أوباما مهندس الفوضى في العراق وسوريا وليبيا

16-08-2014

أوباما مهندس الفوضى في العراق وسوريا وليبيا

الجمل- بقلم جيفري ساكس-ترجمة وتحرير عاصم مظلوم:

النيران التي تعصف بطرابلس، غزة، حلب والموصل هي ثمار السياسة الخارجية الأمريكية التي تعمل بدون بصيرة، وإبداع وأخلاق أو احترام للقانون الدولي

من المعروف أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع، وهذه الإستراتيجية قد تكون الدافع وراء هجوم هيلاري كلينتون مؤخرا على السياسة الخارجية للرئيس أوباما. في نهاية الأمر، كانت كلينتون من المهندسين الرئيسيين لتلك السياسة عندما كانت وزيرة للخارجية، والسياسات التي تبنتها هي حتى وقت قريب تواجه الآن الفشل.

أشد تصريحاتها كان أن عدم رغبة أوباما بتقديم الدعم للمسلحين السوريين أدى إلى ظهور داعش، وهو تصريح عار تماما من الصحة! الولايات المتحدة وحلفاءها قدموا الدعم "للثوار"، لكن الأرقام والوسائل تبقى مجهولة لأن عمليات الدعم تلك كانت في أغلبها عمليات سرية.

تلك السياسة كانت خاطئة منذ البداية: فهي ساهمت في موت أكثر من 160 ألف قتيل في سوريا، وفي الواقع ساهمت تلك السياسة في فتح الطريق أمام داعش لتهدد سوريا والعراق. يتحمل هذا الإخفاق كلا من كلينتون وأوباما، وهو حتى اليوم مغطى بسحابة من الكذب والخداع.

ما نعرفه هو أن "الربيع العربي" انطلق في بدايات عام 2011، وكان مفاجئة للسياسة الخارجية الأمريكية ومؤسسات المخابرات، وبدون أي تنبيه أو تحرز أو سياسة للتعامل معه. كانت سياساتنا في الشرق الأوسط في المجمل تعتمد على رد الفعل، وبصيص الأمل الوحيد الذي حمل في طياته مفهوم المبادرة كان خطاب أوباما في القاهرة عام 2009و لكن تبين أنه مجرد كلمات جوفاء بدون أي متابعة.

اندلعت ثورتان مسلحتان ضد حكومتين واحدة في ليبيا والثانية في سوريا. في كلتا الحالتين قرر كل من أوباما وكلينتون إضافة إلى المملكة المتحدة وفرنسا استغلال الثورتين في البلدين كفرص لتغيير النظام. تحت شعار حماية السكان المدنيين مررت الولايات المتحدة وأوروبا قرارا في مجلس الأمن حول ليبيا وكان ورقة التين التي تستر خلفها الناتو لقصف ليبيا والتخلص من معمر القذافي، وهو أمر لم يتم اعتماده في قرار مجلس الأمن. ( في مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة نيويورك تايمز، أقر أوباما أن هدف الناتو كان في الحقيقة التخلص من القذافي).

النتيجة فوضى لا تنتهي سواء داخل ليبيا حيث يقوم أمراء الحرب بتدمير البلد، وخارج ليبيا حيث يقوم السلاح والميليشيات المسلحة من ليبيا بإشعال الحروب عبر أفريقيا والشرق الأوسط. الأكثر من ذلك، كل من روسيا والصين التين امتنعتا عن التصويت على قرار مجلس الأمن ذاك، شعرتا بأنهما تعرضتا للخداع من قبل أمريكا وأوروبا كونها حذرتا بدقة وقتئذ من هدف الناتو الحقيقي بإسقاط القذافي.

الوضع السوري أكثر عبثية ومأساوية، ففي 27 آذار 2001، وصفت هيلاري كلينتون الرئيس بسار الأسد بقولها "يحكم سوريا الآن قائد جديد. العديد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين زاروا سوريا في الشهور الأخيرة وقالوا أنهم مؤمنون بأنه رجل إصلاحي".

بحلول صيف 2011، قررت الولايات المتحدة وأوروبا بتشجيع من حلفاء إقليميين (على رأسهم السعودية) تحديد الهدف بإسقاط النظام السوري. في آب 2011 أعلن الرئيس أوباما أنه على الرئيس الأسد أن يتنحى. ما بدأ عام 2011 بشكل عقوبات تحول لدة أمريكا والحلفاء إلى دعم مباشر لجيش من المسلحين السوريين، ما يسمى "الجيش الحر" بحلول 2012.

الحقائق يلفها الغموض بكل تأكيد حاليا كون العمليات الأمريكية لم يتم أبدا شرحها للشعب الأمريكي، بينما الكونغرس الأمريكي النائم بشكل مريب لم يظهر حتى أدنى درجة من الفضول بهذا الشأن. من ناحية أخرى، نحن نعلم أن منذ خريف 2011، كانت السعودية وتركيا قد بدأتا سلفا بتقديم الدعم بأشكل مختلفة للمتمردين السوريين (إقامة في تركيا وتمويل من السعودية)، وأنه مع بداية 2012 بدأت الولايات المتحدة بتنظيم مساعدات ودعم لوجستي وتدفق السلاح للمتمردين عبر ما يسمى "بمجموعة أصدقاء سوريا" والمعنى هو الداعمين الأجانب للثورة السورية.

بحسب تقارير لوكالة رويترز بتاريخ آب 2012، قام أوباما في وقت سابق من العام بتوقيع ورقة نتائج استخبارية أجازت للسي آي إيه والوكالات الأمريكية بتوفير الدعم لإسقاط الأسد. في كانون الأول 2012 نشرت صاندي تايمز اللندنية تقريرا يقول أن الولايات المتحدة بدأت بإرسال شحنات من الأسلحة الثقيلة للثوار السوريين وتشمل مدافع هاون وصورايخ مضادة للدبابات وصواريخ حرارية مضادة للطائرات (سام 7). في المجمل، قدمت أمريكا ما لا يقل عن 250 مليون دولار للثورة خلال 2012 و2013، لكن المحتوى الحقيقي لتلك المساعدات يبقى مجهولا بكل تأكيد.

ما نتيجة كل ذلك؟ في سوريا دمار مطلق وفوضى تامة، والأمر عينه أصبح يهدد العراق الأن أيضا. الجهود الأمريكية بقيادة أوباما، كلينتون وكيري والبلدان المجاورة لسوريا كانت كافية لرفع وتيرة العنف  والدمار والموت في سوريا ولكن غير كافية لإسقاط الأسد، والنتيجة منطقية ومتوقعة نتيجة الجيش العربي السوري والدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا. الحصيلة حتى الآن هي 160 ألف قتيل، والتدمير الشامل الذي لايمكن إصلاحه لأجزاء من التراث الثقافي السوري وبالتالي التراث العالمي، حوالي 3 مليون لاجىء وأكثر من ذلك من النازحين داخليا.

لكن عبر إضعاف الأسد، كامل الجهود المدعومة أمريكيا أدت إلى منح داعش مساحة كافية للسيطرة على مناطق واسعة في كل من العراق وسوريا. هذا التقدم الداعشي ليس "مجرد أثر جانبي" للحرب في سوريا، بل هي انتكاسة متوقعة عالية الإحتمال تتعرض لها الولايات المتحدة تقريبا في كل مرة تورطت فيها بتغيير الأنظمة عبر العنف. تستخدم داعش الآن أسلحة ثقيلة أمريكية استولت عليها من الجيش العراقي المنسحب، أسلحة قامت الحكومة الأمريكية بتزويد العراق بها بعد تغيير النظام عبر الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

قد تكون هيلاري راغبة بالنأي بنفسها عن هذه الفوضى، ولكنها لا تستطيع. فالنيران التي تعصف بطرابلس وغزة وحلب والموصل هي ثمار السياسة الخارجية الأمريكية التي تعمل بدون بصيرة، وإبداع وأخلاق أو احترام للقانون الدولي. بالطبع ليست الولايات المتحدة هي الوحيدة صاحبة الإخفاق في هذه القصة، فكل المشاركين فيها لديهم حصتهم من الإخفاق والفشل. لكن مع كل القضايا الملحة التي يواجهها العالم، كمكافحة الأمراض والتغير المناخي والفقر المدقع والبطالة المرتفعة والأمية المنتشرة على نطاق واسع، قام زعماؤنا السياسيون بمضاعفة رهانهم المحفوف بالمخاطر على الحروب، وحديث كلينتون يدخل في هذا السياق. من ناحية أخرى، معظمنا يشعر بالتعب الشديد من الدعوات الجنونية لدخول المزيد من الحروب والتي تسحب العالم معها أعمق فأعمق في بحر من اليأس.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...