تهديم أركان التاريخ في السوق العتيق

17-12-2006

تهديم أركان التاريخ في السوق العتيق

الجمل- رشا رام حمداني:   الاعتراف بمدينة دمشق كأقدم عاصمة مأهولة بالسكان، وكذلك إدراج اليونسكو لها على لائحة التراث العالمي المعماري كنسيج وليس كمدينة فقط داخل أبوابها السبع لم يمنع التجار والمتنفذين من تحطيم أحد أسواق العاصمة العتيقة المعترف به أثرياً فأطاحت الجرافات بحجاره التي يشهد كل حجر منها على ركن من أركان التاريخ، وذلك بالطبع لقاء مردود مادي ضخم ستؤمنه العمارات والأبراج التي ستشيد مكان ذلك السوق.
ما سبق يشكل مقدمة متواضعة لسوق يستحق منّا كل إعجاب بعمارته ومبانيه على اهترائها المتعمد من قبل السلطات المتنفذة تمهيداً لهدمه بحجة أنه لا يفي بشروط السلامة العامة في وقت كان بالإمكان ترميميه بسهولة وفتحه مقصداً فريداً من نوعه أمام السياح العرب والأجانب وحتى أمام أبناء البلد.
وفي أحسن الأحوال لا يسعنا إلا أن نشعر بالاكتئاب حيال ما حصل في منطقة السوق العتيق في مركز دمشق التاريخي والعمراني، مقابل قلعة العاصمة الشهيرة، وإذا لم يفلح مخطط إيكوشار (مهندس معماري فرنسي) وقد حاول هتك حرمة الأحياء القديمة في دمشق من أن يسفر عن تدمير السوق العتيق، تمكنت مجموعة من رجال الأعمال يختبئ ورائها الكثير من المتنفذين، من هدم السوق. ولمَ العجب؟ إذا علمنا أن أصغر دكان مقرر في هذا السوق بعد إعادة بنائه سيتراوح سعره بين 10 و15 مليون ليرة سورية، فيما سيطرح استثمار البرج المقام بديلاً عن جامع يلبغا (كان يضم قبل هدمه أقدم محراب في دمشق)، بمليار و700 مليون ليرة سورية.
هناك من يقول: (انه لا قيمة أثرية أو تاريخية للسوق) على الرغم من أنه مسجل كتراث أثري في اليونسكو إلا أن الإبقاء على حمام الأرماني في ذات المنطقة من السوق العتيق أكبر مؤشر على اعتراف رسمي وإن ضمني بأن المنطقة أثرية.
وفي الرد على القائلين بأن (السوق خارج دائرة المباني الأثرية).. تقول: (إن كتب التاريخ في القرن الـ13 ذكرت خان البطيخ وخان الزيت وجامع يلبغا وكلها ضمن السوق سالف الذكر).
وما يزيد في الطنبور نغم ليس فقط محو السوق العتيق، وإنما الهوية العمرانية الجديدة المعدّة له والتي لا تنتمي إلى النسيج العمراني الدمشقي المحيط بتلك المنطقة بصلة حيث تفتقد العاصمة أساساً إلى تخطيط عمراني متجانس يحافظ خصوصاً على هويتها العمرانية الأصلية.
ويتهم مراقبون السلطات (بتراجع اهتمامها بالأماكن الأثرية نتيجة لجهل القائمين على الآثار بهذه المسألة إذ إن مدير الآثار ورئيس مجلس الآثار وغالبية أعضاء هذا المجلس غير متخصصين بالآثار الإسلامية، ومن هنا نرى المناطق الأثرية تتهالك وتسقط تحت وطأة جرافات المحافظة وغيرها الواحدة تلو الأخرى).
وباعتبار أن الهدم الحاصل، حاصل شئنا أم أبينا نحن القلة المهتمة بالتراث المعماري والهوية العمرانية لدمشق، فلنطالب على الأقل، السلطات المختصة وفي مقدمها المحافظة، تشديد الشروط على التجار الراغبين بشراء هذا السوق منعاً لحدوث تخريب أكبر وتشويه أكثر له بعد إعادة بنائه.
وأنا كمعارية أقول: إنه يفترض أن نحافظ على دمشق العتيقة كتراث لا يمكن تعويضه، وعلينا أن نرمم كل البيوت شبه المتهالكة في أحياء العاصمة القديمة وبالمقابل إذا أردنا التوسع فعلينا التوسع بشكل حديث بمعنى تشييد بناء حديث يتوافق في الهوية العمرانية مع ما حوله من أبنية وبيوت قديمة كأن نعمل على التوسع بشكل شطرنجي كما هول الحال في تخطيط دمشق أساساً أو بشكل شعاعي كما هو الحال في مدينة حلب عاصمة الشمال.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...