر حربا أهليه تعتبر إرثا ثقيلا على كاهل سكانها البالغ عددهم 24 مليون. و أضرمت نيران الحروب الماضية على يد  السعودية و بريطانيا و إسرائيل و مصر و الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي. و دائما كان الهدف الحيلولة دون توحد البلد و تشكيل حكومة قوية تمثل الشعب.
عندما بدأ الشعب اليمني ربيعه العربي في كانون الثاني 2011، تم تدمير حكم علي عبد الله صالح  الدكتاتوري (الذي استمر 33 عاما) و بلا رحمة بدعم سعودي و أميركي.و في النهاية أجبر صالح على التنحي في شباط 2012 بضغط من  المعارضة الشعبية الصارمه، و هذا الضغط لازال مستمرا حتى اليوم رغم القمع المهلك و الارهاب السعودي السري.
بذلت واشنطن و الرياض كل ما في وسعهما بهدف اعاقة الحرمناصرون للحوثيين يشيعون أمس ضحايا الانفجار الذي نفّذه تنظيم "القاعدة" يوم الخميس 15-10-2014 ضد تجمع لهم في صنعاء (أ ف ب)كة من أجل الديمقراطيه، و قامت السعودية بشكل خاص بدعم القاعدة و الشبكات الإرهابية السلفية تحت اشراف النظام اليمني في محاولة للقضاء على الانتفاضة ، التي يقودها بشكل أساسي الحوثيون الشيعة ، أو حركة أنصار الله.
و كل هذا رغم الموقف الرسمي لواشنطن و الرياض المتمثل باعتبار القاعدة عدوا أساسيا في شبه الجزيرة العربيه. و قامت الطائرات الأميركية التي بلا ربان بقتل مئات المدنيين اليمنيين خلال حرب السنوات الأربع المفترض أنها ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية ، الحملة التي اعتبرها الرئيس باراك أوباما ناجحة.
خلال الأسابيع الماضيه، قتل مئات المحتجين المعارضين للنظام في قصف و اطلاق نيران من قبل مجموعات مرتبطه بالقاعده. و شهد هذا الأسبوع واحدا من الاعتداءات الشرسه، عندما قتل حوالي خمسين شخصا، بينهم أطفال، بهجوم قنابل   على ساحة مركزية في العاصمة صنعاء.
و منذ قيام عدد كبير من المحتجين السلميين بالاحتشاد في العاصمة يوم الثاني عشر من ايلول، و النظام المدعوم من السعوديه و الولايات المتحدة في صنعاء يبذل جهودا مكثفة من أجل تنازلهم.
و قبل أسبوع رفض المحتجون ترشيح  رئيس الوزراء، المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية. و طالبوا عوضا عن ذلك ب "كنس " الشخصيات الحاكمه و أقسموا بالاستمرار باحتلال الأبنية و الساحات العامة حتى تحقق مطالبهم.
و قال محمد عبد السلام، أحد قادة الاحتجاج: " انه نصر استراتيجي لكل اليمنيين ، و لكنه البداية فقط لحملة طويلة من أجل محاربة الفساد المستشري في النظام ايمنيون يتفقدون الجرحى والقتلى في لحظات التفجير الأولى في صنعاء الشهر الجاري 10- 10- 2014  (رويترز)لحكومي اليمني . اليوم هو البداية لزمن مختلف عن الماضي حيث يسمع فيه صوت كل الأمه".
النظام اليمني المنهار و المتعجرف متشبث بالسلطه في وجه حركة واسعة من أجل الديمقراطيه أثبتت نفسها عبر المحن و التضحيات. و ربما يقود الحوثيون الشيعه هذه الحركه، الا أنها عن قصد توحد كل اليمنيين (بغض النظر عن القبيلة أو الطائفة،) الذين همشوا و لعقود من قبل الحكام المدعومين من الأجانب.
و بشكل مشؤوم، حذر آل سعود من أن اضطرابات اليمن تشكل تهديدا للأمن الاقليمي ، في وقت تمارس فيه القاعدة و الجماعات السلفيه عنفها القاتل. بكلمه أخرى السعوديون يطلقون التحذيرات التي ستغدو حقيقة.
و من مدعاة السخريه المؤلمه أن السعودية أرسلت بنفس الوقت طائرات لقصف المجموعات المرتبطه بالقاعدة شمال سوريه كجزء من "قضية الديمقراطيه" بقيادة الولايات المتحده. و اليمن مثال واضح على أن الولايات المتحدة و شريكتها السعودية غير معنيتين بنجاح الديمقراطيه، بل على خلاف ذلك هما معارضتان بعمق لهذه النتيجة، ليس في اليمن فحسب بل عبر الشرق الأوسط.
و رغم ذلك، فان التاريخ الى جانب الشعب اليمني اضافة الى سلاح حاسم آخر و هو الحقيقة. بينما تختنق واشنطن هي و عملاؤها العرب كل يوم بكذبهم و نفاقهم و معاييرهم المزدوجه و جرائمهم.


*صحفي ايرلندي
عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...